في نية قرية المالكي الحكومية الحفر عند أطرافها مع ( حزام بغداد ) خندقاً بعرض " خمسة أمتار" وعمق "خمسة أمتار". وستقيم وراءه حاجزاً ترابياً بارتفاع "أربعة أمتار"، وعلى امتدادها تسمية الشرعية الإيرانية - موقتاً - حدودها الجديدة مع الأنبار. تعود بي الذاكرة إلى مثلين لهذا الحاجز من التاريخ المعاصر. المثل الأول : خلال الحرب "الباردة" أقدم الاتحاد السوفييتي - رحمه الله - على إقامة حائط في مدينة "برلين" يقسمها ويعزل شرقها الشيوعي عن غربها الرأسمالي. ومضت الأيام والصراع عاصف، يرعد ويهدد، ثم تهاوت الشيوعية بأخطائها وما أرهقوها، أو أرهقت نفسها، وانهار معها وبها كل ما أقامت، وسقط "جدار برلين" ومع الجدار رموزه وقواه، وعادت برلين والجزء الذي اقتطعته الحرب العالمية "الثانية" من ألمانيا، إلى ألمانيا .. عاد الجزء إلى الكُل ، والفرع إلى الأصل ، كما في عودة الكويت إلى العراق . مخلفاً وراءه قصصاً أين منها قصة قرية المالكي الحكومية والكويت العظمى، وجداراً خرباً صار ذكرى، ورموزاً أبرزها ( إريش هونيكر ) رئيس الجزء الشرقي من الوطن الواحد الذي طارده تقسيم ألمانيا ووحدتها فلم يجد له ملجأ، ولم ينقذه إلا المرض بالسرطان ..؟ المثل الثاني : خط بارليف، وهو أيضاً حاجز رملي أقامته إسرائيل عند احتلالها لـ"سيناء" على طرف القناة، ويظل الخط من عام 1967 إلى 1973 حتى أقدمت مصر وسورية والعراق والعرب جميعاً، وشعارها ما أُخِذّ بالقوة لا يُسترد بغيرها، على إزالة ذلك الساتر الرملي الصلب وقد حسبت إسرائيل إنه يقيها، فانهار في ساعات، ومعه أُسطورة القوة التي لا تُغلب، ومعها أساطير أكثر من الخوف والأوهام. المثلان لهما أكثر من دلالة. أولاً : التاريخ ليس أُسرة، ولا حُكماً، ولا قراراً غير قابل للنقض، ولا خطاً مستقيماً، ولا ضعفاً دائماً أو قوة لا تغلب.ثانياً : التاريخ ليس جامداً، وليس حدثاً يتوقف عنده الزمن، ولا حاضراً يستمر، ولا حائطاً دائماً أو قوة لا تُغلب. ثالثاً : الحدود المصطنعة تظل مصطنعة، يعيش هاجسها في الضمير، وقد تضمر إرادة تحطيمها، وقد تنتظر طويلاً، وقد يطول الانتظار، وقد تتعب، وقد تقام في وجهها السواتر والخنادق، ولكنها تظل تنتظر ولا تمل، يُسلم رايتها جيل لجيل. إنها بعضُ إيمان، وحق وجود وتاريخ. لا نحلم ولا نتجاوز حدود الواقع والممكن. فلقد قدمنا مثلين معاصرين : خط بارليف ومن خلفه قوة إسرائيل والشرعية الدولية، وحائط برلين لصاحبه نظام الشيوعية ورمزه ( هونيكر ) وقد سقط ومعه رموزه وقياداته. إلى ( هونيكر المالكي ) نقول : أُحفروا الخندق وبالعمق الذي تريدون والعرض الذي تشاؤون. وأقيموا من خلفه الساتر الترابي، وازرعوا حدودكم ومضاجعكم بالألغام، واعقدوا حلف مع حُماتُكم الجُدُد - القدامى، فلن ينفعكم كل ذلك ولن يحميكم إلا ما لانهاية. فحين تنتفي الحاجة منكم ستُزالون، وحين تجد ظروف مختلفات وما أقرب في حساب الزمن ، ستجدون أن ساتركم الترابي ليس أعظم من ( خط بارليف في سيناء ) ولا أصلب من ( حائط برلين في ألمانيا ). ولن يجد ( هونيكر المالكي ) غداً مثلما لم يجد ( هونيكر ألمانيا ) ملجأ له، لأمسٍ قريب. كما لم يجد ثالثهما ( شاه إيران ) الذي ذهب يضرب في الأرض تائهاً ، لا يجد ملجأ له يحميه من حُماته السابقين. فهل من متعض . وذكر إن نفعت الذكرى. إنهم يقاتلوننا من خلفِ جُدُر ..