لا يمكن أن نجد سياسة بلا أهداف، حتى السياسات التي ظاهرها الترفيه، وربما العبث وتبذير الأموال، سواء على مستوى الإعلام أو غيره من مجالات الإنفاق غير الضرورية، حتى هذه السياسات ليست عبثية، بل هي لأغراض محددة يعرفها واضعوها، وهذا مما لا خلاف عليه في دنيا السياسة. والحكومة الحالية في العراق بزعامة نوري المالكي نجدها في كل يوم تقريباً تُدخل البلاد في مأزق جديد، والسؤال الذي يتبادر لذهن غير المتابعين الدقيقين للشأن العراقي هو: هل المالكي جاهل إلى هذا الحد، بحيث إنه لا يعرف ماذا يفعل، ولا أين يمكن أن تقود سياساته البلاد، أم أنه رجل المرحلة بالنسبة لبعض الأجندات الداخلية والخارجية، وبالتالي فهو ينفذ خطة مرسومة مسبقاً يُراد منها الوصول لأهداف معدة سلفاً؟! في هذه العجالة سنحاول الإجابة عن هذا الأمر، بداية لابد من القول إن الحقيقة التي لا يمكن أن تغطى بغربال هي أن المالكي يعرف ما يريد، وهو يسير وفقاً لمخطط محدد الأهداف، وهنالك من يدعمه في تنفيذ هذا المخطط، سواء من داخل البلاد، أم من بعض الدول الإقليمية وغير الإقليمية؛ لأن مصالح هؤلاء جميعاً اتفقت في هذه المرحلة على دعم المالكي، ووجدوا فيه القدرة على تنفيذ مشروعهم الهادف لإخراج العراق من المعادلة الإقليمية؟وحتى تكون صورة المشهد العراقي الحالي واضحة، لابد أن ندقق في آلية أو كيفية دعم المالكي في تنفيذه لمشروعه التخريبي للبلاد، فالمالكي، الذي فشل- رغم سطوته على الأجهزة الأمنية والقضائية، ورغم تفرده المطلق بالسلطة- في إخماد الأصوات المناوئة له ولسياساته الطائفية الواضحة، هذا الفشل في التعاطي مع الاعتصامات في المحافظات الست الثائرة؛ أعطى للمعتصمين بعض التعاطف الشعبي والإقليمي والدولي مع مطالبهم الشرعية والدستورية. وفي ظل هذا التعاطف الذي يعتبر منعطفاً خطيراً، عمل" أصدقاء المالكي" في الداخل والخارج على إيجاد منظومة جديدة تضمن للمالكي التأييد الشعبي والدولي، وفي المحصلة بقائه زعيماً لولاية ثالثة في رئاسة الحكومة، هذه المنظومة تضمنت التخويف من (تنظيم داعش)، وهو اختصار لعبارة: (دولة العراق الإسلامية في العراق والشام)، ولعب ذات السياسة التي لعبها سفاح سوريا بشار الأسد، وتكون الغاية هي "ضرب الإرهاب وملاحقة المتشددين"؛ لأن هذه الشماعة هي الطريق الأقرب لتنفيذ السياسات الدكتاتورية وضرب المدنيين الآمنين، وكذلك هي البوابة الأوسع لحصول المالكي على دعم إقليمي ودولي، يتم بموجبه تجاهل ما يسفكه من دماء الأبرياء في الأنبار خصوصاً، والعراق عموماً! المالكي في حربه على الأنباريين، يعرف ماذا يفعل، وهو اليوم يعلن تمسكه بلغة السلاح والدم، وإلا فإن المعتصمين في الأنبار وغيرها من المدن الثائرة كانوا حريصين على سلمية الإعتصامات، وأطفئوا نار الفتنة التي أوقدها المالكي في الحويجة وجامع سارية في ديالى؛ رغم الخسائر الكبيرة التي خلفتها قوات المالكي الإجرامية فيهما. المالكي يريدها حرباً طائفية تحت غطاء وذريعة ( بُعبُع مكافحة الإرهاب )؛ للقضاء على مكون معروف بحجمه وكفاحه، والدليل هو إعلانه تلك الحرب الدنيئة على أهالي الانبار بحجة ملاحقة "الإرهابيين"، وهو لا يريد أن يقف عند هذا الحد، بل ذكر في مقابلة مع رويترز يوم 14/1/2014، أنه يريد ضرب محافظات أخرى، وبذات الحجة، حيث قال: " الموصل تحتاج إلى عمل تنظيف؛ القاعدة هناك تعمل على ابتزاز الناس، وفي صلاح الدين - أيضاً - توجد مثل هذه الظاهرة، وفي جنوب الموصل". نحن جميعاً ضد استهداف المدنيين في العراق وفي كل مكان من العالم، لكننا بذات الوقت لا نرضى أن يُتخذ الإرهاب حجة وذريعة وشماعة لضرب المواطنين العزل، وتحقيق بعض الأهداف الوضيعة والمرسومة سلفاً، وهذا ما يريده المالكي، والدليل ما تفعله آلته الحربية الآن في الأنبار. حجة مكافحة الإرهاب لا أظن أنها ستنطلي على العراقيين هذه المرة، فالأمور أصبحت واضحة، واللعبة تكشفت ألغازها، ولم يعد بالإمكان الاستمرار باستغفال الناس، والضحك عليهم. العراقيون سيخرجون من هذه المحنة - رغم مرارتها - أقوياء، ومتلاحمون، ومتعاضدون، وسيدمر صمودهم كافة المشاريع الطائفية التقسيمية البغيضة. Dr.jasemj1967@yahoo.com