إن من يتعرض من البشر إلى تهديد لحياته ، أو أنه يشعر إن هذا التهديد سيقع عليه، فإنه غالباً ما يلجأ إلى ملاذ آمن سواءاً أكان هذا الملاذ داخل بلده ( بيوت الله ، مسجد ،كنيسة ، عشيرة ) ، أم خارج بلده ( دولة ) ، يطلب منهم الحماية ، وغالباً ما يؤمن على هذا الإنسان من التهديد الذي وقع أو سيقع عليه . إن الله سبحانه وتعالى أمرنا أن نجير ( المشرك )، فكيف إذا كان مسلماً ؟، حيث جاء قي القرآن الكريم ، {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ} التوبة الآية/9، وتقول كتب التفاسير ، إذا طلب أحد من المشركين الذين استبيحت دماؤهم وأموالهم الدخول في جوارك -أيها الرسول- ورغب في الأمان, فأجبه إلى طلبه حتى يسمع القرآن الكريم ويطَّلع على هدايته, وهذا الأمر جلي أن يجار أي من البشر إذا طلب الإجارة والأمان . يحدثنا التاريخ عن قصص أغرب من الخيال حصلت في أزمنة مختلفة للدخيل ، وخاصة عند القبائل العربية ، وكذلك الكردية ، وغيرها ، ونورد هنا قصتان على سبيل المثال لا الحصر ، الأولى : حصلت معركة ( غلوين ) في بغداد بين الجيش العثماني وقوات ( المنتفك ) عام 1813م ، التي انتهت بانتصار قوات إمارة المنتفك, ومقتل الوالي ودخول جيش إمارة المنتفك شوارع بغداد ظافراً, وتسليمه مقاليد الولاية لدخيلهم (سعيد بن سليمان باشا) ، الذي لجأ إليهم محتمياً من بطش الوالي السابق عبدالله باشا ومساعده طاهر آغا، وقد رفض ( الأمير حمود السعدون ) تسليم دخيله للدولة العثمانية، مما أدى إلى حشد الدولة العثمانية لحملة عسكرية كبيرة ضده وكانت نهاية الأحداث سقوط مدينة بغداد بيد أسرة السعدون وأمارة المنتفك. أما القصة الثانية ، فقد وقعت ما بين عامي 1964 - 1965 م، حيث بدأت قصة ( سحاب ) حينما ارتكب جريمة قتل مع أحد أقاربه ، وجلا سحاب عن جماعته إلى قبيلة تعترف بالنخوة والشهامة وإدخال الدخيل وحماية المستجير فذهب ( سحاب بن سويرح الرشيدي) إلى قبيلة الظفير التي تعد من القبائل المشهورة بحماية الدخيل . وكان من الصعب على سحاب أن يجد رجلا يفديه بماله وأولاده وهو لا يعرفه ولا يعرف قصته ، وبينما هو متجه إلى قبيلة الظفير، وجد رجلا في طريقه ، وسأله عن رجل يعرف لدى القبيلة بالكرم والنخوة والشهامة والشجاعة وحماية الدخيل،فأرشده الرجل على بيت (صياح بن رغوان القاسمي الظفيري ) ، فذهب سحاب لبيت ( صياح ) وما أن وصل إلى البيت لم يجد (صياح ) ، وإنما وجد أبناء صياح صغار في السن،فخرجت عليه بنت صياح الكبرى في البيت ، فقالت له (إن كنت من قبيلة الظفير فليس لك ملجأ ، وإنما نعينك على الذهاب خارج القبيلة إلى قبيلة أخرى فاركب الفرس الموجودة عندنا واذهب ، وإن كنت من قبيلة غير قبيلة الظفير فأنت دخيلتا وبوجهنا ولا يمسّك أحد إلا يمسّنا) وبعد فترة وجيزة أتى صياح وفهم القصة ، وأصبح في دخيل صياح ، ثم مات صياح واستقر وضع سحاب حتى صار اسمه (محمد الرغوان) . هذان أنموذجان ، الأول بطله رجل من آل السعدون ، والثاني بطلته إمرأة من آل الظفيري ، وهناك الآلاف من هذه القصص التي يزخر بها التاريخ . على الصعيد القانوني ، فقد نظمت المواثيق الدولية ( معاهدات ، إعلانات حقوق الإنسان ) ، موضوع حماية الدخيل ( اللاجئ ) ، فنرى أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 كانون أول/ ديسمبر عام 1948م، قد أعطى مفهوماً للاجئ ، بشكل عام لأي فرد ، حيث نصت المادة 14 منه على: لكل فرد الحق في أن يلجأ إلى بلاد أخرى أو يحاول الالتجاء إليها هرباً من الاضطهاد ، كما عالجت معاهدة جنيف لعام 1951م ، موضوع اللاجئين ، أما الإتحاد الأفريقي ، فقد توسع بمفهوم اللاجئ ، في المعاهدة الصادرة في 10 أيلول/سبتمبر عام 1969،حيث نصت على تعريف اللاجئ : هوأي شخص بسبب عدوان أو احتلال خارجي أو سيطرة أجنبية أو أحداث تخل بشدة بالنظام العام، إما في جزء أو كل من الدولة التي ينتمي إليها بأصله أو جنسيته، أجبر على ترك مكان إقامته المعتادة للبحث عن مكان آخر خارج دولة أصله أو جنسيته، وهناك العديد من الإتفاقات الإقليمية التي عالجت موضوع الدخيل . مما تقدم يتضح لنا جلياً أن الأديان السماوية والأعراف القبلية والقوانين الوضعية قد أعطت للدخيل مكانة مهمة في حمايته، وبطبيعة الحال فإن غالبية دساتير الدول إن لم نقل كلها نصت على ( تحريم تسليم اللاجئ ) إلى دولته أو أي مكان آخر. لقد أطلعنا على رسالة الأسير المجاهد / سبعاوي إبراهيم الحسن ، ووجدنا فيها إن ما قام به النظام السوري ، يتناقض مع كل ما أمرنا به الشرع والقوانين الوضعية ! .