كلل العراقيون الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد بمحبة غامرة وحفوه باهتمام كبير ليس لأنه شاعر، بل لأنه شاعر أحب العراق وغنى له، ولأنه ثبت على حبه على الرغم من عاصفات الحياة والمصاعب التي أحاطته، وجارت على شيخوخته، وجار هو معها عليها ليبقى ذلك العراقي الشامخ. في لقاء صحفي سألت العزيز أبا خالد سؤالاً أزعجه، قلت له: ظهر خلال الاحتلال البريطاني للعراق شعراء مقاومون مازلنا نتغنى بأشعارهم، فلماذا لم يظهر شعراء مقاومون بذلك العدد مع الاحتلال الأمريكي للعراق؟أجاب أبو خالد جواباً مقتضباً معناه أنت توجه هذا السؤال إلى عبد الرزاق عبد الواحد. وفعلاً لو كان عبد الرزاق عبد الواحد هو الشاعر المقاوم الوحيد لكفانا صوته في بث الرعب بقلوب الأعداء واستنهاض همم أخوته العراقيين، ولكن شعراء العراق لم يخذلوا وطنهم وكان عبد الرزاق هو صوت العراق العالي بينهم. وقصيدة الشاعر محمد نصيف تأتي في سياق ذلك الحب لشاعر العراق الكبير، الطود الشامخ الذي طمأننا أن ثقافة العراق المقاوم لن يستطيع احتلال مهما بلغت بشاعته أن يطيح بأي ركن من أركانها. حشد محمد نصيف في قصيدته إلى الشاعر العملاق صوراً شعرية رائعة فلا تكاد تصحو من دهشة صورة حتى يفاجئك بصورة مدهشة أخرى: يُقالُ العـشـقُ يقـتـل مَنْ تفانوا وأنت اليوم من عشقٍ قتيلُو:جـريـحٌ بـالـعـراق وأنـتَ فـيـهِ فكم جرحاً أضافَ لك الرحيلُ؟و:عضضتَ على الجراح ولم تهادنْ وما أغراكَ عَنْ وطنٍ بديلُو:وأنـكَ من خـلاصةِ من تـفـانـوا رعـيلاً صانَ رايتهُ رعيلُ إن نصيف بيّن في قصيدته لماذا صار العراقيون أكف ضراعة ودعاء إلى الباري عز وجل أن يحفظ لهم شاعرهم ويشفيه ولا يريهم كريهة وجفيلا، إنه عبّر عما يكنه العراقيون لشاعرهم السامق، فأجاد وأبدع وأدهش. وفاء لمن وفىإلى الشاعر الكبير عبد الرزاق عبد الواحد سلاماً عبد الرزاق محمد نصيف سـلامـاً أيهـا الـرجـلُ الـعـلـيـلُ أأثقلَ رحلكَ السفرُ الطويلُ ؟ فما تعبتْ خـطـاكَ وما تـوانـتْ ومـثـلـُكَ حملهُ أبـداً ثـقـيـلُ فكم بالشعـر قـد أسرجتَ خيلاً لها في كلّ معـتركٍ صهـيلُ وصوتـُك مشهرٌ فيها سـيوفـًا بأسماع الخصوم لها صليلُ تصارعـكَ الهـمـومُ بـلا فـتـور ٍ ويهزمها بك الصبر الجميلُ تـَنـازعُـكَ المتاعـبُ كـلَّ حـيـن ٍ وحـبُّـكَ لـلعـراق بهـا كفـيلُ يُقالُ العـشـقُ يقـتـل مَنْ تفانوا وأنت اليوم من عشق ٍ قتيلُ وأصعبُ ما على العشاق شوقٌ يُميتُ وما لمعـشـوق ٍ سبيلُ جـريـحٌ بـالـعـراق وأنـتَ فـيـهِ فكم جرحاً أضافَ لك الرحيلُ ؟ وهـا أنـتَ الطـعـيـنُ بلا شفاءٍ وفيكَ من المواجـع ما يَهـولُ لـقـدْ أضنـتـكَ أهـوالٌ تـوالـتْ على أهـليكَ من حمم تـَهـيـلُ فـمـا حـالُ الـعـراقــيــيــنَ إلا حــيــاةٌ مُـــرّةٌ ودمٌ طــلــيــلُ هي الأحـزانُ لمْ ترحمْكَ يوماً وقـلبُكَ كادَ يحـرقـُهُ الغـليلُ فلو سَكَبَتْ دماً عـيـنـاكَ حزناً فـلا أحـدٌ يـلـومُـكَ يا أصيلُ نـعـمْ إنّ الـعـراقَ دمـاً نـفـيـهِ فليس لبهاهُ في الدنيا مثيلُ منحتَ هوى العـراق بغير حـدٍّ ومنهُ كانَ يُرضيكَ الـقـلـيـلُ تهـدهـدُ جـرحَـهُ وهـو احتراق ٌ فأنتَ لجـرحهِ الظـلُّ الظليلُ وفيتَ فصغتَ بالإخلاص دربـاً لأنتَ بـهِ المـنـارة والـدلـيـلُ ركبتَ الدربَ والأخـطارُ حـشـدٌ وما فيه سوى البلوى خليلُ عضضتَ على الجراح ولم تهادنْ وما أغراكَ عَنْ وطن ٍ بديلُ رأيـتُ بـكَ العـراقَ فحـيـنَ يَـدمى فـمـنـكَ دمـاؤهُ كانت تـسـيـلُ وأنـكَ من خـلاصةِ من تـفـانـوا رعـيلاً صانَ رايتهُ رعيلُ سموتَ إلى العلى حتى لصارتْ تجـلُّ سموّ هامتكَ النخـيـلُ ملايـيـنُ الـقـلـوبِ على اشتياق إليكَ بكل ما اسطاعتْ تميلُ وترجـو وَهْيَ مخـلصة ٌ رجـاءً ليحفظ عمرَكَ الربُّ الجليلُ فحـزتَ من الـدنا نـبـلَ السجايا فعشْ يا أيها الرجلُ النبيلُ ستحيا في قلوب الناس فـخـراً يفيكَ الحبَّ بعدَ الجـيـل جيلُ