"العرب شعب لا يقرأ، واذا قرأ لا يفهم، واذا فهم لا يطبق" - وزير الدفاع الاسرائيلي موشي ديان. قبل إنشاء الدولة الصهيونية بعدة أعوام قال بن غوريون: "إن عقب أخيل ( أي نقطة الضعف ) في الائتلاف العربي هى سيادة المسلمين في لبنان فهى سيادة زائفة، يمكن بسهولة قهرها.. وبدلاً من ذلك ستقوم دولة مسيحية تكون حدودها الجنوبية على نهر الليطاني، وستكون الدولة الصهيونية على استعداد لتوقيع معاهدة مع هذه الدولة..وبعد أن نكسر الفيلق العربي ونضرب عمان بالقنابل سوف يكون بإمكاننا إزالة دولة الأردن وبعد ذلك سوف تسقط سوريا وإذا اجترأت مصر على محاربتنا فسوف نقصف بورسعيد والإسكندرية والقاهرة وهكذا ننهي الحرب ونقضي قضاء مبرماً على مصر وآشور بالنيابة عن أسلافنا". أليس غريبا وعجيبا ان نرى اليوم مفكرين كبار يتحدثون عن مخططات قديمة جدا لتقسيم وتفتيت كل دول المنطقة من الباكستان مرورا بالعراق وسوريا وفلسطين والسعودية ودول المغرب العربي الى الدرجة التي تجعل المرء يفكر وكأنه أمام فيلم هوليودي قديم لم يتسنى لنا مشاهدته بسبب إنشغالنا بمشاكل صغيرة أفقدتنا الرؤية الثاقبة وسلبتنا البصيرة ونحن نقرأ عن خطط وضعت في في الأربعينات وجرى البدء بتطبيقها مطلع الثمانينات واليوم ننتظر وبعد أكثر من ثلاثين عام على ذلك التأريخ لنشاهد كيف تتواتر الأحداث وكأنها أشجار خبيثة تتجه لعنان السماء بعد كل تلك السنين والصبر والمطاولة في الزراعة والسقاية والرعاية!. ماهي تفاصيل هذا المشاريع وأين نحن من مراحلها اليوم؟ قبل أن نتناول بالتفصيل هذه المشاريع علينا أن نفهم بدقة المصطلحات التالية التي تمثل وسائل تحقيق الأهداف التي أستخدمت لإشاعة أهمية التقسيم والتفتيت لدول المنطقة لنتأكد كم نحن بعيدين عن تخطيط الأعداء ولا نقرا ولا نحلل ولا نتعض : لنفهم أولا معنى العولمة. ثم لنفهم معنى الفوضى الخلاقة. ثم معنى الشرق الأوسط الجديد. ثم معنى الشرق الاوسط الكبير. ثم نبدأ لنلمس بوضوح خيبة مفكرينا وقياداتنا. الفوضى الخلاقة الظاهر أن ( كل الطرق تؤدي الى ميكافيلي !). قبل ان يتوفى ميكافيللي في عام 1527م أصبح بحق عميد المدرسة النفعية لإستثمار السياسة والتي تُعرّف السياسة بأنها: " فن الخداع والغش " أو بتعبير أكثر دقة بأنها "فن الخساسة" !حيث يعتبرها وسيلة للإثراء والسلطة التي تتحالف مع أي وسائل مخادعة أخرى لتحقيق الأهداف النفعية لذات الحاكم. ميكافيللي الذي أخذ من جمهورية أفلاطون ومباديء سقراط وأرسطو وكل الفيثاغوريين والذي نجح في إختيار المباديء التي تصلح لكل عصر وأوان، والذي أحسن صياغتها في قوالب لغوية سهلة وميسورة، هو الذي جعله رائد لفن الحكم وعراب " المنفعة في السياسة".. ولعل الذي يهمنا اليوم من نظرياته قوله: " الشجاعة تُنتج السلم، والسلم يُنتج الراحة ، والراحة يتبعها فوضى، والفوضى تؤدي إلى الخراب، ومن الفوضى ينشأ النظام، والنظام يقود إلى الشجاعة". وقوله: "الدين خير وسيلة لتعويد الناس المفطورين على الشر للخضوع للقانون لذلك سيكون من واجب الحاكم أن ينشر الدين ويظهر بمظهر الورع وهذا أفضل من أن يتصف بالأخلاق الحميدة ومن الخير للحاكم أن يتظاهر بالرحمة والتدين وحفظ الوعد والإخلاص ولكن عليه أن يكون مستعدا للاتصاف بعكسها " تماما كما فعل أرسطو عندما نصح أهل أثينا قائلا لهم : " لابد أن تكونوا متدينيين لأن في بلادكم معابد كثيرة !" وهذه المقولة تصلح أن تكون هي أساس إستخدام الدين أيضا إستخداما نفعيا، فقد إهتدى أرسطو بفعل قراءاته إلى أن المنفعة الإقتصادية والتجارية تقتضي التمسك بالدين!. وهكذا أبدع ميكافيلي فيما نادى به أرسطو وتحكم بمكوناته لينتج لنا مباديء الفوضى الخلاقة وإستغلال الدين في الحكم!.. الفوضى الخلاقة اليوم أصبحت مصطلح سياسي / عقائدي يقصد به تكوين حالة سياسية أو إنسانية مريحة بعد مرحلة إحداث فوضى متعمدة الأحداث. وهذا المصطلح موجود أيضا في أدبيات الماسونية القديمة حيث ورد ذكره في أكثر من مرجع وأشار إليه الباحث والكاتب الأمريكي دان براون وهو مؤلف أمريكي لقصص الخيال والإثارة الممزوجة بطابع علمي وفلسفي حديث بأسلوب مشوق مكنه من تحقيق أفضل مبيعات، رواياته حققت رواجا كبيرا بين الأجيال الشابة في أمريكا وأوروبا خاصة روايته الأخيرة شيفرة دافينشي The Da Vinci Code التي نشرت عام 2003، وتم تصويرها كفيلم سينمائي. ظهر هذا المصطلح في تأريخنا الحديث سنة 1942 حينما أصدر عالم الاقتصاد النمساوي جوزيف شامبيتر (1883-1950) كتابه الشهير عن "الرأسمالية والاشتراكية والديموقراطية" مضمنا إياه تصوره لآليات إشتغال النظام الرأسمالي. وعلى الرغم من تضارب الرؤى حول جهة تصنيف الكتاب وهل هو (علم اقتصاد أم علم اجتماع أم علم سياسة أم فلسفة أم كل ذلك !) وتعذر تصنيف صاحبه بهذه الجهة أو تلك (ليبيرالي أم ماركسي أم بعضا منهما معا)، فإن شهرة الكتاب وصاحبه إنما وجدت لهما من أطروحة مركزية تعرف بإسم (أطروحة "التدمير الخلاق") تبدو لنا أنها فسّرت بعد أكثر من ستين عاما ما كان يهدف اليه الكتاب أو ما يفكر به صاحبه. يقول شامبيتر متحدثا عن الرأسمالية: " ليس القديم بالرأسمالية هو الذي يفرز الجديد بل إن إزاحته التامة هي التي تقوم بذلك... والذي يتمترس وراء الإزاحة إياها إنما هو المقاول المبدع الذي يتجه خلف السلعة الجديدة والمزج الإنتاجي الجديد والسوق الجديد ومصادر الطاقة الجديدة...هو نظام تقدمي بالتأكيد حتى وإن بدا ظاهريا غير مرغوب فيه". ويتابع موضحا: "إن المنافسة الهدامة...هي أيضا تدمير هدام يساهم في خلق ثورة داخل البنية الاقتصادية عبر التقويض المستمر للعناصر الشائخة والخلق المستمر للعناصر الجديدة". وهنا يمكن الإستنتاج بشكل واضح ولايقبل الجدل بأن ما "إبتدعته" الإدارة الأمريكية (في إطار ما أضحى يسمى بمصطلح"الفوضى البناءة" أو "الخلاقة") إنما هو إحياء وإعتماد لطروحات شمبيتر من قبل مراكز الدراسات الاستراتيجية التي أعادت تداول مفاهيم هذه الأفكار وإعادة صياغتها لتتناسب مع الظرف الحالي لتبدو عقيدة إستراتيجية يُسترشد بها في علاقة الولايات المتحدة بالوطن العربي منذ بداية هذا القرن. وكانت أوائل مراحل تطبيق هذه النظرية بقيام الولايات المتحدة بالتخطيط إعلاميا ومخابراتيا والمباشرة بغزو وتدمير العراق بالكامل حيث جعلته بلد مقسم الى مكونات وطوائف ومذاهب وأحزاب تتقاتل وتتناحر جزئيا أو توشك على التناحر الشامل وإعتبرت أن الذي يجري في العراق هو بمثابة " فوضى خلاقة" سرعان ما سينتج ديمقراطية وتعددية ونهضة وتقدم على ركام هذه الفوضى. وبإسم ذات المصطلح غذّت أمريكا الأطياف والتيارات اللبنانية بعد عملية إغتيال رفيق الحريري فإبتدعت لجنة تحقيق إستصدرت انسحابا فوريا للجيش السوري من لبنان وأججت بموجبها النعرات بين السوريين واللبنانيين وخلقت حالة من الإستعداء الداخلي في لبنان أضحى الحليف نتيجته عدوا والعدو حليفا وبلغت درجة الفوضى حدا مثيرا للدهشة! وبموجب نفس المصطلح فرضت أمريكا على المنطقة العربية هذه العقيدة فأثارت حساسيات السودانيين على بعضهم البعض (باسم حق تقرير مصير " شعب دارفور") والمصريين ضد المصريين (تحت مسوغة "إضطهاد المسلمين للأقباط") وإستنفرت العصبيات العرقية بشمال سوريا كما المذهبية بالبحرين والدينية في تونس وليبيا وأججت صراع القبائل في اليمن وفتحت المجال شاسعا للمنظمات المعارضة تمويلا وتأييدا بغرض زعزعة هذا البلد أو ذاك. ووفق نفس النهج ضيقت أمريكا الحصار على إيران بالوكالة الدولية للطاقة الذرية وأذكت نار الفتنة بينها وبين جيرانها وخاصة العراق وسمحت لها بالتغلغل في كل مفاصل الحياة العراقية لتأجيج حالات الرفض وخلق الصراعات. وهكذا وبموجب الإيمان بهذه النظرية ستجد الولايات المتحدة أنها سوف لا تقتصر على تسويغ "إيجابية الإحتلال العسكري" للبلد بل وتريد إبرازه كما لو أنه "الممر الطبيعي والضروري" لبناء الدولة (عبر التعددية) والاقتصاد عبر التدمير وإعادة "البناءالإيجابي"... تماما كما يعمد مقال شامبيتر إلى ذلك. ولتحقيق ذلك فإن هذه النظرية لاتؤمن بالحدود الجغرافية للبلد المعني أو المنطقة!.. بل تعتبرها من رواسب مرحلة لم تعد تناسب الوقت الحاضر وطروحاتها التي تؤمن الولايات المتحدة بأن نشره لايمكن أن يتم إلا بقوة النار والحديد إن تعذر عليها ذلك بفعل الابتزاز الدبلوماسي أو بركوب موجة الحصار أو باستنفار "حقوق الأقليات والطوائف والأعراق" وما سواها. ويؤمن المنفذين لهذه النظرية بإعتماد "مبدأ الحروب الاستباقية" وحماية الحلفاء (حتى بإستبدادهم وربما التخلي عنهم في وسط المعركة) والدفاع عن الأهداف الإستراتيجية بمسوغ أخلاقي " شرعي" (بتسييس وإستخدام المنظمات الدولية كمجلس الأمن مثلا) أو دونما مسوغ في ذلك إذا دعت الحاجة كما في الحالة العراقية حيث تم غزو العراق وإحتلاله وتدميره وقبل ذلك ضرب أفغانستان وإحتلالها أيضا. وكان شعار " الحرب على الإرهاب" هو الجزرة والهراوة عدا كونه العذر الذي لايستوجب ضرورة إصطفاف الدول الكبرى خلف الولايات المتحدة ومجاراتها في تنفيذ عمليات هذه الحرب.. وهكذا إستطاعت الولايات المتحدة فرض إرادتها الفائقة في زرع الفوضى وإستنبات أدوات الفتن والحروب بشكل مباشر بعد أن كانت في السابق تعتمد أساليب غير مباشرة وتستخدم عناصر تقاتل عنها بالنيابة . لقد لاقت هذه النظرية ومكوناتها الأيديولوجية ممانعة ومجابهة شديدة أنتجت تطرفا ذو أشكال متعددة سياسيا كما حدث في أمريكا الجنوبية وفكريا كما يحدث في أمكنة التوتر التي خلقتها. عدا قيام الإدارة الأمريكية بإختيار قيادات ونظم مطيعة لها والذي خلق أجواء من الاحتقان السياسي والاجتماعي في العديد من البلدان والذي أفرز حركات متطرفة مناهضة لها محاربة لها ومصممة على إلحاق الأذى بمواطنيها كما بمصالحها عبر العالم مما أرسى دعائم الجد في نقض مبررات ونتائج هذه النظرية وشيوع بطلانها بعد ثبوت القصر الكبير في النظر وفقدان البصيرة في عالم تتغير فيه المعطيات بسرعة لا تتناسب معها جمود التحاليل والنظريات البالية. ومن بين اهم مباديء وأسلحة نظرية الفوضى الخلاقة هي: - تكريس أهداف مخططي الفوضى الخلاقة بجعل الأماني التعويضية والأحلام الوردية التي يزرعونها بحيث تكون محور تفكير وأحلام المظلومين والمضطهدين من قطاعات الشعب في البد المختار وجعل هؤلاء الناس غير القادرين على التغيير لعقود ولربما لمئات السنين فيحلمون بمستقبل كبير وعظيم وكأنهم قد صنعوا الجنه بمجرد أنهم أسقطوا نظام الحكم المُستهدف من قبل المخططين!. - نشر اليأس بفن إتعاب الناس بعد الإنتصار المرسوم وما يصاحبه من تطلعات وأماني للناس وهم يحملون أحلامهم الكبيرة وأمانيهم العريضة بعد أن قدّموا تضحيات كبيرة في سعيهم للحرية ومشاركاتهم في إنتفاضات شعبية حقيقة حيث رسموا في مخيلتهم أهدافا كبيرة وضعوها مجتمعة في هدف إسقاط النظام المعني في البلد المُختار!. - تحويل النصر المزعوم أو الإنتفاضة الشعبية الى فوضى عارمة.عندما يفشل قادة الإنتفاضة في تحقيق الامال وتصبح محض تغيير أشخاص ينجح مخططوا الفوضى الخلاقة عندما تتحول الإنتفاضة الى عملية تبديل وجوه كما حصل في تونس ومصر حيث تتم إشاعة اليأس الذي يقوده متخصصون في فن إتعاب الناس وإستنزافهم نفسيا والذي يمثل أحد أهم وسائل المخابرات الأجنبية من أجل تحويل الانتفاضة الى فوضى شاملة يسودها التيه والعجز، بعد غياب الصبر والتحكم وروح المطاولة والإستعداد للتضحية بلا حدود من أجل الوصول الى أفضل وأوضح صورة للبديل المنتظر الضامن للنصر الحقيقي وإكمال مشوار الثورة .. - إختيار الفعل الخارجي المناسب عندما لاتكون الثورة حدثا شعبيا تلقائيا.حيث يكون وضع الفوضى الناتج مناخ ملائم لها للتحكم بالأحداث والسيطرة عليها ورسم سياساتها المستقبلية وشكل الحكم الجديد. - إستخدام ماكنة الإعلام الضخمة وبتداخل عمل المخابرات معها والذي يعتبر أهم من الفعل العسكري ضد الهدف اثناء عملية خلق هذه الفوضى ووفق خطة محكمة تهدف الى تجريد الأطراف المستهدفة من القدرة على إيضاح رأيها في بحر متلاطم من الاكاذيب الذكية والغبية أيضا والقصص المفتعلة وخلط الحقائق المتيسرة بهذه الأكاذيب حولها التي تهدف الى إقناع الناس أو قسم كبير منهم وبالعزل والتعتيم والتضليل تجعل الضحية مشيطنة ومكروهة من قطاعات كبيرة فيصبح الرأي العام ضد هذه الضحية المُختارة ومع الهجوم عليها وإثارة القلق واضعاف المعنويات مما يسهل تمرير أي مخطط مغلف بالعسل!.. - الإعتماد على الكذب بغض النظر عن النتائج. من أهم عوامل هذه الخطة هي الكذب وإن لم تستطيع إثباته لاحقا..وحتى إن ثبت بطلانه لاحقا فلا ضير في ذلك!..المهم أن تحقق الهدف وإن كان مرحليا!.. ولعل الذي حدث في العراق مثال نموذجي لهذه الخطة الإعلامية والمخابراتبة التي إعتمدت إضافة الى ماذكر آنفا لخطة إعلامية وإستخبارية محكمة للتهيئة لغزو العراق وتصويره (بالتحرير) بالبدء بإطلاق الأكاذيب الإعلامية وشيطنة النظام وتشويه كل من يدافع عنه وخاصة لإمتلاكه لأسلحة الدمار الشامل ولا بأس أن يفاجأ العالم بعد ذلك بعدم صحة الإدعاء وكأنها لم تكن سببا للغزو!.. - مرونة الوسائل.. فمرة يستخدم الشعب والإنتفاضة الشبابية لشيطنة النظام المُستهدف..ومرة أخرى يتم خلق غوغاء لا رابط بين مكوناتها سوى السرقة وتدمير الدولة أو بخلق حرب بين الطوائف أو المناطق أو الأديان.. ومرة أخرى بالغزو العسكري المباشر وإستخدام القوة المفرطة وغيرها. - إستخدام الزمن إستخداما حاسما ( في وقت لاقيمة لنا للزمن) ليكون عامل قاصم في تنفيذ هذه الخطة واذا كشفت الحقائق بعد إنتهاء عملية ( الغوغاء او الحرب الداخلية او الإنتفاضة أو الغزو العسكري والتدمير بالقوة) بإسقاط النظام المُستهدف خلال زمن قصير فإن ما كشف لن تكون له قيمة لأن الهدف تحقق وأوجد أمر واقع جديد. - إستخدام وسائل مختلفة جديدة وحتى أحيانا غريبة عند التعامل مع نظام وطني قدم للشعب إنجازات كثيرة ويخلو من الفساد المنظم وشل قدرته المفروضة على إحباطها، لكن نظاما عميلا وفاسدا ومعزولا فيما إذا أُستُهدف فانه يتعرض للسقوط بفضل عدم وجود من يدافع عنه بقناعة وبوسائل أخرى معروفة. - دور الإعلام الموجه بإحكام حاسما قبل وخلال وبعد نشر الفوضى لتصبح مصادره المعتمدة المصدر الاول للمعلومات الموضوعية في البلد المستهدف، وما حدث من أحداث في تونس وليبيا ومصر واليمن وما يجري في سوريا وقبله في العراق كان يعتمد إسلوب مزج للأكاذيب بالحقائق وإستخدام المعلومة بشكل ينبع من الكيل بمكيالين لتحريض الشعب على التدمير والفوضى تحت شعار (إسقاط النظام )! ففي اليمن وليبيا تعمدت الماكنة الإعلامية المعتمدة لخلق الفوضى في المبالغة فيما يجري وحجب معلومات وتزوير معلومات ونشر أكاذيب من أجل زيادة التوتر فيهما وتصعيد الأزمة لتصل الى طريق اللاعودة وعندها يكون المَخرج الوحيد هو خلق الفوضى وفي أماكن اخرى لم يحن الوقت بعد لإشعال النار فيها فإن هذه الماكنة تدافع عن نفس الأفعال التي تنتقدها في أماكن مختارة أخرى. - إشاعة شعور جارف بأن الدعم الدولي الاوربي والامريكي لتطلعات الشعوب أصبح ضرورة وبدونه لايمكن تحقيق هدف الإنتفاضات والمعارضة الوطنية في التغيير!..وبذلك تنتقل أداة التحكم والسيطرة من الشعوب الى الأيادي التي تريد نشر الفوضى والتي ستختار الوقت والمكان الملائمين. - التحكم المباشر بتسلسل الأحداث. لأن العفوية ونقص التجربة الثورية لايمكن أن تصنع ثورة..لذلك وفي ظل غياب ذلك فسيكون من يدعم هذه الثورة العفوية هو بالفعل من يصنعها ويتحكم بنتائجها لتحقيق أهدافهم وليس أهداف الثورة. - بناء تكريس ودعم منهج الثقة الزائدة للمخططين وللمنفذين بفعل الدراسة العميقة للواقع المُستهدف ومكوناته وإستعداده لخلق الفوضى بأن ما ستقوله للناس سيصدقونه فمن السهل وضع الاكاذيب الكبيرة بغرض تحريضهم كيفما يشاء المخطط. - تعميم حالات تشابه وتطابق مواقف الشعوب مع موقف امريكا والذي سيؤدي بالتالي الى إقناع أمريكا لهذه الشعوب بتطابق مواقفها في القضايا الإستراتيجية وهذا مثير للتساؤل للبحث عن سلامة موقفهم. لم يطفو هذا المصطلح على السطح ويطبق فعليا ويصبح مناقشة تأثيراته في العلن أمرا شائعا إلا بعد الحروب التي خلقتها الولايات المتحدة وتحديدا في العراق حيث قامت بغزو تدميري للعراق عام 2003 عندها ورد في تصريح وزيرة الخارجية الأمريكية في حينها كونداليزا رايس في حديث لها أدلت به إلى صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية في شهر نيسان 2005 عندما إنتشرت بعض فرق الموت والأعمال التخريبية التي اتهمت بأنها مسيسة من قبل الجيش الأمريكي وبعض المليشيات المسلحة التي تؤمن بأن الخلاص بانه لن يكون إلا بظهور المخَلِّص والذي سوف يظهر بعد حالة من إنعدام الأمن والنظام. وهكذا دخلت هذه النظرية في مرحلة تطبيق فعلي باهض الثمن تحت أعذار ومسميات مختلفة بهدف تحويله إلى " نقطة إشعاع في الديموقراطية" فإذا بهذا البلد يتحول إلى: ( كيان متقطع الأوصال يقف على حافة الهاوية وبدأت نار طائفية ومذهبية موصدة تستعر بين مكوناته في حين بدأت نار تجربة هذه النظرية ينطفئ على محرابها يوما بعد يوم أمل نجاحها بعد تعذر إستعادة العراق لمركزه ورمزيته وهو يفقد هويته وقيمه ومبادئه ويبتعد يوميا عن تأريخه الحضاري وتأثيره في العالم الذي مارسه لقرون عديدة مضت الى غير رجعة بفعل هذه الأيديولوجية). وهنا علينا أن نتذكر بان قرارات أمريكا في حل الجيش العراقي والأجهزة الأمنية وإفراغ البلد من كفاءاته والسماح بالقيام بتصفيات جسدية واسعة لكوادر العراق وعلمائه ومفكريه ونخبه لم يكن وليد موقف أو ظرف أو جاء بقرار إنفرادي او تسهيل شخصي من الحاكم المدني بول بريمر أو من الرئيس الأمريكي بوش بشكل مستعجل أو إعتباطا أو نتيجة سوء تقدير للحالة العراقية من لدن الإدارة الأمريكية بل هو يقع في سياق خطة منظمة لتطبيق عملية خلق الفوضى الخلاقة في هذا البلد كجزء من فوضى عارمة تعم كل المنطقة. ولعل كونداليزا رايس التي أبدت حينها حماسة شديدة للتحول الديمقراطي في منطقة الشرق الأوسط، حتى وإن أدى هذا التحول إلي تغيير واستبدال الأنظمة الموالية والحليفة..كانت واضحة في نقل الأمريكية رؤية ورصد لحال الأنظمة العربية التي عفا عليها الزمن ولن يكتب لها التاريخ القدرة والاستمرارية رغما ً عنها.. وكون هذه المنطقة لا تمتلك أي قدرة على التغيير المنظم لإفتقارها الى الحياة السياسية وعدم قدرة القوى الطبقية عن إفراز قوى فاعلة قادرة على التغيير .. إذن فلتكن الفوضى هي الخالقة للتغيير وخلق حالة شرق أوسط جديد يتعاطى مع الديمقراطية ويدور حول الرؤية الأمريكية . وما جرى وما يجري اليوم في العراق في تعمد خلق ونشر الفوضى ومن تصعيد خطير للغة التناحر الطائفي ةالعرقي وتحويل الإختلافات الهامشية بين الطوائف والتي تعايش معها العراقيون طيلة حياتهم الى إختلافات جوهرية جعلت من الأخ يقتل أخاه وفقا لإجتهاد خاطيء!.. وحيث تحولت المدن والنواحي والأرياف الى ساحات للمهاترات التي تستعدي إفراد العائلة الواحدة فيما بينهم بتغذية مستمرة تهدف لخلق هذه الفوضى!.. ولعل الكثير من العقلاء والسياسيين يتسائلون أين الولايات المتحدة الأمريكية كإدارة ومخابرات وإستراتيجيين مما يجري في العراق ؟ لماذا هم اليوم يتفرجون؟ أليس هذا دليلا على وجود مخطط لنشر هذه الفوضى وبإصرار؟ ووفقا لنظرية الفوضى الخلاقة ونظرية ميكافيلي فسيتحتم تهيئة الوسائل لخلق النظام بعد مرحلة خلق الفوضى.. وليكن العراق مثالنا في ذلك.. وإذا كانت الولايات المتحدة بكل ذلك الذي ذكرناه في دول عديدة في الشرق الأوسط سواء كانت دول عربية أو إسلامية كانت تهدف الى خلق مسوغات وضرورات عسكرية وإستخبارية كأساس على الأرض لتكون ركائز ووسائل تتيح لها إحتلال الأرض والمواقع الجيوستراتيجية ثم بعد ذلك تقوم بخلق الفوضى.. ثم ووفقا للإيديولوجية التي تعتمدها ستملي طبيعة نظام الحكم السياسي الذي من المفروض أن يكون إقامته وتعزيز مقوماته من مسؤوليتها بهدف ضمان الاستقرار لمكوناته!.. فهم في العراق اليوم قد حققوا ذلك!.. فقد خلقت المسوغات وإحتلت الأرض.. وخلقت الفوضى.. فلماذا لاينتقلون في العراق اليوم الى مرحلة بناء نظام الحكم السياسي الذي من المفروض أن يكونوا مسؤولين عن إقامته وتعزيز مقوماته بهدف ضمان الإستقرار لمكوناته ليكون نموذجا تحتذي به كل دول المنطقة والعالم؟. ترى ماذا ينتظرون؟ يتبــــــــــــــــــــــع ...