والله، يا جماعة الخير، أجد أن لغتنا العربية الكريمة على سعتها ووصفها بأنها بحر زاخر وقفت عاجزة كيف تصف وكلاء الاحتلال وخستهم وأكاذيبهم وأخاديعهم ودياثتهم وسوء أخلاقهم مع شعب نبيل وعمالتهم وذلّهم أمام الأجنبي مقابل استئساد على العزّل من أبناء شعبنا. لغتنا يجب أن تبحث عن مفردات جديدة تضمها إلى مخزونها لكي تستطيع وصف هؤلاء. بالأمس وصف صالح المطلك المنتفضين والمعتصمين والثائرين بأنهم طائفيون، والله وملائكته وأنبياؤه وأولياؤه يشهدون أن واحداً من منفذي مخطط نشر الطائفية ومروجيها هو هذا المطلك نفسه، لأنه واحد من جوقة أوكل لها مهمة تقسيم البلاد، وله دوره في هذا المخطط. وهذه الثورة أثبتت أنها للعراق كله وهي غير طائفية على الرغم من أن وكلاء الاحتلال لم يتركوا وسيلة إلا وسلكوها لوصم هذه الاعتصامات الشعبية بالطائفية حتى ولو على لسان مسؤول مثل المطلك. وبالأمس أيضا، ادعى أسامة النجيفي بأنه مكلف من المعتصمين بالتفاوض مع ما يسمى الحكومة، ويشهد الله وملائكته ورسله وأولياؤه أن هذا النجيفي من جوقة خائنة كذابة تتآمر على شعبها لتحقيق مكاسب شخصية وانتخابية رخيصة. وأيضاً بالأمس، بشرتنا واحدة من الناشطات السياسيات في صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي "الفيس بوك" بأن التظاهرات انتهت، وأنها كانت مسلسلاً درامياً طيلة ستة أشهر، وأن المعتصمين جعلوا كلمة فقاعة تتحقق، رابطة بداية الكون وانتهائه بلقطاء العملية السياسية الساقطة. وكلاء الاحتلال هؤلاء إذا اختلفوا فجرونا وذبحونا وإذا توافقوا نهبونا وأذلونا، وهم على الرغم من خلافاتهم الظاهرة متفقون على إبادتنا بتحريض بعضنا على بعض بالطائفية المستوردة أو بالتفجيرات أو بالاغتيالات، لا أستثني من "شيعتهم" أحداً ولا من "سنتهم" فرداً ولا من "مسيحييهم" نفراً. لكني أعتب على السيد مقتدى الصدر، ابن المرجع العربي الكبير السيد محمد صادق الصدر رحمه الله، والذي يبدو نشازاً بين هذه الجوقة، كيف يصبر ويصمت والقدر مدّ له عشرات المرات حبل الإنقاذ ليقف مع شعبه، وما فعل وتلقف هذا الحبل ولو مرة واحدة، وها هو القدر يمد له حبل إنقاذ جديداً ليعلن موقفاً صريحاً وليؤكد زعامته العربية، فعصابات أهل الباطل تصول وتجول مستهدفة قاعدته الشعبية المعدمة وتياره العربي الذي لا يخفي رجاله أنهم مع المعتصمين وأنهم ضد هذه المهزلة التي خلفها الاحتلال. إن التيار الصدري على سعته مستهدف، اليوم، مما يسمى دولة القانون ولا ينكر أعضاء هذا التيار ذلك من خلال تصريحاتهم في البرامج التلفزيونية.. فإلى متى سيدوم صمت السيد ومؤامرة المالكي عليه وعلى تياره واضحة، وبدت جلية من خلال محاولة اغتيال السيد حازم الأعرجي أحد قياديي التيار الصدري على يد عصابات أهل الباطل التي هي، الآن، الجناح المليشياوي لحزب الدعوة العميل. إني أقول للسيد مقتدى الصدر الذي أثبت من خلال تصريحاته لصالح ثورة الشعب مشاعره الوطنية والعروبية إن العراق، الآن، أمام مفترق طرق، فإما أن يتحرر ويتخلص شعبه من ظلم لم يشهده شعب من الشعوب منذ خلق الله الأرض ومن عليها، وإما أن يسدر في فترة مظلمة جديدة قد لا يستفيق منها إلا بعد قرون طويلة، وإن حاجة العراق ماسة إلى أن يحوّل التيار الصدري أقواله إلى أفعال ليغير المعادلة ويبدل مسار التاريخ لصالح العراقيين، وإن أبسط ما يمكن أن يقوم به التيار الصدري إنقاذ بغداد والبغداديين من القتل والتهجير والتشريد، وأكد لي الكثير من المنتمين لهذا التيار الواسع أنهم يودون الوقوف مع أخوانهم في ساحات الاعتصام والدفاع عن بغداد إذا أصدر السيد أمراً لهم بذلك.. ولكن ـ يا سماحة السيد ـ نحن إلى الآن لم نسمع منك أمراً لهذا التيار العريض بالوقوف مع مطالب الشعب ومع المتظاهرين أينما كانوا، ولم نر جماعة التيار يصلون في الاعظمية والعامرية صلاة موحدة مع اشقائهم، وتلك كانت سنة أبيك رحمه الله. فأصدر يا سيد مقتدى أمرك لتفتح أمامك أبواب التاريخ واحداً من منقذي العراق، بدل أن تدخل إليه قائداً متردداً لم يحسن قراءة الفرص التي وفرها له القدر، ووقف مستسلماً حتى حزت السكين رقبة تياره المعدم الذي كان يمكنه أن يعدل الميل. إن الأخسرين أعمالاً هم من ينظرون إلى حقبة من التاريخ لا إلى التاريخ ككل، فإذا استفاد من حقبة وجاءت إليه اللعنات من الحقب التي تليها فتلك هي عين الخسارة، ولكنه لو نظر إلى جميع الحقب كما فعل الشيخ مهدي الخالصي والسيد محمد سعيد الحبوبي والشيخ ضاري المحمود والشيخ شعلان أبو الجون وغيرهم ممن مازال التاريخ يحتفي بذكرهم فذلك هو الربح العظيم.