على النقيض من حقائق المقاومة والجهاد والفداء، كان هناك الفقه الآخر الذي يحمل مفاهيم ومدركات سلبية للحاضر والمستقبل، إذا ماجرى تبنيها أو التسليم بها، فمصطلح: "الشرق الاوسط" مثلا أصبح أكثر تداولا الآن من مدرك "الامة العربية"، وتم إحلال "المصالح الطائفية والمذهبية" بدلا من "الوحدة الوطنية"، وجعلوا من ألفاظ؛ ("الطوائف والاطياف والالوان، المكونات)" وسيلة لتمزيق وحدة المجتمع، وجرح المواطنة، وذريعة لترويج دعاوى الفيدرالية والاقاليم والحكم الذاتي، والدولة الاتحادية، وإتخذ صانعو خرافة التحرير الامريكية، خطوة غير مسبوقة في تاريخنا العربي عندما بدأوا عملية تشريح فظة لخلايا المجتمع وتجزئة مكوناته إلى أشلاء وشظايا، عبر سلسلة من المغالطات اللا أخلاقية، وعلى الخط التحريفي ذاته؛ تحول غزو العراق وتهشيم عظامه وبعثرة وحدته إلى "تحرير"، وأصبح الاستحواذ على بيوت ومقتنيات المواطنين وسرقة أموال الدولة غنائم حرب، والتصرف اللامسؤول بموارد البلاد النفطية عودة للحقوق الضائعة ؟!! هكذا تحرف ماهية المفاهيم النظرية بسلوكيات وضيعة، إبتدعتها قوى الزمن اللاوطني التي لم تعد ترى في التعامل مع العدو ، وخدمة مشروعه والقتال في صفوفه، ما يجرح الكبرياء أو يخدش الحياء، وهكذا تقلب الحقائق، فيتوالى التحريف وبتواصل التزييف، لفرض ثقافة المخادعة والاستسلام وتقبيل أحذية الغزاة، ثقافة أمركة الوطن، التي تحكم بالموت على مناهضي الاحتلال ولعل إعدام العشرات من في شهري مارس وابريل 2013 مثالا لايحتاج إلى برهان أو دليل ، كل جريمة هؤلاء الشهداء كانت مقاومة العدو والدفاع عن الوطن، والتصدي لمشروعه الاستعماري . والشيئ نفسه ينطبق على دستور 2005 الذي أضفى الصفة القانونية على التجزئة والتقسيم ، وماأقحم في نصوصه من اباطيل مذهبية ودعاوى فاشية، وهي تجري توصيفا لإجتثاث المعارضة، وتبارك تمزيق العراق وتحويل كيانه الواحد الى إقطاعيات حزبية لاهوتية وعرقية، لتصبح كما الاشلاء متناثرة في كل إتجاه، فيما تلجأ المنابر الثيوقراطية وأحزابها إلى تأويلات مضللة، فـ(التعددية) في فقه الاحزاب الدينية تعني محاصصة عرقية ودينية ومذهبية، ويجري تفسير الديمقراطية على النحو المخادع ذاته، من خلال الدعوة الى تفتيت وحدة البلاد، وإشاعة ثقافة التفكيك وقطع الارحام، بإقامة جدران العزل الاثني واللاهوتي بين أبناء الحي الواحد والمدينة الواحدة، وفي الوقت نفسه ، يواصل الصف الطويل من مسؤولي ووزراء "حكومات الإحتلال الخمس"، ودعاة النموذج الديمقراطي أعضاء مؤتمرات العدوان في واشنطن ولندن وطهران، ومعهم اللاهوتيون الجهلة رواد المحاصصة، تواصل هذه المجاميع إثارة الكراهية البغضاء، وإيغار الصدور بالحقد الاعمى، لتمزيق وحدة العائلة العراقية، وقطع أرحامها، بالفتاوى العقيمة المضللة التي تحث على المباعدة بين الاخ وأخيه، وإبطال العقد بين الزوج وزوجته، وإنهاء حسن الجوار، كل ذلك جرى ويجري تحت عباءة التحريفية الدينية والاخلاقية، تأمينا لمواقع الجهلة من اللصوص والمفسدين، لذلك تتآزر هذه المجاميع فيما بينها بكل أحزابها ودجاليها ومليشياتها، لبعثرة العراق وتقطيع أوصاله، فيما كانت حكومات الاحتلال بالتضامن مع البرلمان الصنيع، الإصرار على تشريع قوانين تفكيك العراق. بحيث يكون لكل مدينة هويتها المذهبية و العرقية، يليه التآكل الجغرافي، بإسم الفيدرالية، فيصبح لكل محافظة حكومة مستقلة، ولكل حزب من أحزاب الإحتلال الحق في رفع العلم الذي يشاء، وبأي رمز، ولون يريد. وتمتد حملات التضليل إلى بورصة الإنتخابات النيابية التي أجريت تحت حراب الاحتلال الامريكي وكان آخرها عام 2010، ولم يكن للموطن فيها لا ناقة ولاجمل، فقد أقيمت إحتفاليات الدعاية على أساس مبتذل ومضلل؛ هو إقتسام الغنائم، وتوزيع المناصب الوزارية والرئاسية وفق المصلحة الذاتية لهذا المرشح أو ذاك، في ضوء المحاصصات الحزبية الإثنية والمذهبية، وقد أوجب فقهاء ومراجع السلاطين على الجمهور الإدلاء بأصواتهم لصالح "القائمة المقدسة"، لهذا الحزب دون غيره، وأبلغ الناس البسطاء بأن من يتخلف عن هذه الفريضة الواجبة، أو يتقاعس عن الإدلاء بصوته، أو يمنح صوته لطرف آخر، يكون مرتدا عن دينه، فتحرم عليه زوجته، لخروجه على تعاليم رجال الدين العظام؟!! هذا وجه واحد فقط من وجوه مصطلح "العراق الجديد" الذي يتردد على لسان مسؤولي السلطات المتعاقبة في الحكم، والذي يحمل الكثير من الإشكاليات، فالعراق لم يأت أو يوجد بقرار من الولايات المتحدة، ولا هو ضيعة للمحتلين، ومع مفهوم العراق الجديد الذي تعمل أحزاب الإحتلال على غرسه في ذهن العراقيين تظهر مفاهيم اخرى مثل: العراق الديمقراطي الفيدرالي الاتحادي، عراق المكونات الاثنيات والاديان والمذاهب، عراق الموزائيك.. ليسمح لمن هب ودب أن يعلن استقلاله ويرفع علما خاصا به فوق اقطاعيته الحزبية، تحت عناوين؛ الحرية، الشفافية، الديمقراطية، وبشعارات المدرسة الامريكية، التي يدعو أنصارها إلى الانسلاخ عن البلد الام تحت دعوى اللامركزية!. ومثل هذه المرامي الانفصالية، لا وزن لها في حرب الشعب ومعارك التحرير ولن يكون مصيرها إلا الخسران المبين، عندما تكون المعركة بين المقاومين والقتلة، بين الوطن وأعدائه، من المرتزقة والمزورين واللصوص وقطاع الطرق وفرق الموت، لأنها معركة الدفاع عن الحقيقة وعن القيم العراقية الاصيلة؛ "الشهامة، السخاء، النخوة، المحبة"، وهي أيضا جهاد عراقي صادق ضد صناع جدران العزل، الذين عمدوا إلى إقامة فواصل بين أصابع الكف الواحدة، بين الرصافة والكرخ وبين الاعظمية والكاظمية، الجنوب والشمال، شرقي الوطن وغربه.