في جولتي الأوربية وجدت أن راقصي الجوبي في عمان والقاهرة ليسو وحدهم ممن أدار ظهره لقضية وطنه وثورته على الاحتلال ووكلائه في العراق، وإن هناك أخوة لهم في جميع أنحاء أوربا ممن انشغل عن جراح وطنه بلعب "الطاولة" و"الدومينو"، وقرقرة "الناركيلة"، واكتفى من الحنين إلى وطنه بتبادل صور الأطعمة العراقية على الايميلات، ومن هؤلاء، بل أغلبهم، أكاديميون ودبلوماسيون سابقون وأطباء ومهندسون، وصحفيون، وأدباء ومثقفون، فضلاً عن الكثير من الذين شغلوا مناصب مهمة في النظام الوطني الذي سبق الاحتلال. والغريب أن هؤلاء تتجمع لديهم الأموال والأرصدة ووسائل الدعم كلها، بينما لا ينهض بواجب الوطن ولا يغار عليه إلا المخلصون "المفلسون" إلا من عشق العراق، والذين يبذلون كل جهد وما يتسير لعيالهم من قوت من في دنيا الغربة القاسية، ويقدمونه عن طيب نفس للعراق الذبيح. إذا دعوت واحداً من هؤلاء إلى وقفة مع الوطن في تظاهرة أو اعتصام أو دعم أو تنديد أو تأييد أو مؤتمر أو ندوة، يذهب إلى أهله يتمطى، متذرعاً بالتزامات مسبقة ومواعيد مع أطباء والتزامات عائلية، وليت شعري كيف لا تنفد هذه الأعذار التي يكررونها مع كل دعوة، ولكني على يقين أن هؤلاء سيكونون في مقدمة الواقفين على أبواب الوطن بعد أن يتعافى للفوز بما يجود على أبنائه من خيراته، ولن يجدوا عذراً واحداً للتأخر. إن أخطر ما يفعله صنف راقصي الجوبي ولا عبي الطاولة والدومينو ومدخني الناركيلة هو ليس إخفاء رؤوسهم عندما يدعوهم الوطن والشعب إلى بذل جهد لنصرته، وإنما الخطر في تثبيطهم مساعي الغيورين والرجال المخلصين وخذلانهم وتخذيلهم. وكما أن الله يحب الساترين فإن الوطن كذلك لا يحب فضح حتى أبنائه السيئين فعسى عن طريق السوء يرجعون، وإلا فإن أسماء هؤلاء تجمعت لديّ في غضون يومين ولو شئت فضحتها، الآن، اسماً اسماً، ولكني لن أفعل حتى يشاء الوطن، وعند ذاك لن يفيدهم ندم ولن تنفعهم حسرات. ولك الله وأبناؤك المخلصون يا عراق..