أثار قرار المجمع الفقهي العراقي بشأن إغلاق المساجد في العاصمة العراقية بغداد والذي جاء على شكل استنكارا ورفضا لإعمال القتل والذبح بحق رواد المساجد , حيث طاولت يد الطائفية العمياء وبدعم حكومي كل المصلين اللذين يرتادون تلك المساجد وأمعنت فيهم قتلا وذبحا ومزقت أجسادهم البريئة على عتبات المساجد هناك أشلاء متناثرة وبالتزامن مع إجراءات الاحتلال الصهيوني والتي تستهدف تهويد مساجد القدس واقتحام المسجد الأقصى يوميا من قبل العصابات اليهودية المتطرفة وهدم العديد من المساجد والمآذن إضافة لقتل المصلين إثناء أداء صلواتهم كما حدث في الحرم الإبراهيمي وغيره مما أثار فضول الكتاب والمحللين لتسليط الضوء مجددا على العلاقة الجدلية التي تربط بغداد بالقدس والتي اختزلها السياسي الأمريكي المخضرم والخبيث ( هنري كيسنجر ) بعبارات مقتضبة موجها كلماته تلك للإدارة الأمريكية واللوبي الصهيوني عندما قال : ( إذا أردتم تركيع القدس فما عليكم سوى تدمير بغداد ). وللحديث أكثر حول فرضية العلاقة الجدلية التي تربط بغداد بالقدس لا بد من الغوص في أعماق التاريخ للدلالة على متانة ووثوق العلاقة بين المدينتين العربيتين إضافة للروابط القومية والدينية التي تربط سكان المدينتين ... فعبر مراحل التاريخ القديم وتحديدا قبل الميلاد زحف الأشوريين من بغداد وما حولها صوب أكناف بيت المقدس بهدف تطهير شمال فلسطين الكنعانية مما يسمى مملكة إسرائيل التي جثمت على الأرض العربية الكنعانية قرابة المأتي عام تقريبا وتسنى لهم تحريرها وإعادتها لأصحابها الشرعيين .. ثم تبعهم البابليون من بغداد وما حولها أيضا وبعد مائة وستون عاما على تحرير شمال فلسطين من قبل الأشوريين ( كما ورد من المصدر .. تاريخ فلسطين الحديث للكاتب الفلسطيني عبد الوهاب ألكيالي ) .. زحف البابليون إلى القدس ودخلوا المسجد الأقصى محررين حيث تم القضاء على مملكة يهودا والسامرة بعد ثلاثمائة وستون عاما على قيامها لتعود فلسطين كلها أرضا عربية كنعانية. لم تتوقف العلاقة بين بغداد والقدس عند هذا العبور التاريخي للعراقيين لبيت المقدس وتطهيره من الإسرائيليين .. ففي صدر الإسلام الحنيف زحف صلاح الدين الأيوبي من بغداد وما حولها شاخصا عينيه شطر القدس وأكناف بيت المقدس فاتحا ومحررا ومطهرا للأراضي المقدسية من دنس المستعمرين الفرنجة معيدا إليها وجهها العربي الإسلامي ولتلتحم مجددا بالدولة الإسلامية في الشام ومصر والجزيرة العربية. وفي عصرنا هذا عندما تعرضت القدس وفلسطين للمؤامرة الاستعمارية الكبرى والمتمثلة بإقامة ما يسمى دولة إسرائيل على الأراضي العربية الفلسطينية اندفع أهل بغداد والعراقيون صوب القدس وجينين ونابلس دفاعا عن حياض القدس وفلسطين وقاتلوا المحتل الصهيوني بشراسة قل نظيرها حتى روو بدمائهم الزكية تراب القدس ونابلس وجينين وطولكرم ولا زالت قبورهم في تلك المدن الشاهد على ملحمة العراقيين البطولية في فلسطين .. ليس هذا فحسب فقد تواصل دعم العراقيين وبغداد لثورة الشعب الفلسطيني ضد المحتل الغاصب ووفرت كل وسائل الدعم والاسناد لفصائل المقاومة الفلسطينية .. وأطلقت أسماء جميع المدن الفلسطينية على معظم شوارع وميادين وفنادق وقصور بغداد حتى تكاد تشعر وأنت تتجول في بغداد وكأنك في فلسطين ومدنها .. وكذلك تم تأسيس جيش شعبي بمسمى جيش القدس استعدادا للزحف صوب القدس كلما سمحت الظروف بذلك .. ولا ننسى في هذا الإطار قرار حكومة العراق وقف إطلاق النار مع الإيرانيين من جانب واحد في العام 1982م داعيا الجيش الإيراني للالتحام بالجيش العراقي والتوجه معا نحو القدس لتحريرها .. وكذلك في خضم معركة الكويت لم ينسى العراقيون القدس عندما تداعت الأمم تبكي ما سمي في حينه احتلال الكويت فقد أطلق العراق مبادرته التي ربط فيها انسحابه من الكويت مقابل الانسحاب الإسرائيلي من كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م كاشفا يذلك زيف مؤسسات المجتمع الدولي ومعاييرها الازدواجية والتي ألت في نهاية المطاف إلى تدبير وحياكة العدوان الثلاثيني على بغداد والعراق الذي بدوره رد على العدوان وبأمر من الرئيس العراقي صدام حسين بإطلاق صواريخ الحق العراقية لتدك معظم المدن الصهيونية وتدخل الرعب في صدورهم والبهجة والبسمة على شفاه أهل القدس وفلسطين. نعم انه قدر بغداد والقدس .. خندق واحد ... آلام ومعاناة واحدة .. أمال ومستقبل واحد وواعد إنشاء الله عز وجل.