هكذا بدأت ظهرية البلاد التي انكسر ظهرها . حفلة شواء عملاقة في الهواء الطلق ، والرائحة تعمّ بلاد القهرين كلها ، من بغداد العباسية المحتلة بألف احتلال واحتلال ، حتى بصرتها التي تسميها الناس بطراً وجدلاً ، ثغر العراق الباسم ، وهي التي تطفو على بحر نفط وخير ، لكنها جائعة متخلفة عريانة منتهكة مريضة ، لم تذق في حياتها ماء عذباً ، وهي التي ينزل فوق رأسها عناق البديعين ، دجلة والفرات ، لكنها لا تصلح في باب القياس ، إلا بعد أن ينطبق عليها المثل القائم حتى الآن " بعد خراب البصرة " وقد سمعته من بعض أهل الشام مؤوّلاً مقالاً على ترنيمة " بعد خراب مالطا " مئات الضحايا ، وآلاف الجروح المتفتقة التي يكاد واحدها يصيح مثل فمٍ مفجوع ، في يومٍ دامٍ مرعب ، وفي شهر متربٍ قائظٍ هو أدمى الشهور . قبل قليل انفتحتْ شاشة التلفزيون على نبأ يقع في باب العواجل العاجلة المستعجلة مثل عباس المستعجل . النبأ اليقين جاء صورة وصوتاً وبالألوان التي تشبه ألوان الفضيحة . نوري المالكي ينزل من سلّمٍ كهربائي ويحطّ الرحال في صالة فخمة مرفهة لا تشبه صخام البلد ، وقدامه مجموعة من صحفيين جدد ومعتقين ، ينبت بعبِّ واحدهم سؤال واحد وحيد : ماذا حدث يا أبا اسراء وأنت قائدها الذي " ما ينطيها " ؟ مؤتمر نوري كان أقرب من حيث الإجابات المعلنة والمضمرة ، إلى واحدة من مسرحيات الزعيم والمرشد الأعلى للكوميديا السوداء ، الفرعوني عادل إمام ، أو الرافديني ماجد ياسين أبو حنك الذهب ، أو بديع زمانه ومذهل عصره ، أبو الحارث حمودي الحارثي الذي ما زال الرافدينيون يسمونه عبّوسي ، ويغنّون معه طقطوقته الحلوة في ملهاة " تحت موس الحلاق " صحبة استاده حجي راضي سليم البصري ، أعظم التلقائيين العراقيين . خلفية نوري في مؤتمر اللغة واللغوة الفائضة ، كانت كمشة من وزراء ، ظهر منهم بوضوح الصورة الفائق ، سعدون الدليمي بوجهه الرحماني الجذاب الأقرب إلى وجه الرسام سلفادور دالي ، وصالح المطلك الذي بدا من تكويرات وجهه ، كمن قام قبل دقيقة من نومة العوافي ، ولم يلقَ قدّامه استكان الشاي وماعون من كعك السيد أبو الدهن ، وأيضاً أبو عيون الكحيلة حسن الشمري وحسين الشهرستاني ، المرجع النفطي الأعلى ، وواحدة محبوسة بجبّة ثقيلة وحجاب محنّك لم تقترب منها الكاميرا ، لذا صار من الصعب تمييز خلقتها من خلقة واحد من الوزراء الحاضرين في عمق المشهد ، لكنها كانت من طول وحجم النائبة النجمة حنان الفتلاوي . ردّ نوري أبو اسراء بدمٍ بارد مثلج ، على أسئلة السائلين والسائلات ، بأن الوضع الأمني جيد جداً ممتاز ، على الرغم من خرق هنا ، وتفخيخ هناك ، وشوية قتلى في هذا الصوب ، وسلة جرحى في ذاك الصوب !! تحدث وأفاض وفصّل ومثّل في باب أجهزة كشف المتفجرات ، وأماط اللحاف عن سر الأسرار ، الذي يفيد بأن تلك الأجهزة القشمرة ، ليس بمقدورها العمل المفيد ، إلا بنسبة أربعة وخمسين بالمائة ، لذلك نحن بصدد استحداث طفرة نوعية تاريخية في هذه المسألة الملتبسة ، من خلال رفد منظومة الأمن التعبانة ، بأعداد ضخمة من الكلاب والكلبات ، لأننا عرفنا الآن أن الكلاب الشمامة ، لهي أحسن وأجدى من أيّ جهاز !! طبعاً هو لم يخبرنا عن اسم الجهة التي سيتم استيراد الكلاب ، ابناء وبنات الكلبات منها ، ولا الوفد الذي سيرسله الى تلك الدولة من أجل الإسراع في إتمام صفقة العمر ، لكنّ الرجل في نهاية تفصيلاته وايضاحاته عن الحلّ الكلبي ، كان فاجأ الوزراء والصحفيين والمشاهدين والمشاهدات ، بقوله أن الكلاب أيضاً لا تخلو من مشاكل تقنية في باب التفتيش والكشف والإنذار المبكر !! في هذه القولة من زمان المؤتمر ، راحت الكاميرا وانلطشت فوق وجه حسين ابو علي . أقصد حسين الشهرستاني ، الذي بدا متلفتاً حائراً لا يعرف أين يخفي وجهه ، وكيف يسيطر على ضحكة عظمى كانت نائمة ببطنه ، وتريد أن تهرب من محبسها !! ولأن نوري تعلّم أن لا يُلدغَ من زرفٍ مرتين ، فتوقعاتي بشأن تركيبة الوفد الذي سيرسله لإتمام صفقة الكلاب ، أن لا يضم في عضويته ، المتحمس سعدون الدليمي وعزت الشابندر وعلي الدباغ وأبو جورج اللبناني وأم فيان الأوكرانية !! alialsoudani2011@gmail.com