كانت للمنطقة الغربية من العراق، خلال عقد من عهد الاحتلال الأجنبي، هبتان عامتان، هما مناط الفخر والاعتزاز، إلا أن دخول الدخلاء عليهما من الجماعات والأحزاب (الإسلامية) تحديدا، أدى إلى تراجعهما، وعدم استثمارهما سياسيا، والتشويش على أهدافهما اجتماعيا، وهاتان الهبتان العامتان هما: الهبة العامة الأولى- (المقاومة المسلحة) ، والدخيل الذي دخل عليها، هو تنظيم القاعدة وعموم الجماعات التكفيرية التي تدعي أن مرجعيتها هي الدعوة السلفية. وقد كانت المقاومة العراقية هي الأعظم في التاريخ الحديث، ولو جمعت الانجازات والنتائج العسكرية لحركات المقاومة فيه مجتمعة لما وصلت إلى 30 % من حصيلة الفعل القتالي للمقاومة العراقية، لكن هذه التنظيمات والجماعات التكفيرية (خوارج العصر) قد حملت السلاح على المناطق التي هي مسرح للمقاومة (ذات غالبية من السنة) ، فقتلت منهم ما لم يبلغ قتلاها من الأمريكان ومن الإيرانيين و الصفويين وغيرهم معشاره، وفقدت المقاومة (حاضنتها الشعبية) بسبب مراهقتهم الفكرية، وإيغالهم في دماء الأبرياء، واستحواذهم على أموالهم، وعبثهم بأمن واستقرار مناطقهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله. ولو أن تنظيم القاعدة وعموم الجماعات التكفيرية التي تدعي أن مرجعيتها هي الدعوة السلفية لم تدخل على خط المقاومة، أو لو أن عامة فصائل المقاومة كانت تحمل الصفة الوطنية المبنية على الإيمان بالدين الحق، لكانت هذه المقاومة قد حررت القدس فضلا عن بغداد ومحافظات العراق. الهبة العامة الثانية- (المظاهرات السلمية) ، أما الدخيل عليها الذي يسعى إلى سرقة اسمها، وتحويلها من ثورة وطنية إلى ثورة طائفية، فهم بعض المنتسبين إلى الحزب الإسلامي، والوقف السني، وهؤلاء قيادات وقواعد، وكثير من قياداتهم، وجل قواعدهم، في ملفي: (العقيدة الدينية) ، و (الهوى السياسي) سفهاء أغرار مثل أو قريبون من تنظيم القاعدة وعموم الجماعات التكفيرية التي تدعي أن مرجعيتها هي الدعوة السلفية:في العقيدة/ يتوسعون ويتطرفون في ملفين علميين هما (الشرك) ، و (البدعة) ؛ ومن هذا المنطلق فإن لهم تحفظات شديدة على عقائد الشيعة من المسلمين، ولديهم حساسية مفرطة من الصوفية والأشاعرة وكل من عداهم من السنة، ونسبة لا بأس بها منهم طائفيون داخل طائفتهم. في السياسة/ يؤمنون بقسمة النخبة والمجتمع إلى (إسلاميين، ومدنيين) ، أما المدنيون فهم (المغضوب عليهم، والضالين) عندهم، وأما الإسلاميون فكل منهم يخالف صاحبه في مسائل جزئية وهامشية، فيكفَّره ويفسّقه ويبدّعه، أي يصفه بالكفر والفسق والبدعة. تمييز بين المتظاهرين، وبين بعض الإدارات الحالية للاعتصامات:أضحى من الضروري أن نفرق بين المتظاهرين، وبين الإدارات الحالية للاعتصامات، أما المتظاهرون فهم عموم الناس في المحافظات المنتفضة، المعروفون بتدينهم الفطري النقي، وروحهم الوطنية الصافية، وأما إدارات ومنصات الاعتصامات، فقد تسلق على بعضها عناصر من الحزب الاسلامي، والوقف السني؛ وذلك لأن الاعتصامات مستمرة يوميا، لكن ذروتها تكون في أيام الجمع،وعليها يكون تركيز وسائل الإعلام، فتختزل بها صورة الاعتصامات، حيث يتم إغلاق كافة مساجد المدينة (أية مدينة ثائرة) ، ويرتقي خطبائها المنصة، ويقوم احدهم بإلقاء الخطبة، والحزب الإسلامي، والوقف السني يهيمنون على المساجد؛ لأن أئمة وخطباء هذه المساجد، وقراءها ومؤذنيها وكوادر الخدمة فيها يرتبطون بهم إداريا، فيتلقون مرتباتهم الشهرية منهم، وتشتد حاجتهم إليهم في الاختبارات العلمية، وسفر الحج والعمرة وغيرها، وبالتالي فهم ينقادون أو يذعنون لهم. وبما أن المظاهرات والاعتصامات لا زالت قائمة، فإن بالإمكان تدارك الموقف، باتباع خطة مؤلفة من ثلاث نقاط هي: 1- استمرار المظاهرات والاعتصامات، والمحافظة على طابعها السلمي. 2- إعادة تنظيم إدارة منصات الاعتصامات؛ وذلك عبر تنحي المنتمين إلى ما تسمى بالتيارات الإسلامية، بل وأئمة وخطباء المساجد، عن منصات الاعتصامات، وصعود الشخصيات العامة والمثقفين والأكاديميين المستقلين عليها، ويُمثِل حملة الإجازات والشهادات في العلوم الإسلامية على المنصات عدد مناسب من المشهود لهم بالعلم والإيمان، وتناط بهم خطب الجمعة والفتوى وغيرها. 3- قيام مرجعية وطنية للثورة السلمية، تهتم بصياغة مشروع وطني، وتقديم خطاب سياسي جامع، لا يتقاطع مع مبادئ الإسلام، ثم مع أسس الوحدة الوطنية. وأنا زعيم بأنه في حال اتباع هذه الخطوات الثلاث فإن الشعب العراقي في الجنوب والشمال سينضم إلى الثورة، في غضون وقت قصير، وتكون له صولات وجولات مع حكام الجور والعمالة، ونقر بأن أهلنا في الجنوب والشمال قد جفلوا حين رأوا طائفيين من المعممين والملتحين والمتحزبين مغتصبين للمنصات، وسمعوا خطابهم الطائفي المتشنج، ولو رأوا غيرهم من المؤمنين- الوطنيين، وسمعوا خطابهم الإيماني- الوطني، لأعجبوا به، وتفاعلوا معه، وتأثروا به، والتحقوا بركب الثوار. نكرر القول :إننا ننتقد بشدة بعض إدارات التظاهرات، وبعض الشخصيات التي تعتلي منصات الاعتصامات، في المحافظات الست الثائرة؛ ونؤكد أنها لا تمثل المتظاهرين والمعتصمين، ونطالب بانسحابها، لصالح الشخصيات العامة والمثقفين والأكاديميين المستقلين، المتخصصين في العلوم المختلفة، وعدم الاقتصار على المتخصصين في العلوم الإسلامية، ونشدد على أنه ينبغي أن تتولى الشخصيات العامة والمثقفون والأكاديميون المستقلون، قيادة التظاهرات، ويتبوأوا منصات الاعتصامات، وحينئذ تعود الثورة وطنية، بعد أن حاول الطائفيون (المحسوبون على السنة) سرقتها، وإلباسها ثوب الطائفية (ثورة سنية)