ذكرتني صورة الميليشيات القاتلة ومعممي هذا الزمان، حاملي البنادق، لا لقتال مشركي قريش، وإنما لقتل المسلمين، بحادثة حصلت في بداية التسعينات من القرن الماضي، إذ كنت أتمشى برفقة العلامة الراحل الدكتور علي الوردي في الصحن الكاظمي وتوجه نحونا أحد المعممين ووقف أمام الوردي ويده على صدره وانحنى مسلماً علينا متمتماً بكلمات التحية، فرد عليه الوردي بالطريقة نفسها، ومضى المعمم في طريقه فهمس الوردي في أذني هل رأيت هذا المنافق؟ استغربت من قول الوردي هذا وقلت له: لكن الرجل سلم عليك بمنتهى الأدب.. فقال الوردي: إن هذا الرجل انحنى لي وسلم عليّ بمنتهى الأدب لأن فوق رأسه، الآن، قوة هي القانون، ولكن لو حصل انفلات أمني فإن هذا "المؤدب" أول من يقتلني!! إن قول الوردي هذا كان له مغزى عميق لم نكن ندركه في تلك السنوات، ولكننا بدأنا نلمسه واضحاً جلياً، بعد احتلال العراق في نيسان من العام 2003. وفي بحثي الذي كان مقرراً تقديمه إلى ندوة "العدالة وحقوق الإنسان" الذي عقد مؤخراً في استنبول، ذكرت أن "قراء الروضة الحسينية" ظهروا بنحو كثيف وسريع مباشرة بعد احتلال العراق، ولم تكن الهجمة الملائية دينية ومذهبية، بل هي حضور سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي وعسكري، والكثير من قراء الروضة الحسينية هم عناصر مخابرات لهم رتب عسكرية في الحرس الثوري الإيراني ويعتمرون العمامة وهم متدربون على السلاح ويحملون هويات عراقية وجنسيات عراقية، ويقيمون في العراق، وبصفة مركزة في المدن الدينية مثل النجف وكربلاء والكوفة، كما يقيمون في مدن العراق الجنوبية وخاصة البصرة، ويشترون العقارات ويؤسسون المؤسسات والمحال التجارية، بالإضافة إلى أن الكثير من عناصر السلطة ومن أعضاء البرلمان هم إيرانيون بالأصل، لهم مصالح تجارية في إيران وبيوتهم هناك وزوجاتهم وأولادهم هناك أيضاً. وأنا هنا لا أقصد معممي طائفة معينة، ففي الطائفة الكريمة الأخرى ظهر معممون يمارسون الدور التخريبي نفسه، وأغلبهم ينتمي إلى الحزب الإسلامي، وتسابقوا لخدمة المشروع الاحتلالي ومازالوا، ولكي نفهم اللعبة الطائفية ولا تخدعنا أساليبها علينا النظر إلى سلوك هؤلاء المعممين العملاء، والتركيز على تحليل خطاباتهم وتحركاتهم. ولابد أن أذكر، في خاتمة هذه المقالة ما قاله المرحوم الشاعر الشعبي العراقي الملا عبود الكرخي: "لا تغرك هالعمايم أكثر الركي فطير".