يساورني القلق كثيرا وانا اتطلع الى الصباحات المؤلمة في وطني وهي موشحة بعذابات لم تنتهي ... دموع لا تجد من يستنفر لها وافواه لا تجد قوت يومها وأطفال لا يجدون مساكن تأويهم ... آلام تجدد وقدرات تتبدد وشرخ واضح ليس في النسيج الوطني فحسب بل في مفهوم المواطنه ذاتها ... حتى أضحى ما كان محرما بالأمس القريب شائعا اليوم .كان المرء بالأمس يخجل من نفسه قبل الآخرين عندما يتحدث عن مذهبيته أوطائفته أما اليوم فحدث ولا حرج أصبحت الطائفة والمذهب فوق الشعورالوطني وبعد ان كان الجميع يقول انا عراقي ويفتخر بعراقيته أمسى يقول أنا سني وذاك شيعي والآخر كردي وكأن هذه المسميات هي هويته الوطنيه فالكل يعمل على شاكلته وهواه دون النظر بعين العطف الى الوطن الحبيب الذي الف بين الجميع ووحد شملهم ودام رغد عيش آبائهم وأجدادهم لألاف السنين . لا بأس ان يفخر اي انسان بدينه او قوميته او بعشيرته لكن عليه ان يتذكر ان راية الوطن أعم وأشمل وعليه ان يبحث عن كل ما يقربه مع أخيه المواطن الأخر بدلا من ايجاد نياسم متعرجة تفرق الشمل وتشتت الأمكانيات وتبث روح الفرقة والتناحر بين ابناء البلد الواحد . وشخصيات سياسية متخلفة عاجزة عن فعل الخير للعراق وشعبه تعمل وتتحرك بدوافع انانية ضيقة وتحظى بدعم ومساندة اعداء العراق الذين يرون ان عراقا ضعيفا متناحرا أفضل لهم ولمصالحهم من عراق قوي مقتدر وفساد لا يماثلة فساد آخر في اكثر دول العالم استشراءا للفساد وسياسات خاطئه لأحزاب فاشلة وظلم واقع واقصاء واضح تسلل اليأس بسببه الى نفوس الملايين من شعب العراق مما دفعهم للتظاهر والأعتصام للمطالبة بحقوقهم التي أقرها الدستور ولتحقيق العدالة والأمان لجميع العراقيين دون تمييز أو تهميش ولم يجد هؤلاء المتظاهرين آذان صاغية لسماع ندائاتهم او عيون تراهم يفترشون الأرض في برد الشتاء . فالنظام السياسي تقوده أحزاب طائفية فضلت التسلط والأصطفاف والنفع المادي على المسؤولية الوطنيه والشرعية والأنسانية فبدت لا تسمع الا مصالحها الخاصة أو مصالح احزابها او طائفتها فضاعت النفوس وضاقت السبل وامتلأت السجون وشاع الفقر وانعدمت الخدمات وقتلت الأمال ولا ارى في القريب العاجل الصورة المثلى للحياة والوطن . لقد مر العراق على مر التاريخ بكثير من المنعطفات والهموم والأزمات التاريخية واحتل في أكثر من مرة منذ احتلال الكوتيين والعيلاميين للعراق قبل اكثر من الفي عام قبل الميلاد وحتى الأحتلال الأمريكي الأسود للعراق عام 2003 لكنه خرج من محنه موحدا مستقرا عالي الرايات والهمم بفضل وحدة شعبه وادراكه لأهمية وحدة الكلمة والموقف ولحنكة الأحزاب والتنظيمات السياسية ورجالات الفكر التي كانت توجهه وتقوده في كل مر الى بر الأمان فيعود في كل مرة سالما معافا ارضه طاهرة وشعبه موحد ورؤاه مستقلة يمتلك قراره الوطني وثقله التاريخي على المستوى الأقليمي والدولي لكن عراق اليوم وبعد الأحتلال الأمريكي البغيض الذي كان وراء كل ما يجري في العراق عراقا ضعيفا متهاويا مقسما من الناحية السياسية والفكرية والأجتماعية على الأقل ولربما الجغرافية مستقبلا حتى أضحى رهينه لتجاذبات سياسية اقليميه ودولية وتحكمه أحزاب طائفيه ومذهبية اختزلت الشعارات القومية والوطنية التي استشهد من أجلها خيرة ابناء الوطن وتغاضت عن القيم الأنسانية التي عادة ما تبشر بها الأحزاب والحركات السياسية اينما وجدت فغذت النزاعات والنزعات وشوهت القيم والغايات وأشاعت روح التفرقة بين ابناء الشعب الواحد فزادت الخصومات وتقاطعت الدروب وشوهت التحالفات وانحرفت عن مسارها الصحيح حتى بتنا نسمع وعلى السنة اغلب قادة الزمن الأغبر وبوضوح الكلام الطائفي والشعور المذهبي مدعوما بأعمال وأفعال وقرارات غير مسؤولة وغير مسبوقة في تاريخ العراق وشعارات محبطة لأمال الشعب وتوجهاته ومقسمة لوحدته وقدراته فالحديث من الوحده الوطنية والقومية تحول الى الحديث عن تحالف شيعي كردي او سني تركماني او ربما تصل التجاذبات السياسيه الى مستوى القرية او ربما المدرسة فقد نسمع عن تحالف بين قرية في شمال العراق مع اخرى في الجنوب أو مدرسة في غرب العراق تكون تحالف انتخابي مع مدرسة اخرى في جنوبه حتى تكون لكل شارع في العراق دولة اما الحديث عن القيم الوطنية والأهداف القومية النبيلة الداعية للوحدة والتحرر والأستقلال الناجز فهذه شعارات لا تروق لمن يتنفس الطائفية ويعيش على ديمومتها والأغرب من ذلك ان الأحزاب القائدة للسلطة والمؤثرة فيها هي احزاب طائفية وبأمتياز وتقتصر انتماءاتها الى مذهب واحد فقط لكن لا يستحون من انفسهم وهم يتحدثون في وسائل الأعلام المختلفة عن الوحدة الوطنية والمصير المشترك والتاريخ الجامع وصدق من قال ( اذا لم تستحي فأفعل ما شئت ) . ان غرس التفرقة في النفوس ومداهمة المساجد والبيوت واحساس الأخر بأقصائه هي الرذيلة وفعل السوء الذي يمارس من قبل احزاب السلطة وعندما يستغاث الناس وتتجمع في الساحات العامة للتعبير عن آرائها ورفع الحيف عنها وانهاء التهميش لقطاعات واسعة من ابنائها لا تسمع مطاليبها وتؤطرحقوقها بل تتهم من قبل رموز حكومية بالطائفية او بمساندة الأرهاب والقاعدة مما قد يفسر اقدام حكومة المنطقة الخضراء على فض هذه الأعتصامات والتظاهرات بالقوة المباشرة وان بوادر هذه الأعمال قد بدأت بسلسلة من الأغتيالات المنظمة لقادة هذه التظاهرات او احتجاز الناطقين بأسمها اوحصار المساجد والمدن وقطع الجسورواغلاق الطرق. وما يعقب ذلك من ( فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ) وردود افعال مضادة قد تقود البلد الى حافة الهاوية لا سامح الله فتكون الحكومة هي المسؤوله عما يحدث في المستقبل ( وقفوهم انهم مسؤولون ) . فليحفظ الله العراق وأهله من المحن ويبقيه عزيزا شامخا طول الزمن . وليخزي من أقفل فينا بوابة الأمل واشاع الفرقة والتناحر بين الأخوة والأهل .