بداية لا بد من التفريق بين العراق البلد العربي الإسلامي العريق، الذي عُرف بثقله السياسي والاقتصادي والجغرافي، وبين محمية أو "جمهورية" المنطقة الخضراء؛ وذلك لأننا حينما نتكلم عن البلد اليوم لا نريد طعن العراق، بلدنا الحبيب، بل كشف المهزلة السياسية المستمرة فيه منذ أكثر من عشر سنوات. مصطلح الدولة الكارتونية يطلق على الدول الضعيفة أو الوهمية، أو الاستعمارية، وهذا المصطلح يستخدم من قبل بعض السياسيين لتوصيف الدول الضعيفة، أو المنهارة. الدولة الناجحة هي القادرة على أن تفرض هيبتها إما بسلطة القانون، أو بالقوة العادلة، وبالمقابل فإن الدولة الفاشلة، أو الدولة الكارتونية هي التي لا وجود لهيبتها في الشارع، وعاجزة في ذات الوقت عن فرض وجودها في أي مجال. والدولة العراقية بعد عام 2003، هي دولة كارتونية قامت على أنقاض الاحتلال، الذي جاء بغالبية هؤلاء الساسة القابعين اليوم في المنطقة الخضراء، وعلى الرغم من الإمكانيات المادية سواء من حيث الكم الهائل من الميزانيات التي أُقرت، أو من ناحية أعداد القوات الأمنية فإننا نجد أن المواطن لا يأمن على نفسه وعرضه وماله. والدولة الكارتونية هي التي يمكن لمن يملك أدنى مستوى من القوة، ولو كانت وهمية، أن يطويها حسب اللعبة التي خطط لها مسبقًا، وبالمحصلة تتشكل هذه الدولة الكارتونية على وفق مزاج بعض اللاعبين الأقوياء أو الأشرار، فيما يقف الساسة موقف المتفرج الذي لا يمكنه حتى حماية نفسه! ولإثبات أن الدولة الحالية في المنطقة الخضراء، هي دولة كارتونية، فإنني سأكتفي بضرب بعض الأمثلة القريبة: في يوم 21/10/2013، استطاعت مجاميع مسلحة أن تشل حركة الحياة في مدينة الفلوجة، وبقيت المدينة لنهار كامل تقريبًا في حالة سبات وركود، وسط حالة هروب شبه جماعي للأجهزة الأمنية في المحافظة! القصة بدأت في فجر يوم 21/10/2013، حيث شهد مبنى قيادة شرطة الفلوجة، تفجيرين بواسطة شخصين اثنين يرتديان حزامين ناسفين فجرا نفسيهما عند بوابة المبنى، ومن ثم نفذ هجوم مسلح بالهاونات والأسلحة المتوسطة والخفيفة في محاولة لاقتحام المبنى، وعلى إثر الحادث فرضت السلطات حظرًا للتجوال في المدينة، وأغلقت جميع مداخلها. وفي يوم 14 أيلول/سبتمبر 2013، كتب الصحفي الأميركي توم بيتر تقريرًا إخباريًا عن الفساد في العراق ونشره في صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور»، نقل فيه عن عضو «لجنة الدفاع والأمن البرلمانية»، حامد المطلك قوله: "باتت القوى الأمنية تمثل اليوم الفشل بعينه. ويبلغ تعداد الأفراد المنخرطين في كافة فروع تلك القوى (1.5) مليون. وهو عدد ضخم، إلا أنهم جميعًا غير أكفاء وليسوا متدربين ولا يلتزمون بأي شرعة أو قانون ولا يقيمون أي احترام لأبسط مفاهيم حقوق الإنسان، ومعظمهم مصاب بجرثومة الفساد. وهنا يكمن السبب في أنهم غير مؤهلين لتحقيق الاستقرار في العراق". وفي أكبر دليل على فشل مليون ونصف مليون عنصر أمني في تنفيذ أبسط المهام الأمنية؛ أكد رئيس الحكومة الحالية، والقائد العام للقوات المسلحة نوري المالكي يوم 10/10/2013، في لقاء مع «فضائية السومرية» أن نجله أحمد، ألقى القبض على مقاول سرق ستة مليارات دينار عراقي، واستولى على عقارات في المنطقة الخضراء كما قام بتهريب أكثر من (100) سيارة ويمتلك (100) قطعة سلاح مجهزة بكواتم الصوت، ولديه شركات أمنية غير مرخصة، مبينًا أن "أحمد قام باعتقاله؛ بعد أن عجزت القوات الأمنية عن اعتقاله؛ لكونه متنفذًا، ويرشي القيادات الأمنية"! وفي يوم 19/10/2013، وصف النائب حسن العلوي، في بيان صحفي الإصرار على استخدام أجهزة الكشف عن المتفجرات المعطلة بأنه يدخل في باب القتل العمد بحق الشعب العراقي، وأن هدية الحكومة في هذا العيد كانت (200) شهيد و(2000) معاق، فيما تتقبل عوائل بلد نفطي تفترش الأرض هدايا يجود بها عليها بعض المحسنين، ولم تدخل هذه الحكومة ورجالها إلى الآن حتى دائرة الإحسان وتوزيع الخيرات على الفقراء! هذه هي الدولة الكارتونية التي تمتلك ميزانية تفوق ميزانية أكثر من خمس دول مجتمعة في المنطقة، وفي ذات الوقت هي عاجزة عن تقديم أبسط حقوق المواطن، ومن أبسط هذه الحقوق بسط الأمن في ربوع البلاد، فالى متى سيستمر الصمت على هذا الفشل؟!