كنت طفلاً صغيراً جداً، ربما لم أكن دخلت المدرسة الابتدائية بعد، وشاهدت الناس في مدينتي في هرج ومرج يتحدثون بفخر وفرح أن بطلة الجزائر جميلة بوحيرد ستزور المدينة ضمن زيارتها إلى العراق، وتصاعدت الصرخات والهتافات والتصفيق ومرت امرأة تحيطها نساء ورجال، ورأيت نساء المدينة يخلعن حليهن الذهبية ويقدمنها للامرأة السمراء. كان المنظر عجيباً والدموع تنهمر من العيون وكان والدي رحمه الله يحملني على كتفه ليتسنى لي رؤية المشهد، وهو يفعل هذا للمرة الثانية. كانت المرة الأولى يوم حملني على كتفه ووقف مع المتفرجين في زقاقنا ومرت جماعة من الناس تردد هتافات لم أفقهها، وقتها، وتحمل رجل إنسان، عرفت، فيما بعد، أنها رجل الوصي عبد الإله الذي أعدم وقطع إرياً وأرسلت كل قطعة إلى منطقة من مناطق بغداد. مشهدان ظلا مطبوعين في ذاكرتي، لكن المشهد الثاني هو الأكثر وضوحاً، وكأي طفل لا يكف عن السؤال سألت أبي عن الامرأة السمراء فأجابني بما لم أفقه سوى أن المرأة بطلة، والبطلات من النساء نادرات في ذلك الزمن. فيما بعد، عرفت قصة جميلة بوحيرد التي صارت رمزاً للمقاومة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي، وأن نساء بلدي كن يخلعن حليهن ليقدمنها دعماً للمقاومة الجزائرية ضد استعمار احتل بلداً عربياً ومن أجل أن يتحرر هذا البلد. مضت السنون سراعاً وتعرض العراق المنتخي لأمته لاحتلال بشع هزمته المقاومة المسلحة لشعب العراق، ولكنه خلف وكلاء ينفذون أجندته. والواجب أن يتذكر الجزائريون موقف شعب العراق معهم في قضاياهم ومحنهم ويقفوا معه في قضاياه ومحنه، وشعب العراق لا يريد من أشقائه التبرع بالذهب دعماً لمقاومته الوطنية، بل يريد منه أن يخرج كما خرج العراقيون لاستقبال بطلتهم جميلة بوحيرد لمنع استقبال وكيل من وكلاء احتلال العراق، وهو نوري المالكي، على أرضهم التي طهرتها دماء مليون ونصف المليون شهيد، خصوصاً وأن هذا الوكيل الذليل للاحتلال الأمريكي لم يقتل العراقيين وحدهم، بل قتل جزائريين شرفاء وهو يعدم وجبة بعد وجبة منهم، وما زال ينوء الكثير منهم في سجونه. العراقيون يريدون من أشقائهم الجزائريين أن يساندوا وقفتهم ضد الاحتلال ووكلائه، مثلما وقفوا معهم في محنتهم مع الاستعمار الفرنسي، ولدينا مثل في العراق يقول : كل شيء دين حتى دموع العين