في مثل هذا اليوم 6 نيسان من عام 1973 اي قبل 40عاما امتدت يد الغدر الأمبريالي الصهيوني لتغتال مناضلا قوميا ومفكرا وحدويا يعتبر واحدا من المع المفكرين العرب وأشدهم عزما وتصميما وأقربهم الى الرؤى القومية في محاكاتها للواقع نضالا ومنطلقا وممارسة .انه باسل الكبيسي قوة الفكروصلابة الموقف والفعل البطولي الشجاع عنوانه المرؤءة والوفاء والصدق فالحياة عنده سمات كفاحية صادقة ونضال مستقر لاتحول بين استحقاقاته الظروف مهما بلغت تعقيداتها فالثبات على المبادئ تتطلب الصبرعلى الشدائد وتحمل المشاق والتعفف عن المغريات حتى صار باسل مثلا لكل المناضلين العرب ومشعلا من مشاعل النور على طريق الحرية والوحدة والبناء الأشتراكي لتحقيق آمال الأمة وخدمة قضاياها العادلة .ولد باسل في بغداد عام 1934في عائله عراقية معروفه بمواقفها الوطنية والقومية والده المرحوم رؤوف الكبيسي أحد رجال ثورة الشريف حسين عام 1916 وتقلد عدة مناصب مهمه في العراق (محافظ البصرة ومحافظ ذي قار ومدير ادراة شؤون الأوقاف العراقية ) وأعمامه الثمانية ( عبدالرزاق شيخ عشيرة البوحيدر في العراق وسوريا وعبداللطيف ومحمدعلي ومحمدنجيب وعبدالرحيم وعبدالكريم وعبدالله رئيس المجلس البلدي في ناحية كبيسة عام 1934 وعبد القهار) كانوا يمثلون القاعدة الأجتماعية لمدينة كبيسه وضواحيها والقاعدة الأقتصادية التي كونت خطوط التجارة بين العراق وسوريا والأردن والسعودية وتركيا قبل مئات السنين وامتلكت العائلة اموالا واراضي وأنعام لم يسبق ان امتلكها غيرهم في ذلك الوقت حتى صرح أحد الجنرالات الأنكليز في بداية القرن الماضي ان هذه العائلة تمتلك ما لا تملكه بريطانيا العظمى آنذاكقبل ان يقوم بسحب القوة التي جائت لتفتيش بيت العائلة عندما اتهموا بمقارعة القوات البريطانية المحتلة للعراق آنذاك .وسط اجواء الخيرالدائر في محيطه الأسري ولد باسل وبيده ملعقة من ذهب كما يقول المثل الشائع ومن مناهل العزة الوطنية والمواقف الشجاعة لعائلته استقى باسل شعوره الوطني والقومي والأنساني حتى صار مثلا يحتذى لجميع المناضلين العرب . تزوج باسل من السيدة نادرة الخضيري التي تحمل شهادة الدكتوراه بالأدب الأنكليزي وتنتمي الى عائلة الخضيري وهي من ارقى العوائل البغداديه . وعندما نستعرض صفحات التاريخ الأنساني نجد ان من يولد في اجواء الترف والعيش الرغيد غالبا ما يتجه الى المحافظة ورفض الفلسفات التي تدعو الى التغيير والتحرروالبناء الأشتراكي لكن باسل خالف هذه القاعدة واتجه الى حمل المبادئ التي تدعو الى تغيير الواقع القائم الى ما هو افضل من العدل والمساواةونشر المبادئ القومية التي أمن بهاوكافح من أجلها وناضل وقاتل من أجل فلسطين بأقتدرا لا مثيل له منذ صباه حتى لحظة استشهاده وقاد نضال الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في مواقع عديدة من العالم . بدا باسل حياته النضالية وهو في الصف الثاني الأبتدائي حيث شارك في اول مظاهرة وطنية لمناصرة ثورة رشيدعالي الكيلاني عام 1941 وكان فتا يافعا لا يتجاوز عمره اكثرمن 7سنوات . كان باسل احد مؤسسي حركة القوميين العرب عام 1951-1952 عندما التقى خلال دراسته بالجامعة الامريكية بالدكتور جورج حبش ولمع في الجامعة الأمريكية كناشط سياسي وكقائد طلابي مكنته قدراته الثقافية والقيادية من الأطلاع بدور سياسي مهم ليس في الجامعه فحسب بل في لبنان أجمع وسجن هنالك وفصل من الجامعه لنشاطه السياسي المتميز ونجح باسل في اكمال دراسته الجامعية بجامعة (آدامزستين كولدج اوف كولورادو) ثم عاد الى بغداد لتأسيس فرع لحركة القوميين العرب .وفي عام 1956شهدت بغداد مظاهرات صاخبة للوقوف بجانب مصر أثناء العدوان الثلاثيني وعندما فتحت الحكومة العراقية الحوار مع المتظاهرين طلبت من يمثلهم لمناقشة مطالب المتظاهرين مع المرحوم (سعيد قزاز وزير الداخلية آنذاك ) فوقع الأختيارعلى باسل ليمثل المتظاهرين رغم ان الساحة العراقية آنذاك تعج برجالات لهم شأن كبير في السياسة العراقية ونشاطاتها .في عام 1963اسس باسل جريدة الوحدة الناطقة بأسم حركة القوميين العرب. حصل باسل الكبيسي على شهادة الماجستيرمن جامعة(هوارد واشنطن) عام 1966وقاد نشاط التنظيم الطلابي العربي في عموم اوربا وكانت آراءه منفتحة على جميع الطلبة بمختلف انتماءاتهم الفكرية والسياسية بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية فهو يرى ان من ضرورات النضال اشاعة ثقافة الحوار والبحث عن المشتركات الوطنية ووحدة الكلمة والموقف لجميع الوطنيين الأحرارالذين يحملون هموم الأمة وقضاياها المصيرية وطنيين او قوميين او اسلاميين المهم عنده الأيمان بالقيم والألتزام بأستحقاقاتها لذا نال باسل رضى وود وتعاون الجميع كما كان هو في تعاون وتنسيق مستمرمعهم ونستطيع ان نتلمس ذلك من أحاديث وكتابات كل من عرف وعمل وناضل مع باسل فهو الصورة المشرقة للعمل السياسي. نال باسل شهادة الدكتوراه عن حركة القوميين العرب وعندما قدم اطروحته لأستاذه المشرف طلب منه استاذه تغيير قناعاته حول حركة القوميين العرب والا فأن المشرف على الرسالة سوف يتخذ موقفا سلبيا اتجاهه اثناء مناقشة الرسالة فماذا سيكون مصير الرسالة ومعدها . لكن باسل المعروف بقوته وصلابته وثباته على القيم والمبادئ لا يضعف مواقفه شيء ولا يشوه ايمانه أحد حتى لوكان استاذه المشرف على رسالته فتخطى باسل العقبة ونجح في مناقشة اطروحته ووصلت رسالة من الولايات المتحدة الأمريكية جاء فيها (أهنئكم يا أهل العراق بنجاح باسل الكبيسي ). يعتبر باسل الكبيسي في نظر كثير من المختصين خير من كتب عن حركة القوميين العرب وأفضل من قاد نضالاتها وهو احد قادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ومناضلا جسورا فيها نذر نفسه للأمة العربية ولفلسطين تاركا خلفه الوطن والأهل والعائلة والأحبة حتى واني ابن عمه لم التقي به سوى مرة واحدة في حياتي عندما جاء لزيارتنا في مدينة كبيسه الواقعة غرب العراق موطن آباءه وأجداده بمناسبة زواج احد ابناء عمومتنا في ستينات القرن الماضي وأتذكر كان يرافقه عدد من رفاقه وأصدقائه اذكرمنهم السيد نايف حواتمه الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين .في 6نيسان من عام 1973 اطلق اثنان من عملاء الموساد الصهيوني الرصاص على الشهيد باسل الكبيسي وهو في مهمة خاصة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عندما كان عائدا الى فندقه في العاصمة الفرنسية باريس ونعته كافة الصحف والأذاعات العربية والأحنبية وكتبت عنه كتب تاريخ العراق بأنه (انهى حياته مناضلا في صفوف المقاومة الفلسطينية ) وكتبت عنه الموسوعه السياسية الدولية بأنه (كان مفكرا ومناضلا قوميا) شيع باسل تشييعا رسميا في بغداد من داره في حي المستنصرية في بغداد الى مثواه الأخير في مقبرة الشيخ معروف شاركت في تشييعه كافة القيادات الحزبية في العراق وممثلي كافة الفصائل الفلسطينية وكبار المسؤولين في الدولة العراقية . لم يفكرباسل بمنصب اوجاه وقد عرضت عليه عدة مناصب وزارية في العراق لكنه رفضها لأنه كان يبحث عماهو اسمى وأجل كان يبحث عن الرفعة والسمووالخلود الأبدي فنال ذلك بالشهاده وهي أسمى حالة للمناضل الجسور وأقربها الى طموحاته .لقد كان باسل في نضاله يمثل روح الأمة التي لا تموت والذكرى التى تختزن كل القيم والأماني والعطاء الثر وعندما نستذكردوره ونضاله وشهادته فأننا نخدم تاريخ ونضال ابناء الأمة من خلال تقديرنا واحترامنا لتجسيدهم الحي للفهم الصحيح لما يجب ان يكون عليه الفكرالقومي والعمل القومي والنضال القومي فكثيرا ما نسمع اليوم عن فشل المشروع القومي وهذا قول مجافي للحقيقة فالقومية باقية مادامت حياتنا والفكرة القومية ومنطلقاتها كانت ولا تزال اساس نهوض الأمة وانتعاش ركائز الصراع ضد اعدائها لكن الخلل يكمن فينا افرادا واحزاب فنحن الذين حملنا النظرية القومية ولم نجسد حقيقتهاولم نكن مخلصين لها فتحولت دبابات افكارنا الى هوامش وطروحاتنا الى اقوال فأنتكست مشاريعنا وضاقت آمالنا وأحكم الاعداء قبضتهم حول اعناقنا وليس امامنا الا العودة الى الاصول والمرتكزات والاسس التي بدأ بها مناضلوا الأمة مشوارهم الكفاحي لتعود آمال الأمة الى بريقها المعهود . أخيرا استشهد باسل وله ثلاث اولاد احمد وياسرويعرب استشهد الثلاث ووالدتهم عام 1974بعد عام من استشهاد والدهم في حادث تحطم طائرة ركاب أرجنتينية فوق الأراضي السورية وكانت خسارتهم لا تعوض وهذه مشيئة الله لكن ذكرى باسل ستبقى مثلا أعلى للحياة والنضال والخلود الأبدي وستبقى العروبة قدرنا والقومية شعارنا والوحدة والتحرر هدفنا الأسمى. اللهم ارحم شهداء امتنا واجعلنا ذاكرين لهم ومستذكرين جهدهم وجهادهم على مر السنين.