منذ صغري استهوتني كتابات الشاعر موسى شعيب لكثرة ما تجسدت فيها معاناة الجنوبيين مع الحرمان والمقاومة، لكن القصيدة التي كتبها في آذار 1972 الى "رفيقه الثائر الصامت ظافر المقدم" كانت أكثرها جذباً لي كونها سطّرت اعجاب الشاعر المثقف برفيقه "معاون البوسطة" بقوله: "يا أيها المنسل من غيظ الشوارع/ أنت لم تكتب عن الثورة آلاف المقاطع/ ولم يطرز ثوب أفكارك تجار العقيدة/ لكن بصمات الرفض في وجهك ما زورها شار وبائع (...)". لهذا بعيد انتقالنا الى الجنوب "استغليت" تردد ظافر المقدم الى منزلنا، بحكم قرابته للوالد أولاً، وعلاقته الفكرية به ثانياً، حيث تعرفت اليه اكثر غير ان علاقتنا لم تتوطد إلا بعد ولوجي عالم الصحافة، إذ أخذ يخبرني في كل زيارة الى منزلنا او في كل لقاء عابر عند ناصية الشارع انه يتابع كتاباتي باستمرار، وان كان لا يوافق على مضمونها دوماً، مفتخراً على طريقته الخاصة بين اصدقائه الذين يحادثهم في السياسة التي سكنته بشجونها من مغرب الأمة العربية الى مشرقها، بأني صديقه الشاب الهادئ المثقف! وهكذا اخذت صداقتنا تنمو من دقائق عابرة الى ساعات مشوقة من الكلام عن تجربته مع "البعث" الذي انتمى اليه قلباً وقالباً بعيد تأثره بموسى شعيب، رافضاً المساومة على ما وصفه بـ"رسالته الخالدة"، على رغم اعتقاله لسنوات في سوريا، فهو الذي طالما ردد على مسمعي: "لولا هذا الحزب لما حققت الانقلاب الفكري على ذاتي بالتلازم مع مسيرتي النضالية، وما كنت ظافراً الذي تناقشه اليوم في السياسة والثقافة والفكر، فكيف لي ان استقيل من تاريخي الذي سطّرته في مقاومتي للاحتلال الاسرائيلي، ورفضي الحرمان إبان ثورة مزارعي التبغ؟ أو كيف أترك حزباً استشهد لأجله موسى شعيب او خاض اشرس مقاومة ضد الاحتلال الاميركي في العراق حتى أن اميننا العام صدام حسين شنقه عملاء الاحتلال وهو يردد عاشت فلسطين حرة عربية رافضاً المساومة على المبادئ؟ فهذا الحزب ان تركته يا صديقي تيقن انه لن يتركني لأنه يتماهى مع شخصيتي، بل همه وحده الحاضر في سجل يومياتي". بالأمس غلبك الموت "اباً أدهم" بين اصدقائك في نادي الشقيف (النبطية) بعدما غلبته صولات وجولات على امتداد وطنك العربي، لكن غيابك الجسدي لم ينل من ابتسامتك المشعة بالأمل أيها "المناضل الوفي"، وإن كنت قد رحلت قبل أن أدوّن بحسي النقدي الصحافي تجربتك، كما ودعتني "من الحافلة الى الرسالة الخالدة"... وداعاً يا صديقي الثوري المثقف!