شبكة ذي قار
عاجل










حين يعيد التاريخ نفسه، ينبغي أن نتعظ بتجاربه ولا نظلم أنفسنا ثانية، وما أشبه اليوم بالبارحة، فما بال أهلنا بمصر لا يقرأون التاريخ، ولا يعون إلا النادر من أحداثه ولا يتعظون بتجاربه، لقد كانت لأمتنا أمجاد وحضارة وإبداع يوم كانت تقرأ وتحفظ وتعي ما يكتب وما يقع حولها، واليوم هي أمة خاملة لأنها إن كتبت ليس فيها من يقرأ، ومن يقرأ لا يحفظ ولا يتفكر، فتكرر أخطاءها، وتلدغ من الجحر الواحد مرات، ولا تفوق ولا تعي. فهل صحيح نحن امة لا تدين بالطاعة إلا للجبروت؟ ولا تساق إلا بالعصا؟ ولا يحترم فيها الرأي. ما يجري بمصر اليوم من نزاعات داخلية ليس الأول، حصل نظيره أيام الملك فاروق، وسجل لنا أمير الشعراء أحمد شوقي بشعره العذب صور ما كان يحصل في عشرينيات القرن الماضي، يوم اختلف العرب والمصريون بشأن طبيعة العلاقة بين مصر والسودان وشكل الحكم، وكانت مصر والسودان تحت عرش واحد، فرصد بعين البصيرة تناحر الإخوة واختلافهم وسجل بلسان الشاعر الفطن الحريص على مستقبل وطنه ما دار آنذاك حتى أن الفنان محمد عبدالوهاب تلقف القصيدة ولحنها وانشدها، ليذكر الناس بواقعهم الأليم، ترى لو سمع المصريون ما تمناه شوقي وحافظوا على وحدتهم، وكبحوا جماح خلافاتهم، أكان يجري ما جرى للسودان من التشطير ومعاناة أهله من التخلف والمرض والجهل والتمزق والضياع؟ أكان يعاني المصريون اليوم قلة الأراضي الصالحة للزراعة وصغر حصة الفرد وشح المياه؟ والسودان سلة العرب الغذائية إلى جوارهم؟ ولو كانت مصر والسودان امة واحدة أكان يجوع المصريون ويكون حال السودان كما عليه اليوم من البؤس؟ أما كان علم المصرين وتجاربهم وثقافتهم وخصوبة السودان ووفرة مياهها وصبر السودانيين وجلدهم عاملا لتقدم البلاد وازدهارها؟.إن ما حصل ويحصل اليوم من الشقاق والنفاق، والفتنة العمياء، يتكرر للمرة الثالثة فقد سبق أن عاش المصريون في خمسينيات القرن الماضي دوامة الخلاف والاختلاف بعد أن ثاروا على الملكية وتولي اللواء محمد نجيب، منصب أول رئيس جمهورية بإرادة شعبية بعد ثورة يوليو 1952، وكان يمكن أن يسهم بحكمته وتجاربه بلم شمل القطرين قبل أن تختلف القيادات المصرية وينشطر الشعب ويتناحر ويتآمر العسكر بعضهم على بعض ويخون الشقيق في الكفاح والثورة شقيقه، ويسيطر فريق العسكر الشباب على مقاليد الأمور بالكامل ويزج بمحمد نجيب ومن سانده ووقف إلى جانبه في السجون والمعتقلات، ورغم كاريزمية عبد الناصر القيادية دخلت مصر في نكسة اثر أخرى ووصلت إلى ما وصلت إليه.   وبعد ستين سنة ثار المصريون ثانية ونجحوا في دحر التجبر والحيف والفساد، وإسقاط دكتاتورية العسكر وحكومة مبارك وانتخاب رئيس لهم بإرادتهم، ولكنهم يعاودون الخلاف والاختلاف أيضا، وينقلب فريق على آخر، وتنقلب الوحدة إلى خصام وفرقة، وسواء أقصي من في الحكم ثانية أم نجحوا في كبح جماح خصومهم تعسفا، ستكون النتيجة واحدة تمزق البلاد وتأخرها وربما بصورة أقسى وأشد كارثية مما حصل قبلا. هل راجع المصريون قصيدة احمد شوقي وتمعنوا بما ورد فيها من المعاني والصور ليعرفوا أن المكر السيئ يحيق بأهله، وأن عاقبة الفتن وخيمة، وكل الأصدقاء الغرماء سيخرجون من المعركة لو حصلت لا سامح الله خاسرين، وليس فيهم رابح ما لم يحكموا العقل وينصاعوا للشرعية، والصورة أمامهم واضحة وجلية، وما فائدة أن نقرأ ولا نتعلم من تجاربنا السابقة؟ هذه أبيات من قصيدة شوقي التي يلوم فيها أبناء مصر ويحملهم مسؤولية النتائج المأساوية لخلافاتهم العقيمة وعدم تعاونهم. فما أشبه اليوم بالبارحة يامصر؟ والحكيم من اتعظ بتجاربه : إِلامَ   الخُلفُ    بَينَكُمُ    إِلاما         وَهَذي الضَجَّةُ  الكُبرى عَلاماوَفيمَ   يَكيدُ  بَعضُكُمُ   لِبَعضٍ         وَتُبدونَ  العَداوَةَ   وَالخِصاماوَأَينَ  الفَوزُ لا مِصرُ اِستَقَرَّت        عَلى حالٍ  وَلا  السودانُ  داماوَأَينَ    ذَهَبتُمُ   بِالحَقِّ    لَمّا         رَكِبتُم   في  قَضِيَّتِهِ   الظَلاماوَثِقتُم   وَاِتَّهَمتُم  في  اللَيالي        فَلا   ثِقَةً  أَدَمنَ   وَلا   اِتِّهاماشَبَبتُم  بَينَكُم في  القُطرِ  ناراً        عَلى   مُحتَلِّهِ   كانَت    سَلاماتَرامَيتُم   فَقالَ   الناسُ  قَوم         إِلى  الخِذلانِ  أَمرُهُمُ   تَرامىوَكانَت مِصرُ أَوَّلَ مَن  أَصَبتُم         فَلَم تُحصِ الجِراحَ وَلا الكِلاماإِذا  كانَ  الرِماةُ  رِماةَ  سوءٍ         أَحَلّوا  غَيرَ  مَرماها  السِهاماتَباغَيتُم     كَأَنَّكُمُ       خَلايا         مِنَ السَرَطانِ لا تَجِدُ الضِماماوَلينا  الأَمرَ حِزباً  بَعدَ  حِزبٍ       فَلَم  نَكُ مُصلِحينَ  وَلا  كِراماجَعَلنا   الحُكمَ   تَولِيَةً  وَعَزلاً        وَلَم  نَعدُ  الجَزاءَ  وَ الاِنتِقاماوَسُسنا  الأَمرَ حينَ  خَلا إِلَينا        بِأَهواءِ النُفوسِ فَما  اِستَقاماوَكَيفَ  يَكونُ  في أَيدٍ   حَلالاً        وَفي أُخرى مِنَ الأَيدي حَراماوَما   أَدرى  غَداةَ   سُقيتُموه       أَتِرياقاً   سُقيتُمُ   أَم   سِماماشَهيدَ   الحَقِّ  قُم  تَرَهُ   يَتيما       بِأَرضٍ ضُيِّعَت  فيها  اليَتامىسَقِمتَ فَلَم  تَبِت  نَفسٌ  بِخَير     كَأَنَّ  بِمُهجَةِ  الوَطَنِ  السَقاما




الاثنين٢٢ ÔÚÈÜÜÇä ١٤٣٤ ۞۞۞ ٠١ / ÊãÜÜæÒ / ٢٠١٣


أفضل المقالات اليومية
المقال السابق د. عمران الكبيسي طباعة المقال أحدث المقالات دليل المواقع تحميل المقال مراسلة الكاتب
أحدث المقالات المضافة
فؤاد الحاج - العالم يعيد هيكلة نفسه وتتغير توازناته فيما العرب تائهين بين الشرق والغرب
ميلاد عمر المزوغي - العراق والسير في ركب التطبيع
فؤاد الحاج - إلى متى سيبقى لبنان ومعه المنطقة في مهب الريح!
زامل عبد - سؤال مهم، هل المشتركات الايديولوجية بين جماعة الاخوان والصفويين الجدد انعكست في مظلومية غزة الصابرة المحتسبة لله؟- الحلقة الاخيرة
زامل عبد - سؤال مهم، هل المشتركات الايديولوجية بين جماعة الاخوان والصفويين الجدد انعكست في مظلومية غزة الصابرة المحتسبة لله؟ - الحلقة السادسة
مجلس عشائر العراق العربية في جنوب العراق - ãÌáÓ ÚÔÇÆÑ ÇáÚÑÇÞ ÇáÚÑÈíÉ Ýí ÌäæÈ ÇáÚÑÇÞ íåäÆ ÇáÔÚÈ ÇáÚÑÇÞí æÇáãÓáãíä ßÇÝÉ ÈãäÇÓÈÉ ÚíÏ ÇáÇÖÍì ÇáãÈÇÑß ÚÇã ١٤٤٥ åÌÑíÉ
مكتب الثقافة والإعلام القومي - برقية تهنئة إلى الرفيق المناضِل علي الرّيح السَنهوري الأمين العام المساعد و الرفاق أعضاء القيادة القومية
أ.د. مؤيد المحمودي - هل يعقل أن الطريق إلى فلسطين لا بد أن يمر من خلال مطاعم كنتاكي في بغداد؟!
زامل عبد - سؤال مهم، هل المشتركات الايديولوجية بين جماعة الاخوان والصفويين الجدد انعكست في مظلومية غزة الصابرة المحتسبة لله؟ الحلقة الخامسة
د. أبا الحكم - مرة أخرى وأخرى.. متى تنتهي كارثة الكهرباء في العراق؟!
زامل عبد - سؤال مهم، هل المشتركات الايديولوجية بين جماعة الإخوان والصفويين الجدد انعكست في مظلومية غزة الصابرة المحتسبة لله؟ ] - الحلقة الرابعة
القيادة العامة للقوات المسلحة - نعي الفريق الركن طالع خليل أرحيم الدوري
مكتب الثقافة والإعلام القومي - المنصة الشبابية / حرب المصطلحات التفتيتية للهوية العربية والقضية الفلسطينية ( الجزء السادس ) مصطلحات جغرافية وأخرى مشبوهة
الناطق الرسمي باسم حزب البعث العربي الاشتراكي - تصريح الناطق الرسمي باسم القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي حول مزاعم ومغالطات خضير المرشدي في مقابلاته على اليوتيوب ( الرد الكامل )
مكتب الثقافة والإعلام القومي - مكتب الثقافة والإعلام القومي ينعي الرفيق المناضل المهندس سعيد المهدي سعيد، عضو قيادة تنظيمات إقليم كردفان