قبل قليل كنت محلقاً في سماء العراق في طريقي من استنبول إلى المنامة .. انتابني مزيج من الحزن والفرح والشوق والهمّ، إذ كانت مدن الدول التي مررنا فوقها وقراها ساطعة بالنور إلا مدن العراق وقراه، التي كانت تغرق في الظلمة والظلم .. والشوق لهذا العراق الذي لم تكتحل عيني برؤياه منذ سنين .. والفرح لأني كحلت عينيّ بمرآه. مررت بمحاذاة دهوك والموصل وسلّمت عليهما وعلى رجالهما وعلى شهداء الموصل .. ومررت فوق كركوك وأحنيت رأسي لها ولشهدائها، وعلى بعقوبة .. يا عيني على بعقوبة وعلى شهدائها، ثم انخلع قلبي وأنا أمرّ فوق بغداد التاريخ والرجال، وفكرت كم ميليشيا تجوب شوارعها في هذه اللحظة وكم عراقياً يعتقل وكم مواطناً من سكانها يقتل أو يهجّر من داره، ولعنت الأبالسة القابعين في المنطقة الخضراء الذين سرقوا أحلام الوطن والشعب، وحولوها إلى دم يسيل في الطرقات ويصبغ كل شيء، ثم مررنا بحلة التاريخ وألقيت على أهلها وآثارها وشهدائها السلام. ومررنا فوق النجف الاشرف السلام على الثاوي في ترابها الطاهر والسلام على الشهداء المدفونين في مقبرتها الأشهر، وسلمت على السماوة ورجالها وشهدائها، وفوق الناصرية السلام على شهدائها ورجالها وآثارها وبيت سيدنا إبراهيم الخليل فيها، ومررنا فوق البصرة السلام على شهدائها ورجالها، والسلام على شهداء الفاو التي مررنا فوقها لننتهي بمياه الخليج .. مرور فوق العراق يكشف لك أن هذا البلد شهيد كله، مصطبغ بدماء أبنائه كله، منتفض كله، ومنتصر، بعد حين، كله. يا عراق روحي، هل لديك وقت لتعداد شهدائك الذين قتلهم الاحتلال ووكلاؤه، هل ستتاح لك فرصة ولو صغيرة لتحصي المظلومين من أبنائك، المغتصبات من بناتك، المعتقلات والمعتقلين، المهجرين والمهاجرين، ما نهب من ثرواتك، عدد التفجيرات التي فتكت بشعبك؟؟ سلام على العراق الشهيد ..سلام على من استشهد ومن في طريقه إلى الشهادة..وتباً وسحقاً لكل من باع قضية شعبه بدراهم معدودات مشترياً بها عارا وذلاً وخزياً إلى يوم يبعثون.