يمر الأسبوع الثاني على ارتكاب القوات الحكومية العراقية مجزرة إبادة جماعية، ضحاياها موثقون بالأسماء والصور، والإصابات بالزمان والمكان، أبطال الجريمة معروفون وشهود السمع والبصر موجودون، وزراء ونواب ومسؤولون، ووثائق الواقعة لم يجف حبرها، وأحاط الإعلام الرأي العام بتفاصيلها، وعرفها القاصي والداني، فهل ستمر بلا حساب ولا عقاب لتتلوها مجزرة ثانية وثالثة، وندخل بما دخلت فيه سوريا من دوامة عنف الدولة وتوالي الكوارث ؟ نداؤنالكل ذي ضمير حي من صحافيين وإعلاميين ومحامين ومدافعين عن حقوق الإنسان، نداء إلى الحكام الشرفاء والشعوب الحية والمنظمات الدولية أن تتحرك ولا تترك الجريمة تمر ببساطة، فلم تكن الحالة تستدعي التدخل الأمني واستخدام القوة المفرطة، قوات جيش قتالية ووحدات مهاجمة من ألوية متعددة، وشرطة اتحادية ومحلية تحركت بأوامر رسمية واضحة وصريحة، وقادة يفترض أنهم مهنيون، نفذوا جريمة إبادة جماعية بإطلاق النار على آلاف المعتصمين المسالمين بخطة مبيتة بليل مظلم، ومتابعة آنية من لدن رئيس الوزراء ونائبه ووكيل وزير الدفاع، وقيادة الجيش والقوات البرية والجوية لأحداث الواقعة لحظة بلحظة من البدء حتى النهاية، ورغم استجابة المعتصمين لطلب المسؤولين والسماح بتفتيش الموقع، ومصادرة السلاح إن وجد، واعتقال أي مطلوب للحكومة، ولم يكن من داع ولا دافع لارتكاب الجريمة غير استهتار ذوي الشأن بدماء الأبرياء وعدم المبالاة بإزهاق الأرواح، والاستقواء على المستضعفين المظلومين المطالبين بحقوقهم. قضاء الحويجة أكبر مدن محافظة كركوك بعد المركز، سكانها نحو نصف مليون نسمة، قبائل عربية سنية، تعاطفوا وتفاعلوا مع إخوانهم في المحافظات الأخرى، وقد عانوا بأنفسهم التمييز والتهميش والتصفيات، سكان المحافظة يتوزعون بنسب متقاربة، عرب، وأكراد وتركمان، وأقليات أخرى، وقد هجر الكثير من العرب والتركمان والمسحيين داخل العراق وخارجه بفعل الاضطهاد بعد الاحتلال، فالأكراد مليشيات عسكرية منظمة بتركيبة جيش يحميهم، والشيعة محميون بقوات الأمن فضلا عن مليشيات صدرية وبدرية صفوية، أما العرب والتركمان السنة الذين يشكلون الأغلبية فهم الطرف الأضعف في صراع الهيمنة والتحكم بالمحافظة. وحين تظاهر العرب السنة في ست محافظات للمطالبة بحقوقهم العادلة ورفع المظالم، تظاهر واعتصم معهم أبناء كركوك، وكانت اكبر صلاة موحدة واعتصام لهم في المحافظة بالحويجة، أقاموا مخيمهم خارج المدينة بساحة مفتوحة لا تقطع طريق، ولا تعطل الأعمال، ولا تضايق الأسر بشيء، تأكيدا لسلميتها وشرعيتها التي يقرها الدستور العراقي والقوانين الدولية، يكبرون ويصلون وهم أبعد الناس عن الفحشاء والمنكر، ولم يرتكبوا طيلة أشهر الاعتصام ما يعكر صفو السلامة الوطنية، ولم يرفعوا شعارات تستفز الآخرين. ولكن المالكي أراد فك الاعتصام بالقوة والعنف، لإرهاب المعتصمين في المحافظات الأخرى وحملهم على فض اعتصامهم. فاختار اعتصام الحويجة لأنه الأصغر قياسا بالمحافظات، فاصطنع مقتل عسكري وجرح آخر ليكون مبررا لقواته بالاقتحام، فطوقت خمسة آلاف معتصم ليلا وحاصرتهم ثلاثة أيام منعت عنهم الماء والطعام والكهرباء، وزجت بمئات الجنود من فرقة سوات القذرة، التي تضم أفرادا وضباطا من الحرس الثوري الإيراني، مع قوات جيش قتالية وشرطة اتحادية، وحين شعروا بقرب التوصل لاتفاق اقتحموا المخيم بعد منتصف الليل وأطلقوا النار بكثافة على المعتصمين، وحلقت الحوامات فوقهم، ودخلت المدرعات ودهست الخيم بمن فيها، فقتل خمسون متظاهرا وجرح 170 من الشباب الغض بدم بارد، وهناك شهود من العساكر يؤكدون أنهم جرحوا بنيران زملائهم وشاهدوا إعدام بعض المتظاهرين، وأن شيخا طلب إعدامه واستعطفهم أن يستبقوا ابنه الصبي فقط، ولكنهم أصروا فقتلوا ابنه أمامه وأطلقوا النار عليه ولكنه لم يمت ونقل في الصباح إلى المستشفى، ومن ضمن الشهداء أستاذ جامعي يشغل منصب عميد كلية شوهدت صوره حيا مقيدا بالقرب من جثمان قريب استشهد في الواقعة، ويرجح إعدامه فيما بعد، وأخليت الساحة على جثث الشهداء. وليغطي المالكي فعلته السوداء اعتبر الضحايا صباح الواقعة شهداء، مما يؤكد ضلوعه ومسؤوليته بإصرار وترصد، ولو كانوا مجرمين ما عدهم شهداء، وشكلت لجنة تحقيق برلمانية ثم سحب منها ممثلو حزبه بعد أن شعر بالإدانة، ورفض اشتراك منظمة العفو ومنظمة الدفاع عن حقوق الإنسان الدولية بالتحقيق، وأراد تكرار السيناريو في الفلوجة والرمادي، وتراجع مؤقتا خشية تفاقم النتائج، وثورة جميع العشائر ضده وتأليب الرأي العام، اليوم يرفض أعوانه تقرير مجلس النواب، ويشككون باستشهاد الضحايا بصفاقة وابتذال لا يليق بحزب حاكم واحترام الضحايا. فعلى كل إنسان تحمل مسؤوليته الإنسانية كما اقرها الله بشرائعه السماوية، وعلى الرأي العام أن يقول كلمته بجرأة وصراحة، وعلى ذوي الاختصاص العمل بسرعة وحزم والتقدم إلى المنظمات الأممية ومحاكم العدل الدولية بالملفات اللازمة، ليأخذ العدل مجراه مع المسؤولين أو ضدهم، ووضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان لأتفه الأسباب، وتملص الحكام المجرمين من الحساب والعقاب.