أثارت مشاركة إيران في مؤتمر القمة الإسلامية في القاهرة جدلا كثيرا، هناك من يرفض مشاركتها ودعوة نجاد والسماح له بزيارة مصر ومقابلة شيخ الأزهر، لسلوك حكامها المعادي للعرب في كل شيء، وهو ما لا يجوز لها شرعا، ولا يليق بأمة تدعي الإسلام الذي حمله إليها العرب. إضافة إلى محاولة شق صف الأمة إلى شطرين متناحرين، بسياستها الطائفية بشكل جلي لا جدال فيه، منذ أن رفعت حكومة إيران الإسلامية شعار تصدير الثورة وبنت استراتيجيتها على حلول وتمازج عنصرية الجنس الفارسي بالمذهبية الطائفية. بينما يرى آخرون أن إيران دولة إسلامية شعبها مسلم وتجمعنا معها روابط تاريخية حتى لو كان حكامها غير ملتزمين بقيم الإسلام، فمن الدول العربية ذاتها من لا يروق لها الالتزام بتعاليم الإسلام. ويذهب آخرون أن أكثر دول الغرب والشرق لها مواقف معادية للعرب ونتعامل معها من نواح عدة، فدعونا نتعامل مع إيران كسائر هذه الدول بغض النظر عن مواقفها. والأمر مختلف جدا، إيران دولة مجاورة قوية ولها أطماع توسعية، إيران تحتل الجزر الإماراتية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى، إيران طامعة بشط العرب وبآبار النفط العراقية المحاذية لحدودها، وادعى وزير دفاعها: لو سار الجيش الإيراني لن استطيع إيقافه إلا في بغداد، وأدخل العراق وإيران في حرب طاحنة ثمانية سنوات جنت آثارها الكارثية على البشر والمال والأرض والطير والشجر في البلدين، وسبق لإيران احتلال الأحواز واعتقال زعيمها الشيخ خزعل الكعبي و الذي توفي في سجونها بعد اعتقاله بعشر سنوات، وتزعم أن البحرين محافظة إيرانية على الرغم من أنها جزيرة في الشواطئ العربية وسكانها تاريخيا من أصول عربية، إيران ليست كدول الغرب التي ترفض انضمام دولة إسلامية إلى السوق الأوربية وليس إليها، كما تطمع إيران بالاستحواذ على كل ما حولها، وسبق لحكام إيران الصفويين احتلال بغداد وكربلاء عام 1501م وطردهم منها العثمانيون عام 1534م فمطامحهم ونواياهم السيئة قديمة. أما كون أغلبية الشعب الإيراني مسلمين سنة كانوا أم شيعة فلا اعتراض عليه، شعبها مسلم يستحق منا الإخوة والتعاون والتفاعل، لكن طبيعة الساسة الإيرانيين واتجاهاتهم ليست إسلامية، وإن ادعوا الإسلام قولا وخالفوه قانونا وعملا، إيران دولة طائفية بنص القانون دولة شيعية يرأسها شيعي، بمعنى لا تعترف بالمذاهب الإسلامية الأخرى، ولا يوجد في قوانين الدول الإقليمية في المنطقة ما يشابه هذا النص إلا دولة إسرائيل التي ينص قانونها أنها دولة يهودية يرأسها يهودي، على الرغم من أن فلسطين عربية وأهلها عرب مسلمون يستحقون منا الدعم والتضحية. ولا نقول في كل هذه الطروحات والاعتراضات إلا أنها مؤلمة لكل عربي ومسلم، وما كنا نود أن يصل الأمر إلى هذا المستوى من التصريح المثير للشحن والشحناء، ويضعنا في حيرة وتردد وتوجس، ويدفع بعض منا أن يعد إيران اخطر من إسرائيل على العرب وعلى المسلمين، بل ويشط فيتمنى لو أقدمت إسرائيل وأمريكا على ضرب إيران، وهو أمر مؤسف ومحزن حقا ما كنا نود العيش ورؤيته يتجسد حقيقة، وينبغي أن تكون هذه الاعتراضات دروسا مؤلمة للإيرانيين أكثر مما هي مؤلمة للعرب، وان تشكل رسالة بليغة يراجع بشأنها حكام إيران ومرجعيتها وسياسييها ومثقفيها مواقفهم، ويسألون أنفسهم من الذي دفع العرب الذين جاءوا لنا بالإسلام إلى مثل هذا الموقف؟ ولماذا يتنكر لنا اخواننا وجيراننا إلى هذا الحد؟ لعلهم يستنتجوا عظم الخسارة والمصيبة التي أوقعوا فيها أنفسهم والأمة معهم، ويفطنون إلى ما سقطوا فيه من أخطاء قاتلة. ولا نغفل عن دعوة العرب المتعاطفين مع إيران، فعليهم هم الآخرون قراءة هذه الرسالة، ويسألوا أنفسهم لم يكره العرب إيران المسلمة التي تدين بالتشيع لآل البيت العرب؟ لعلهم يستخلصون إن الخلاف تجاوز فروع الفقه الشرعي، إلى درجة أصبح فيها حتى العرب غير المتدينين يقرفون ويشمئزون من تصرفات الحكومة الإيرانية أكثر مما يقرف منها المتدينون، بل تصلني يوميا رسائل من الإخوة الشيعة أنفسهم يلومون فيها إيران ويستغيثون ويعترفون أن التشيع الصفوي المغالي في العنصرية والطائفية، أساء إلى سمعة التشيع العربي النزيه الأصيل، ويعترفون أن عدد الشيعة في العالم الإسلامي يجعلهم قلة قياسا بعدد أهل السنة والجماعة، وعوضا من أن تسعى إيران إلى كسب ثقة العرب السنة إخوانا في الدين، حرضتهم وأثارتهم وأصبحنا في نظرهم أعداء، وهو ما لا يخدم الشيعة ولا الإسلام ولا إيران التي كان عليها أن تجعل من العرب عمقا استراتيجيا لها في الأزمات والمحن، فالمسلم للمسلم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، وهو ما غفلت عنه مرجعية إيران وساستها. وللموضوع صلة لاحقة بإذن الله.