يبدو لي ومن قراءة سريعة ولكنها قامت على التجربة وخلال ربع قرن من الزمن على الأقل للمنطقة العربية مضافا اليها كل من إيران وتركيا من جهة وإسرائيل كعامل فاعل من جهة ثانية ، أن الأحداث الناتجة عن المخططات كانت تسير كلها بالإتجاه الذي تضمنه عنوان هذا المقال . فليس هناك حدث عفوي في عالم السياسة وخصوصا عندما يتعلق الأمر بمنطقة استراتيجية ومهمة كالمنطقة العربية أو الشرق الأوسط عموما . أحداث المنطقة منذ عهد الإنقلابات العسكرية في القرن الماضي تقف شاهدا على ماسنقول . الحروب العسكرية وبمختلف أسبابها ونتائجها ، شاهد آخر . العواصف السياسية والفوضى التي نعيشها حاليا هي نتاج لكل ذلك وشاهد حي لايمكن نكرانه . بعد سنوات قليلة من قيام الدولة الصهيونية على الأرض العربية عام 1948.. ولكي يتم بناء تلك الدولة الحليفة للغرب الرأسمالي ، كان لابد من تحقيق أمرين رئيسيين : الأول هو قطع الشريان الذي يصل أنظمة المنطقة السياسية القائمة آنذاك بالغرب وتفتيت تحالفاته معه . والثاني هو إحلال نظم سياسية بديلة تقوم على الفوضى أو الديكتاتورية أو كليهما معا كبدائل لتلك الأنظمة .. وبذلك تنفرد إسرائيل بدعم القوى الدولية لها سياسيا وعسكريا وإعلاميا على اعتبار أنها الدولة العصرية الديموقراطية كما أرادوا أن يصورها لنا والتي تعيش في وسط دول عدائية ذات أنظمة سياسية تفردية وغير حضارية . بذلك تم إجبار الدول العربية بأنظمتها الجديدة لكي ترتمي في أحضان دول المنظومة الإشتراكية آنذاك أو الدول الشيوعية ومن ثم جرها الى نظم سياسية نشأت أصلا من إنقلابات عسكرية وتمخضت عن أنظمة ديكتاتورية في حين كانت إسرائيل تظهر للعالم أنها دولة ذات نظام برلماني وديموقراطي وتتمتع بالإستقرار السياسي وفق المفهوم الغربي المقبول عالميا . ولعل هنا من يطرح السؤال التالي : كيف وافقت السياسة العالمية المتمثلة بالغرب كبريطانيا وأميركا مثلا على التفريط بدول إرتبطت معها منذ بدايات القرن الماضي ، بل هي من قامت بتأسيسها أصلا بعد الحرب العالمية الأولى ، إضافة الى كونها دول غنية بثرواتها الطبيعية التي تعتبر الشريان الحيوي للعالم الرأسمالي أو الإستعماري ..؟ وأعتقد أن الجواب المنطقي والبسيط على هذا التساؤل هو أن أعمدة صنع السياسة في دول الغرب هم أصلا من غلاة الصهيونية العالمية .. مضافا الى ذلك سيطرة المال اليهودي على إقتصاديات تلك الدول حيث أن أكثر من 90% من بيوت المال ومصادر الثروة هي لعوائل وشخصيات يهودية .. وهذه جميعها سخّرت الإعلام كالصحافة والإذاعات وأفلام هوليوود لخدمة ذلك الهدف والقيام بعمليات غسل للأدمغة في العالم الغربي والعالم بشكل عام وما تشرتشل وزير المستعمرات البريطاني ثم رئيس الوزراء بعد ذلك وبلفور وزير الخارجية وصاحب الوثيقة أو الوعد الشهير بتأسيس إسرائيل إلا مثل واحد على صهيونية صانعي السياسة في الغرب . فإذا كان هذا هو الحال فقد زال عامل الإستغراب في التساؤل . ثم ألم تضحي أميركا بأكبر حلفائها في المنطقة ومن أبرزهم شاه إيران لتجلب محله الخميني والنظام الذي تتظاهر حاليا بالعداء له وهي قد دخلت معه بتحالفات ومنذ أمد بعيد ..؟ ما نقوله هنا لم يأتي من فراغ فقد كُشِف مبكرا من خلال بروتوكولات حكماء صهيون الذي خرج بها المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل في سويسرا قبل قيام إسرائيل بحدود 70 عاما ..!! من أمثلة ذلك النص التالي ( الشعوب الغربية هي " غوييم " يعني اغنام ويجب أن تُعامل على هذا الأساس ويجب معرفة كيفية تسييرها كالقطعان لخدمة الصهيونية وبكافة الوسائل المتاحة بما في ذلك المال ونشر الفساد ) ومن أمثلة ذلك أيضا النص الآخرالذي يقول ( يجب أن تكون منابع نهرالليطاني تحت السيطرة اليهودية أي " الدولة الموعودة على الأرض الفلسطينية " خلال المائة سنة القادمة ! " وهذا الكلام كان في أواخر القرن التاسع عشر" ) وأمثلة ذلك كثيرة لمن يريد أن يرجع اليها . وفي الوقت الذي عمت فيه موجة الإنقلابات العسكرية والثورات ( مامجموعه إثنتي عشرة ثورة أو إنقلاب في أربع دول عربية فقط ) في الخمسينات والستينات من القرن العشرين وما رافقها من قتل وإعدام الخصوم السياسيين والتمثيل بجثث القتلى وحرق وتدمير الثروات والبنى التحتية والخدمات ، كانت إسرائيل قد أنجزت إكمال مفاعل ديمونة في صحراء النقب وصنع القنبلة النووية وتجربتها وامتلاك العشرات بل المئات من الرؤوس النووية . وأيضا كانت قد ساهمت مع بريطانيا وفرنسا في ضرب مصر عسكريا عام 1956 .. وتمكنت من إحتلال أراضي ثلاث دول عربية في ستة أيام في ضربة إستباقية ماحقة في 5 حزيران 1967 . وهو ماسنتحدث عنه في الفقرة الثانية ، أي الحروب .. قبل الإنتقال الى واقعنا المأساوي الذي نعيشه في الوقت الحاضر . الحروب المدمرة التي كانت الأرض العربية ساحة لها ، كانت حروب إما تآمرية أي تم العمل على إشعالها من قبل القوى الكبرى بواسطة السياسيين الموافقين لتلك القوى أو الذين إستغفلتهم وأوقعتهم في الفخ .. أو حروب تحريك فرضها الواقع العربي من أجل منع حدوث التغيير في ظل ظروف كانت تقتضي ذلك كحرب 1973 واعتراف بعض الدول العربية كمصر والأردن بإسرائيل بعد ذلك مباشرة وظهور مبدأ الإبتزاز السياسي الصهيوني القائل : الأرض مقابل السلام ..! . أو حرب هيمنة وإحتلال وفرض الأمر الواقع لتحقيق أهداف السياسة الصهيونية والعالمية في المراحل اللاحقة ، ولعل حرب حزيران 1967 كانت الأبرز في هذا المجال . والى جانب هذه الحروب بين دول المنطقة .. برزت أيضا الحروب الداخلية ضمن نطاق الدولة الواحدة وتحت شعارات ودعاوى مختلفة ، ولعل أبرزها الإقتتال في الشمال العراقي والذي إستمر لعشرات السنوات وتحت حكم مختلف الأنظمة السياسية في العراق والذي استنزف الدم والإقتصاد العراقي لعقود طويلة . ثم جاء إحتلال العراق عسكريا وبحرب مدمرة عام 2003 والتي تركت البلد في حالة تمزق إجتماعي وإقتصادي وحرب أهلية تحت الرماد يمكن أن تشتعل بيد الساسة الجدد أدوات من صنعهم ووضعهم في السلطة سواء من دول الجوار أو الدول الكبرى . إنفصال حقيقي للمنطقة الكردية تحت مسمى الإقليم . قيام دولة بحجم وواقع وتخلف الكويت باحتلال أراضي عراقية وإقتطاعها تحت سكوت العرب والعالم ومباركة عملاء حكومات الإحتلال العراقية . وفوق كل ذلك تدخل إيراني مباشر وصريح وفاعل في العراق في وقت تغمض أميركا وحلفائها عيونها عما يجري مما لايمكن تفسيره إلا بتوافق وإتفاقات ومصالح مشتركة وأدوار موزعة بإتقان بين الجميع لتنفيذ المخطط الكبير والذي بدأ مع إسقاط الشاه الإيراني كما ذكرنا وقيام التحالفات الجديدة والعمل على إعادة رسم الخريطة السياسية والجغرافية في المنطقة . ثم تلى كل ذلك الواقع المأساوي الذي تم فرضه على المنطقة والذي إبتدأ بالموجة التي عمت المنطقة العربية من مغربها الى مشرقها والتي أُطلق عليها ( الربيع العربي ) الذي بدأت محصلاتها الحقيقية تظهر على السطح والتي أبسطها التقسيم الجغرافي لهذه الدول الربيعية وفق العرق والدين والطائفة .. والتي لاأراها بعيدة عن التنفيذ الفعلي وقد أمسكت القوى (المتأسلمة) بمقادير السلطة في هذه الدول. والآن وبعد حوالي سنتين من بدء ( الربيع ) نرى مايلي : تونس : إضطرابات مستمرة .. إقتصاد يقوم على السياحة قد تحطم . على سبيل المثال فإن الخطوط الجوية التونسية قد خسرت وفق آخر إحصاء مبلغ 41 مليون يورو عام 2012 . ليبيا : لازالت الإضطرابات مستمرة . تردي الإقتصاد . النفط الليبي قد أصبح بيد الشركات الإحتكارية . مصر : لازالت الإضطرابات مستمرة . تصادمات طائفية بين المتشددين الإسلاميين والأقباط . تردي السياحة والتي تشكل موردا رئيسيا الى أدنى مستوياتها . اليمن : الإضطرابات والتصادمات والتأجيج الطائفي مستمر .. والسعودية قد أنجزت بناء جدار ضخم عازل على حدودها مع اليمن بآلاف الكيلومترات وبمليارات الدولارات . سوريا : ووضعها المأساوي لايخفى على أحد بعد سنتين من القتل والدمار . وبما أن سوريا لاتزال الورقة التي تلعب بها القوى الدولية والإقليمية لأكثر من عامين وسط إستغراب الكثيرين بسبب هذه الإطالة وعدم حسم الموضوع كما حدث في بعض الدول الربيعية الأخرى ، فإنني أنقل هنا تصريحين مهمين ، أحدهما للمدعو " دانيال بايبس " وهو كاتب ومعلق سياسي أميركي صهيوني . والآخر للمدعو " الكسندر أدلر " وهو مؤرخ وصحفي فرنسي يهودي . يقول دانيال بايبس في تحقيق صحفي : (( على الغرب التدخل في سوريا ولكن لمساندة نظام الأسد وموقفي هذا ليس لأني من المتعاطفين مع نظام الأسد أو من المعجبين به ، ولكنني أنظر الى نظام فظيع يقاتل " متمردين " أكثر فظاعة .. ومن الأفضل لنا أن يواصلوا الإقتتال بينهم فنحن لانريد منتصرا يقود سوريا ويصبح جاهزا لقتال جيرانها وحالنا الإستراتيجي سيكون أفضل إذا قتل بعضهم بعضا . وعندما نطالب بمساندة نظام الأسد ذلك لأننا نراه سوف يسقط وسنجد الإسلاميين ظافرين في دمشق . في سوريا إسلاميون سنّة يقاتلون إسلاميون شيعة " هكذا نصا يعبر عن الموقف هذا الصهيوني " . السنّة مدعومون من تركيا والشيعة من إيران .. دعوهم يواصلون ذلك ودعونا نساعدهم في مواصلة القتال (!!!) . لاتسمحوا بهزيمة الأسد وانصروه فهو الأفضل لنا ولمصالحنا الإستراتيجية . )) أما الصهيوني الآخر الكسندر أدلر فقد قال من خلال حوار متلفز مع المركز الملّي العلماني اليهودي في باريس : (( بالطبع إن حلفاءنا ضد هؤلاء السنّة هم الشيعة وحلفاؤنا هم الإيرانيين . ومن غير أن أذهب بعيدا وأصف الأسد بالحليف أقول أن عليه أن يصمد في سوريا فنحن لسنا هنا مع إنتصار على غرار ماجرى للقذافي ، كما أن سوريا ليست ليبيا وإذا ماوصل " المتمردين " فسنشهد مذبحة ضد العلويين الشيعة وضد المسيحيين (!!!) . الشعب الإيراني هو الأقرب للشعب اليهودي وإذا كان هناك بلد محصّن ضد العداء للسامية فهو إيران . أعتقد أن العدو الرئيسي هم المتشددون السنّة العرب . )) لقد كتبت موضوعي هذا وأوردت فيه الكثير من المعلومات والحقائق بشكل عام على شكل إستعراض للإحداث سابقا وحاليا دون تسليط الأضواء على شخوص أو مسميات وأترك للقارئ الكريم إستنباط مايراه من خلال سرد الموضوع فالتجارب والحقائق تعيش داخلنا بمرارتها سواء من عاشها فعلا أو من تابع أخبارها وتفاصيلها لاحقا . ولعل لساني حالي في هذا يقول ما قاله الشاعر العربي قديما : قومي هم قتلوا أُمَيمَ أخي ......... فإذا رميتُ يصيبُني سهمي lalhamdani@rocketmail.com