( بعد كل الدم الذي فقدناه وكل المال الذي أنفقناه يبدو وكأن تأثير إيران في العراق أكبر من تأثير الولايات المتحدة، وهذا بالطبع وضع مزعج، وأعتقد أن المالكي في وضع صعب جداً، فقد ظل يكرر أن الديمقراطية العراقية ليست مثالية لكنها ديمقراطية ) . بهذه الكلمات اختزل النائب الديمقراطي إليوت إنجيل الوضع الحقيقي للعلاقات بين الولايات المتحدة وحكومة المالكي، والتي هي في حقيقتها سياسة اتباع المأمور للآمر، وهذا يؤكد حقيقة أن أمريكا لم ترحل نهائياً من العراق، بل كانت- وما زالت- اللاعب الأهم على الساحة العراقية. العلاقات بين الدول لا تكون متوازنة إلا حينما يكون هنالك قادة يعرفون أن تلك العلاقات ينبغي أن تبنى على احترام السيادة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والبعد عن التحكم في السياسات الخارجية، وهذه الحالة غير موجودة- مع الأسف الشديد- في مسار العلاقات العراقية الأمريكية في مرحلة ما بعد الاحتلال وحتى الساعة. المالكي كان يتحدث في واشنطن في معهد السلام، فيما كان العراق تلتهمه التفجيرات في عموم البلاد، وكان كل هم المالكي كيف يلقي اللوم على الأطراف الأخرى في مسؤوليتها بخصوص ما يجري في العراق، وبأنها تقف وراء هذه الخروقات الأمنية، وليس الانهيارات الأمنية كما يحب أن يصفها المالكي دائماً؛ لأن الاختراق الأمني يقال في حالة كون الأوضاع مستتبة، ويحدث حادث بسيط هنا أو هناك، لكن حينما يكون الخراب والتفجيرات هي المشهد السائد، والأمن واستتبابه هو الحالة الشاذة فهنا لا يقال خرق أمني، وإنما يقال انهيار الأوضاع الأمنية. المالكي قال في كلمته في المعهد: " كنا شركاء، وسالت دماؤنا معاً في قتال الإرهاب، وهذا سمح لنا بأن ننتصر على الارهاب في العراق". والقى المالكي باللوم في تجدد هجمات القاعدة في العراق على الاضطرابات في المنطقة التي نتجت عن ثورات الربيع العربي التي قال: ( إنها لم تتمكن من أن تملأ الفراغ بشكل صحيح ) . ولا أدري ما علاقة هذه بتلك، ومن أي باب أدخل المالكي الربيع العربي بالانهيار الأمني في البلاد؟! المالكي عرف نفسه بأنه ضعيف جداً في هذه الزيارة، وحاول الدفاع عن سياساته التي اغضبت الجميع، وأكد على ( أن كل شيء فعله، منذ أن تولى منصبه جاء وفقاً للدستور العراقي، وأن القيادة العراقية لها رؤية مشتركة للمستقبل بصرف النظر عما إذا كانوا سنة أو شيعة أو أكراداً ) ؛ وكأنه يستجدي العطف الأمريكي لبقائه في منصبه لولاية ثالثة! ولتأكيد أن زيارة المالكي لواشنطن كانت فاشلة وغير مرحب بها، أرسل أعضاء بارزون بالكونغرس الأمريكي رسالة إلى الرئيس أوباما تعبر ( عن موقف متشدد من المالكي، وتلقي باللوم على تصرفات حكومته في تصاعد العنف، وتحث أوباما على الضغط على المالكي لوضع استراتيجية لتحقيق الاستقرار في العراق ) . ومن الأدلة على فشل الزيارة، أن الوفد الكبير المرافق للمالكي لم يوقع أية اتفاقية واضحة مع الجانب الأمريكي، وكذلك فان الزيارة لم تحظ باهتمام الإعلام الأمريكي، ولا حتى موقع البيت الأبيض! وكل ما في الأمر أن المالكي حصل على وعود بتزويده بطائرات الأباتشي، ولم يحصل على وعود بخصوص الطائرات بدون طيار، ولا طائرات أف ( 16 ) ، ودبابات أبرامز. وفي العراق أجمع شركاء المالكي في اللعبة السياسية على أن زيارته لواشنطن كانت فاشلة، وهذا ما أوضحه ممثلوا التحالف الكردستاني والعراقية والأحرار ومتحدون، حيث أكدوا في تصريحات صحفية على أن ( فشل زيارة المالكي إلى واشنطن، كانت نتيجة فشله في تحقيق المصالحة الوطنية، وتحطيمه علاقاته مع شركائه، وجره البلاد إلى العنف، وأن واشنطن منزعجة من تحالفه مع الأسد؛ وتخشى من إمكانية استعماله السلاح ضد شركائه ودول الإقليم ) . الخسارة التي لا يريد دولة رئيس وزراء المنطقة الخضراء نوري المالكي الاعتراف بها هي إخفاقه الواضح، والذي يشهد به الأصدقاء قبل الأعداء، في عدم توفير أبسط وسائل الحفاظ على الأمن، وأصبحت الحياة في العراق كالسير في حقل من الألغام لا تعرف متى ينفجر أحدها عليك؟! والمالكي على الرغم من ذلك ما زال مصراً على الحديث عن "نجاحات حكومته، وقدراتها الخارقة خلال سنوات عملها الماضية"! عموماً الكلام كما يقال لا ضريبة عليه، والواقع اليومي في العراق هو الحكم، والكل يعرف حقيقة الحال في البلاد، تزييف الحقائق لا يغير من الواقع شيئاً! dr.jasemj1967@yahoo.com