لقد عانى العراقيون الأمرّين من الحصار وظلمه ومن ثم من الغزو وويلاته ومما تلا الغزو من تسلط العملاء والخونة والفاسدين والمرتشين الذين أهلكوا الحرث والنسل، وأشاعوا الخوف والجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات ووضعوا العراق في أعلى قائمة الدول التي تتمتع بمستويات غير مسبوقة من الفساد والعنف والظلم وبرعاية وتشجيع من الأمريكان وحلفائهم الإيرانيين. ومن ظلم الى ظلم أسوء تقود الولايات المتحدة الأمريكية هذا البلد العتيد وشعبه. وكل هذا تحقيقاً لمخططات حكماء صهيون وأحلام السيطرة المريضة على العالم، تلك الأحلام التي انتهت على أرض العراق وبسواعد أبطال العراق ونشامى العراق وشبابه من فصائل المقاومة الحرة المجاهدة على أختلاف مشاربها وأنتماءاتها. فهل تحققت عدالة الله؟! كنا قد أشرنا في مقال سابق نشر في هذا الموقع بعنوان ( عشرٌ عجاف منذ الخطيئة الكبرى... حربٌ بلا أخطاء ) الى أن الولايات المتحدة لم تخطأ في حساباتها في العراق بشيء، فهي حطمت الجيش العراقي وحلت تشكيلاته عن قصد، وهي دمرت الدولة العراقية وأنطمتها بتخطيط ودراية، كما انها سلمت العراق لأيران عن سابق تنسيق وتعاون. لكنها أخطأت في حساب ردة الفعل العراقية وكان ذلك خطأً قاتلا. فلولا الصمود الأسطوري لأبطال المقاومة العراقية ولولا حسن الأعداد والتجهيز لهذه المقاومة لكان الوضع الآن غير ما هو عليه داخلياً وأقليمياً وعالميا. وقد يتسأل البعض ويقول وهل هناك أسوء من وضع العراق الآن؟ وماذا لو لم تجبر المقاومة العراقية البطلة الأمريكان على الهرب من العراق وتركه تحت الوصاية الإيرانية؟ ونحن نجيب أن الهروب الأمريكي من العراق قد اضعف كثيراً من القبضة الأمريكية على العالم وأصبح الثور الأمريكي الهائج أقل أندفاعاً وضرراً، ولم يعد الجندي الأمريكي الذي كان ينظر العالم اليه على أنه سوبرمان أكثر من مرتزق يهرب عندما يحمى وطيس المعركة ويجابه بصمود الرجال. وقد قادت هذه الحقائق وما آل اليه الوضع السياسيين في الولايات المتحدة الأمريكية الى اللجوء الى ( الخطة ب ) وهي طبخ الأمور على نار هادئة. فلولا انتصار المقاومة العراقية لكان الوضع في الشرق الأوسط على غير ماهو عليه، وبدلاً من ان تنتظر أمريكا كل هذا الوقت لتطيح بالأسد وبدلاً من أن تسلم أمريكا ليبيا لحلفائها الأوربيين، وبدلاً من وضع الأخوان المسلمين في الصف الأول في تونس ومصر ليواجهون الرفض الشعبي والجماهيري، بدلاً من كل هذا كان بأمكان أمريكا لو لم تخسر حربها في العراق أن ترتب الأمور باسرع من هذا. صحيح أن اسقاط نظام الأسد في سوريا لم يعد على الأجندة الأمريكية حالياً ولكنه كان كذلك قبل سنوات، وحين أشتعل فتيل الأزمة داخل سوريا قبل أقل من سنتين تراوح الموقف الأمريكي والأوربي الذي يتبع بين مستعجل لأسقاط النظام وبين تريث وتباطؤ، وقد أدى هذا التردد الى توريط أطراف دولية أتخذت مواقف متطرفة وركبت قطار التغيير قبل الأمريكان أنفسهم لتجد نفسها بعد أشهر تغرد خارج السرب وتحاول جاهدة العودة تحت خيمة المجموع. ورغم أن جزءً من هذا السيناريو قد يكون من باب توزيع الأدوار الذي تشتهر به الولايات المتحدة إلا أنه كان محرجاً لبعض الدول الأقليمية التي تتبرقع برداء غير رداء التبعية للأمريكان. إن هذا التردد ليس سببه "قوة" نظام الأسد ولا "وطنيته" بل هو التردد في التمسك باستراتيجية محددة تجنّب الأمريكان التورط بمستنقع جديد يمكن تفاديه بأتباع تكتيكات أقل خطراً. ويمكن للكلام عن سوريا أن يأخذنا الى تونس ومصر واليمن والبحرين وغيرها من الدول التي شهدت تظاهرات وأحتجاجات تم تسييرها معظمها لتصب في مجرى محسوب مسبقاً لكنه أفرز في النهاية نتائج لم تكن كلها في الحسبان. وهنا قد يقول قائل أن الفوضى الدائرة في وطننا العربي هي المخطط الأصلي الذي اشارت له مجرمة الحرب كونداليزا رايس عندما تحدثت عن الفوضى الخلاقة. وهذا الكلام صحيح الى حد ما، غير إن الزمن ليس مفتوحاً بالمطلق للأمريكان، وهم عليهم أن يرتبوا الأوراق باسرع من هذا قبل أن تبرز قوى لم يحسب حسابها ولا يمكن ترويضها أو تدجينها. ذلك أن دوام الحال من المحال وكما يقول علماء السياسة أن كل شيء قابل للتغيير إلا التغيير. فكما أن بروز المقاومة العراقية بهذه القوة والشدة والسرعة لم يكن محسوباً فأن أستمرار الفوضى قد تكون له مخرجات لم يحسب حسابها، وعندها يكون حصاد الحقل ليس كحصاد البيدر. وحتى داخل العراق، فأن تفاقم الحال وسوء الأوضاع قد أوصل كثيراً من العراقيين الى نقطة الأنفجار، وحتى أهلنا في الجنوب فلم تعد حقن التخدير المغمسة زوراً وبهتاناً بحب آل البيت كافية لتطمينهم وتهدئتهم، ولم تعد الآذان التي تصغي لصوت المرجعية تقتنع بما تسمع، وبدأت كثير من الأسئلة تدور حول الفساد ورموزه مما وضع المرجعية في كثير من الأحيان في زاوية حرجة، ومما جعل ماكان همساً قبل سنوات قليلة يتحول الى لغط وتجمعات والقادم أكبر بأذن الله. هل علينا أن نتفاءل؟ والجواب نعم لسببين أولهما أننا نؤمن بعدالة الله الواحد الأحد وأنه سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل ( ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون ) وأن للباطل جولة تتبعها للحق جولات ( فلا يغررك تقلب الذين ظلموا في البلاد ) وأن عدالة الله واقعة لا محالة ولكن عندما يشاء الله ويريد ( فمهل الكافرين أمهلهم رويدا ) . والسبب الثاني أن الثوريين متفائلون، ولولا ذلك ما قاموا بثوراتهم ولا أمنوا بقضاياهم ولا أنتصروا، وبلا التفائل ستتوقف الحياة وينتهي الأمل. نحن بإيماننا بالله وبتفائلنا وبعدالة قضيتنا لمنتصرون بأذن الله، ويوم النصرالقريب بأذن الله سوف تقر أعين الشرفاء في العالم، وستكون أرواح شهداءنا الأبرار مناراً لكل أحرار العالم، وعندما يستعيد العراق عافيته ستستعيد الأمة عافيتها، وما ذلك اليوم ببعيد ( والله غالبُ على أمْرِهِ ولكنَّ أكثرَ الناسِ لايعلمون ) ... أنتهى.