تسربت لوسائل الإعلام بعض الأخبار الخفية عن بروز خلافات حادة أخذت تستعر بالآونة الأخيرة بين رئيس التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر وأمين عام حزب الله اللبناني حسن نصر الله بسبب المشاركة في القتال داخل سوريا. وعلى ذمة المصادر الرفيعة من "التحالف الوطني" إن هذه الخلافات وصلت إلى درجة الشتم والإتهامت بالعمالة والخيانة. وكذلك أشار قيادي بارز في التيار الصدري، دون أن يكشف عن أسمه، إن الخلافات مع نصر الله بلغت مستويات خطيرة وعدائية عندما رفض الصدر إرسال مقاتلين إلى سوريا بطلب من حزب الله. كما وأن التيار الصدري نجح في إقناع الكثير من مقاتلي "عصائب أهل الحق" بزعامة قيس الخزعلي المنشق عن جيش المهدي، الذراع العسكري للتيار الصدري، بالعدول عن الذهاب إلى سوريا بدعوة من قيادة "حزب الله". مما أدى إلى غضب الأخير وبدأ يشن حملة إتهامات خيانية ضد الصدريين، من بينها رسائل من نصر الله إلى الصدر بهذا المعنى الواضح. وبما أن الموقف العام بالنسبة إلى المراجع الدينية في النجف، وأيضاً الأطراف السياسية داخل "التحالف الوطني" تعارض أي تورط قتالي في سوريا. لذا يرى المسؤول الصدري بأنه من "غير المسموح لنصر الله بفرض رأيه على المراجع السياسية والدينية الشيعية في العراق". بل أن هذا المسؤول قد أتهم نصر الله بأنه "يريد تدمير ما تبقى من الوحدة الوطنية العراقية التي هي أصلاً تواجه بعض المخاطر. لأن الزج بالجماعات العراقية الشيعية في الحرب السورية، معناه تعريض 30 مليون عراقي لحرب أهلية طاحنة. وبالتالي إذا كان هو يجازف بلبنان، فليس مسموح له أن يجازف بالعراق". وهنا نود أن نطرح بعض الأسئلة التالية :إذا كان بمقدور مقتدى الصدر أن يرفض رسائل حسن نصر الله، فهل بإستطاعته فعل ذلك مع خامنئي؟ وإذا أشار الصدر في أكثر من مرة عما يواجهه من ظغوطات إيرانية تجبره لتغير مواقفه. فهل سيواجه الحتمية نفسها؟ أم أنها ستختلف، وكيف؟ وماذا عن كاظم حائري، المرجع الديني للتيار الصدري، إذا أفتى بجواز القتال داخل سوريا؟ وحائري في إيران أصلاً. لا نود إستنباط الأجوبة عقلياً أو منطقياً وفق المعطيات الموجودة. ولكن نروم إلى تشخيص أمر مهم آخر من خلال ما تسرب من تلك الإخبار. حيث يشير القيادي في التيار الصدري إلى أن خطة نصر الله كانت تهدف إلى تشكيل جيش ميليشي شيعي يزيد عن 110 ألف مقاتل يكونوا تحت أمرته حسب الإتفاق مع القيادتين الإيرانية والسورية. فكان يُراهن على إنضمام "جيش المهدي" الذي يبلغ تعداده أكثر من 60 ألف مقاتل، وهو يُعادل ثلاثة أضعاف تعداد مقاتلي "حزب الله". لكي يتمكن من التغطية الميدانية داخل سوريا من ناحية. وأن يُحافظ على مواقعه تجاه إسرائيل من ناحية أخرى. وبما أن عدد العراقيين الشيعة الذين قتلوا نتيجة مشاركتهم بالقتال داخل سوريا وصل إلى 12 قتيلاً لحد الآن. وإن الفترة الزمنية تُعتبر طويلة قياساً لهذا العدد القليل جداً. إذاً فإن الجواب العقلي والمنطقي لهذا الوضع هو إن العراقيين الشيعة ليست لهم القناعة أو الدافع الحقيقي الذي يحملهم على القتال الدائر بين السوريين. وهذا بحد ذاته يشكل حرجاً لدى القيادات الطائفية في "التحالف الوطني" الحاكم. وبالتالي تجدها مضطرة الإعتراض على المشاركة في القتال السوري الداخلي. وعليه علينا أن لا نعول على خلافات نصر الله والصدر، ولا نرتكن إلى موقف الأخير، إذ لا جدوى حقيقة منها؛ لأنهما صنوان لإيران. وإنما نعول على موقف الذين يرفضون زجهم بالقتال السوري. فموقف هؤلاء العراقييون يعني بالنسبة لنا: أنهم يمتلكون الإرادة أولاً. وتبيان الوعي حيال هذا الشرك الدموي ثانياً. وكشف لمعدن عروبتهم ثالثاً.