كلنا يعرف المثل الشعبي القائل : الصديق وقت الضيق. والمثل القائل أيضا : صديقك من صدَقك، وغيرها من الأمثلة التي يتم تداولها حين يجري الحديث عن الصداقة والأصدقاء. على هذا الأساس فهل ظهر أصدقاء للشعب السوري حين حلت به مصيبة القتل والتدمير على أيدي النظام السوري ومن وقف معه ؟ قد يلتبس الجواب على البعض خصوصا في المرحلة الأولى من الثورة وما رافقها من مواقف حماسية دعت إلى رحيل بشار ونظامه من بعض الأطراف الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وبعض دول الخليج وكثير من الدول التي انجرت في هذا الركب حتى وصل عدد من سموا أنفسهم "أصدقاء الشعب السوري " إلى أكثر من مائة وعشر دول موزعة على قارات العالم الخمس، رقم داخت له رؤوس من كانوا يشكلون "المجلس الوطني السوري" أو مجلس اسطنبول كما يسميه البعض، حتى حسبوا أن مسألة سقوط النظام السوري على أيدي القوات العسكرية لهؤلاء الأصدقاء هي مسألة أسابيع أو أشهر قليلة، فبدأ التراكض لتقديم الولاءات وبيع الذمم ولعب دور السماسرة للكثير من الأسماء والوجوه التي كانت تغطي شاشات الفضائيات وتملؤها صراخا وتحليلات فارغة.دارت الأيام وتغيرت المواقف وتقلص عدد الأصدقاء مثل الجلد المسحور حتى لم يتبق سوى عشر دول، وتكاثرت الأيدي التي تعبث بالثورة وبالمقاتلين والكتائب والألوية حتى لم يعد يظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود وتاهت الثورة ودخل عليها كل من هب ودب، ليس فقط من مرتزقة أجانب قدموا من إيران ولبنان والعراق وباكستان والشيشان ومن السعودية وبلدان المغرب العربي والدول الأوربية، بل ومن كل مخابرات العالم من الإسرائيلية إلى الأمريكية والروسية والفرنسية والبريطانية وغيرها مما أجج الصراع وأعطاه صبغة طائفية بغيضة في الوقت الذي كان العالم يقف متفرجا على المذابح والجرائم والاعتقال والتدمير والتهجير وارتكاب المجازر بكل أنواع الأسلحة التي يمتلكها هذا النظام الفاسق. في كل تلك الظروف أين كان "أصدقاء الشعب السوري" ؟ لقدوا كانوا في حال انتظار أن يصل المجتمع السوري إلى حالة التفكك والتفسخ، أن يدمر الجيش السوري، أن تدمر البنية التحتية الاقتصادية والعلمية والفكرية، أن لا يبقى هناك لا عمران ولا مدارس ولا جامعات ولا مساجد ولا كنائس ولا معابد، أن تنهار بنية الدولة، أن يتحول الشعب السوري إلى قطعان من الجياع والمتسولين والمهاجرين في بقاع الأرض كلها، فهل هذا موقف صديق؟ لو كانوا فعلا أصدقاء للشعب السوري لمنعوا المجازر والقتل والدمار والتهجير، لو كانوا أصدقاء لأنذروا النظام السوري بجدية أن يوقف جنونه المجرم. حين استخدم النظام السلاح الكيماوي في الغوطة الشرقية وبدأ التلويح بضربة عسكرية للنظام وحين "زل لسان كيري" بأن شرط وقف الضربة هو تسليم السلاح الكيماوي وتدميره، ووافق النظام سريعا على ذلك، لماذا لم يزل لسان السيد كيري ويضيف شروطا أخرى منها مثلا وقف قصف الطيران العسكري ووقف إطلاق صواريخ سكود على المدنيين ووقف رمي البراميل العمياء المتفجرة على السكان الآمنين وإخراج المعتقلين من السجون وفتح الممرات الآمنة لإغاثة الجائعين المحاصرين وغيرها من الشروط التي لا أشك أن النظام كان سيوافق عليها تجنبا للضربة العسكرية، فلماذا لم يخطئ إلا بموضوع السلاح الكيماوي؟ هل هذا موقف من يعتبر نفسه صديقا للشعب السوري؟ لقد تبين أن كل ما أرادته الولايات المتحدة ومن ورائها الدول الأوربية هو تدمير ترسانة الأسلحة الكيميائية خوفا من وقوعها بأيدي المقاتلين وليس خوفا من استخدامها من قبل النظام ضد إسرائيل، فتلك الأسلحة موجودة منذ عقود بعهدة النظام ولم تكن تشكل أي تهديد لإسرائيل ولأمنها، حيث أن النظام هو أكبر ضمانة لأمن الدولة العبرية منذ أربعين عاما. والولايات المتحدة التي صدق بعض من يعتبرون أنفسهم ممثلين للمعارضة، في المجلس الوطني أولا وفي الإئتلاف لاحقا، صدقوا أن الولايات المتحدة صديقة للشعب السوري ويهمها حاضره ومستقبله، ووضعوا كل بيضهم في سلتها كما وضعوا أنفسهم في مهب التلاعبات الدولية في القضية السورية، نسي هؤلاء أن الولايات المتحدة ليس لها سوى صديق واحد في المنطقة وهو إسرائيل، ومن أجل هذا الصديق دمرت العراق شعبا وجيشا وبنية اقتصادية وأعادته إلى عهد الظلام والتخلف والفساد والجاهلية والحروب الطائفية. نسي هؤلاء أن أمريكا حليفة إيران في العراق وإفعانستان وباكستان، لهم نفس المصالح الآنية والإستراتيجية، وليس بينهم أي تناقض حقيقي، وبالنتيجة فليس بين إيران وإسرائيل أي عداء ولا صراع استراتيجي. الولايات المتحدة تدافع عن المالكي العميل لإيران والطائفي حتى النخاع، تدعمه بكل إمكانياتها العسكرية والسياسية للقضاء على المقاومة العراقية بحجة محاربة الإرهاب، فماذا يمنعها من دعم بشار بنفس الحجة ولنفس الأهداف؟ أليست "داعش" هي الشماعة في البلدين؟ ليس الخطأ بالولايات المتحدة ومواقفها وسياساتها، إنما الخطأ بمن يصدق أن الولايات المتحدة تريد الخير للثورة السورية وللشعب السوري المظلوم، ويعول على مساعدتها لهذه الثورة من أجل القضاء على نظام مجرم طائفي. لم أذكر سوى الولايات المتحدة لاعتقادي أن مواقف الدول الأخرى التي تعتبر نفسها صديقة للشعب السوري ليست سوى مواقف لها ولا يمكن أن تخرج عن تبعيتها لأسباب كثيرة لا مكان هنا لذكرها. والآن ومع اقتراب مؤتمر جنيف 2 ، هل يمكن أن نأمل خيرا من ذلك المؤتمر يضع حدا للقتل والدمار ويضع خارطة طريق واضحة المعالم وبأفق زمني قصير لتنحي رأس النظام وأزلامه ومحاسبة المجرمين وتأمين عودة اللاجئين والمهجرين وإخراج المعتقلين وتأمين الظروف والإمكانيات المادية لإعادة الإعمار وتحريك عجلة الإقتصاد من جديد أم سندخل في متاهة المفاوضات وتفسير الجمل والكلمات والمسارات وتتواصل المؤتمرات إلى مالا نهاية؟ أم سيكون هناك حل اتفقت عليه روسيا والولايات المتحدة يؤمن لهما مصالحهما الاستراتيجية بغض النظر عن مصلحة الشعب السوري وعن التضحيات الهائلة التي قدمها وما يزال؟ الأيام القليلة القادمة كفيلة بإعطاء الجواب عن تلك التساؤلات. بكل الأحوال أعتقد أنه ليس للشعب السوري أصدقاء حقيقيين على مستوى الدول، وعلى القوى الشريفة في المعارضة بكل تياراتها أن تعمل على توحيد قواها وترسم لنفسها برنامجا وطنيا يحقق مصالح جميع فئات الشعب وأن تشكل وفدا متجانسا للذهاب إلى ذلك المؤتمر لتكون رقما في معادلة المصالح الدولية لا يمكن تجاوزه، وبغير ذلك فلا فائدة من حضورها ويجب العمل على إيجاد البديل من القوى الوطنية الشريفة التي لم ترهن نفسها لأحد ولم توسخ نفسها بالمال السياسي الحرام وأن يكون المرتكز هو إرادة وطنية تجمع كل الشرفاء أصحاب الأيدي النظيفة والنوايا الطيبة لعقد مؤتمر وطني عام لكل تلك القوى يؤسس لمرحلة جديدة من الثورة. طريق الثورة طويل وشاق ولا يكمله حتى النهاية إلا المناضلون المخلصون أما المتهافتون والانتهازيون فيسقطون في منتصف الطريق ولا يمكن أن يحققوا أيا من أهداف الثورة.