وصل يوم أمس الثلاثاء الموافق 2-4-2013 رجل الدين ووزير الأمن في بلاده الشيخ حيدر مصلحي قادماً من طهران إلى بغداد؛ ليعقد إتفاقيات أمنية تبين مدى تبعية حكومة نوري المالكي لأسيادة وصانعيه. فالإتفاقية لا تنص على تبادل الخبرات والقدرات الأمنية، أو الإشتراك في تطوير صناعة الأجهزة التجسسية الدقيقة. وإنما تقتصر على بعض من البنود التالية : أ- تبادل المعلومات الأمنية.ب- دورات تدريبية إيرانية للشرطة وعناصر الأمن العراقية. ت- توريد إيران للعراق أسلحة ومعدات خفيفة، منها قنابل مسيلة للدموع، وأنواع من العصي الكهربائية. ومما صرح به مصلحي أن الهدف من زيارته هو للتباحث مع "أعزائنا العراقيين" والتوصل إلى نتائج تخص أمن الدولتين والمنطقة. وأشار إلى التظاهرات والإعتصامات الجارية في عدة محافظات عراقية، بأن تكون بعيدة عن التدخلات الخارجة. وعلى خطى الترسيخ المحاصصي للطائفية السياسية، نص مصلحي على أن تعاون الأطياف العراقية من "الشيعة والسنة والأكراد" بأنه مهم للغاية في حل أزمات العراق الداخلية. يبدو أن العمامة الأمنية التي يلفها مصلحي حول جمجمته تحلل له التدخل الإجرامي الإيراني السافر منذ عشر سنوات. وتحرم دون ذاك. رغم أن جميع شعارات وهتافات المتظاهرين والمعتصمين تؤكد أن لا تدخل خارجي فيها، وأن وحدة العراق أرضاً وشعباً أمراً مقدساً. إلا أن السلوكية الصفوية البغيضة هي هكذا، تحرف حتى الدين، فما بالك عن أقوال البشر. والأنكى من هذا وذاك، أن هذه الإتفاقية الأمنية المزعومة بين الدولتين، هي مدخل رسمي تمنحه حكومة الاحتلال الخامسة التي يرأسها الطائفي نوري المالكي، للتدخل الإيراني في الشأن العراقي الداخلي. ألم يقل سابقاً أكثر من مسؤول إيراني نحن مستعدون لفض التظاهرات والإعتصامات إن طلبت منا حكومة بغداد. وإلا ما معنى توريد السلاح الخفيف وتدريب الشرطة العراقية وعناصرها الأمنية داخل الدوائر الإيرانية. ولماذا إستخدام المعدات من العصي الكهربائية والقنابل المسيلة للدموع.؟ إن لم تكن لضرب المدنيين المسالمين في تظاهراتهم وإعتصاماتهم بطريقة وحشية دموية. كما فعلتها حكومة الملالي المسخ بحق المحتجين من الإيرانيين تجاه نتائج الإنتخابات لعام 2009. لقد إجتمع المالكي مع مصلحي، وفي نفس الوقت وداخل نفس المنطقة "الكرادة"، هجم نحو خمسين مسلحاً بالسكاكين والهراوات وأنابيب الحديد على أربعة صحف عراقية هي: الدستور، المستقبل العراقي، البينة الجديدة، الناس. وجرحت فيها البعض، وضربت البعض الآخر. وتم إحراق سيارة تابعة لصحيفة المستقبل العراقي. كل ذلك جرى في وضح النهار، وعلى الضفة الأخرى من إجتماع المالكي. ولكن لم تنقل لنا أية من وسائل الإعلام خبر ما عن إعتقال أو محاسبة أي من المهاجمين. بل مجرد تسريبات لإتهامات نسبوها إلى جماعة المرجع الديني الصرخي. معنى هذا، إن الإتفاق الأمني المبرم بين المالكي ومصلحي لا يتعلق بنزاعات وإختلافات البيت الواحد، البيت الطائفي الذي شيدوه ويحافظون على أُسسه الباطلة داخل بنية المجتمع العراقي. بل أنه إتفاق أمني مرصود ومخصوص ضد مكون معين من الشعب العراقي. لكي تستمر آلة طائفيتهم المقيتة والسلبية في تمزيق النسيج الإجتماعي، وتشويه التعايش التاريخي لقبائل وعشائر العراق العربية التي لم تألفه في ماضيها. وكذلك لم يألفه فئات المجتمع الواحد الذي يصل نسبة تداخل التزاوج بين أبناء المذهبين السني والشيعي لأكثر من خمسة وعشرين بالمئة. هذا إن لم نتطرق إلى كلمة مصلحي عن أهمية هذه الإتفاقية الأمنية على مستوى المنطقة. فالمشروع الصفوي الإيراني أخذ بالإنحسار. إذ بعد فشل محالة الإنقلاب بمملكة البحرين، وتقلص الحوثيين باليمن، وقرب نهاية النظام الدموي السوري، والمحافظات الثائرة في العراق. فإن إيران بالقدر الذي تريد الإلتفاف عبر حكومة الأخوان المسلمين بمصر أن تجد لنفسها فضاءً عربياً آخراً تنفذ منه، فإنها تسارع الآن أكثر بفرض قبضتها على العراق لكي لتحافظ على إستمرارية مشروعها. إلا أن مشروعها الطائفي أمام التحديات الجارية آيل للسقوط حتماً. أنها حتمية الحراك التاريخي للشعوب الحية الأصيلة التي لها القدرة الإرادية على التحدي والإستجابة تجاه المخاطر التي تعصف بوجودها المصيري.