العولمة هذه الحركة الهائلة بتعميم الأفكار والنظم والأشياء، وهذه الحركة بتجنيس أذواق الأمم وتوحيد أنماط حياتها في الإنتاج والاستهلاك والنظر إلى الذات الأُخرى. وأنشطة العولمة هي أكبر بكثير من أن تتحكم فيها دولة، بل إِنه يمكن القول بأَن ما تفعله شركة كبرى في نشر العولمة، قد تعجز عنه دول عديدة، لا يعني هذا بالطبع أن مساهمة الدول والشركات والجهات العلمية متساوية في حجم المشاركة، كما لا يعني أَنه لا تجري عمليات تخطيط سرية لتوجيه العولمة أو اتخاذها أداة ضغط في بعض الأحيان، كما لا يعني أن التوازن العالمي في العديد من المجالات يتم دون أيدٍ خفية تسعى فيه، في هذا الشأن يشير الدكتور البكار إلى ثلاث نقاط هي على درجة عالية من الأهمية في هذا الشأن : الأولى : هي أَن قيادة العولمة تتم على نحو جوهري من قبل الغرب ومن يتحرك في فلكه مثل اليابان وبعض دول جنوب شرق آسيا، استناداً إلى القيم والمصالح المشتركة بين دول الغرب، أما دول جنوب شرق آسيا، فإن العديد من الأنظمة فيها هي حصيلة الحرب العالمية الثانية وبالطبع لم يكن هذا النتاج نتاج المصادفة بل هو شروط المنتصر. الثانية : أن أمريكا هي أكبر دولة مساهمة في حركة العولمة. الثالثة : يقول الدكتور البكار " إن الخلفية التاريخية لقيادة العولمة هي خلفية سيئة وخطيرة في العديد من قسماتها. كونها تقاد من قبل الغرب ومن يدور في فلكه من الدول المتقدمة والمناهضة. من المعروف أن الذي نقل العولمة إلى بؤرة الاهتمام العالمي ليس أفكاراً موجودة في بطون الكتب، أو شعارات يهتف بها بعض الناس هنا وهناك وإنما هو تجليات وتجسيدات للتقدم العلمي والتقني والتنظيمي الذي أحرزته على نحو جوهري الدول الصناعية الكبرى، كما أنه تعبيرات عن القوة الاقتصادية والمالية التي تمتلكها بعض الدول، وانطلاقاً من هذا فإن من الواضح جداً أن براءة الاختراع والتجديدات التقنية، بالإضافة إلى الثروات ورؤوس الأموال الضخمة ليست متواطنة في العالم النامي أو العالم الإسلامي، وإنما في أوربا وكندا وأمريكا واليابان. إن ما تم الإشارة إليه لا ينهض بأن يكون دليلاً على ضعف ما ذهب إليه موضوع البحث، بل يدعمه عن طريق كون التقدم العلمي والتقني قد لا يكون بالضرورة استخدامه على الدوام لصالح الإنسانية وبطريقة نزيهة، فقد يتم استغلاله لفرض تعزيز الهيمنة والسيطرة على العقول والمقدرات من قبل من يمتلك مفاتيح اللعب بهذه التقنية، كما قد تحجب العديد من التقنيات عن البعض، بغية إبقائهم تحت وطأة التخلف والتبعية. وانتزاع الإنسان من انتمائه الأصلي وجعله غائب حكما عن وعيه التاريخي وماضيه وارثه أيضا وحقا هذا اخطر ما في العولمة وهذا ما دعي علماء الأمم إلى التكاتف للوقوف في وجهها فانتزاع الإنسان من ماضيه وارثه فيه أعظم الخطر ويصبح إنسان في مهب الريح سهل الانقياد بعيدا عن قيمه ودينه وماضيه وهذا واضح وجلي لكل منعم للنظر وليس يخفى على احد تلك العلاقة بين العولمة وما يعرف ب( ما بعد الحداثة ) التي طالت اخص ما يمس البشر في المعتقد والسائد الموروث وهى حقا ابعد بكثير من ذلك التزامن المزعوم. بل إنها تؤدى حكما إلى التداخل والتفاعل المنسي لكل ارتباط حقا قولي أن العولمة خالية من المزايا بالنسبة لدول العالم الثالث المستهلك والسوق المتاح بلا ثمن الضحية المستباح بلا عقال المهزوم بلا نصير فهي حقا تغص بالمقالب والعيوب .