لا زلت أتذكر ذلك اللقاء الطيب في العاصمة اليمنية 'ÕäÚÇÁ'قبل سنوات، كانت دورة من دورات المؤتمر القومي العربي، وفي قاعة جانبية بالفندق المضيف، كان الشيخ حارث الضاري ـ رئيس اتحاد علماء المسلمين بالعراق ـ على منصة لقاء جمع معارضين عراقيين من كافة الأطياف، وحضرت اللقاء بدعوة كريمة، وكانت الشكوى ظاهرة من تغول النفوذ الإيراني في العراق تحت الأحتلال الأمريكي، ورد الشيخ حارث بهدوئه الإيماني السابغ، وبتشبيه بليغ أخذه من بيئة العراق بلد النخيل، ونصح بالتركيز على قطع نخلة الاحتلال الأمريكي أولا، وأضاف: عند قطع النخلة تسقط الأطيار السوداء التي حطت عليها، وهو ما عنى ـ وقتها ـ أن النفوذ الإيراني بالعراق ذاهب حتما بعد زوال الاحتلال . أتذكر كلمات الشيخ الحكيم المقاوم، ونحن نتابع ما يجري في العراق الآن، وحيث تجري ثورة حقيقية كاملة الأوصاف، تستعيد العراق من غيابه الطويل عن أمته العربية، وبفضل تضحيات هائلة، كان للشيخ حارث فيها نصيب مقدر، فهو سليل العائلة التي قادت حركة المقاومة المسلحة زمن الاحتلال البريطاني للعراق، وقد كان الشيخ وفيا لمجد عائلته العريقة، وقام هو الآخر بدور مرموق في مقاومة الاحتلال الأمريكي، سواء وهو فى بغداد قلعة الأسود، أو حين أرغمته ظروف قاهرة على إقامة مؤقتة في 'ÚãÇä'، وبالقرب من نبض العراق الصامد، وحيث اجتمعت فصائل مقاومة إسلامية مسلحة على الالتفاف حول رمزية الشيخ، ودون إغفال الدور الطليعي لفصائل مسلحة أخرى اجتمعت حول رمزية 'ÍÒÈ ÇáÈÚË'، وأمينه العام المختفي عزة الدوري، كان للطرفين أعظم نصيب في المقاومة العراقية المسلحة، والتي حطمت أنف الاحتلال الأمريكي، ودفعت واشنطن إلى الرحيل بغالب قواتها المنهكة، ولكن بعد أن دمرت العراق كدولة ومقدرات، وقتلت زهاء المليون من أبنائه، وشردت الملايين إلى خارج الحدود، وفصلت الشمال الكردي في دويلة مستقلة عمليا، ونشرت الفتن الطائفية بين السنة والشيعة العرب، وأقامت حكومة محاصصة طائفية وعرقية بغيضة في بغداد، وصاغت دستورا يتنكر لعروبة العراق، ويجعل العرب مجرد فئة بين فئاته، وكأن العرب تحولوا إلى أقلية مطموسة في العراق، والذي صار يحكمه رئيس جمهورية كردي، ويترأس جهازه الدبلوماسي وزير خارجية كردي، ويحكم البلد رئيس وزراء يوصف بالشيعي، ولا يكاد يتذكر من عروبته شيئا، ويجمع في شخصه معنى 'ÇáæáÇÁ ÇáãÒÏæÌ'الاحتلال الأمريكي والنفوذ الإيراني المتوحش، وفي عملية سياسية مريضة، رسم الاحتلال الأمريكي هندستها المدمرة، وبحيث تضمن الإفناء المتصل للدولة والشخصية العراقية العربية، والنهب المنتظم لعوائد وموارد البترول العراقي، وترك الشعب العراقي في حال التفكيك والبؤس، وصياغة الجيش وأجهزة الأمن على نحو طائفي صريح، يخاصم عروبة العراق، ويدين بالولاء لأجهزة الدولة الإيرانية، والتي راحت تدير العراق كعزبة خاصة وفناء خلفي ملحق بالبيت الإيراني. كان تحطيم الدولة العراقية هدفا في ذاته لقوات الاحتلال الأمريكي، واستفادت إسرائيل استراتيجيا بتحطيم العراق، واستفادت إيران أكثر، فقد أزاح الأمريكيون من طريقها قوة العراق المانعة على البوابة الشرقية للأمة العربية، ولأن الحياة تكره الفراغ، فقد حلت القوة الإيرانية المتمددة محل عراق صدام حسين، وضمنت تحطيم المقاومة المسلحة لعرب 'ÇáÃåæÇÒ'داخل إيران نفسها، ثم استدارت لتضيف غالب أراضي العراق عمليا إلى أراضيها، وتتحكم في 'ÍßæãÇÊ Ïãì'تقيمها ببغداد، وبدا نوري المالكي ـ رئيس الوزراء المزمن ـ كأنه المفوض السامي لطهران في بغداد، وجمع في يده الخيوط كلها، وكأنه يريد أن يكون صدام حسين شيعيا هذه المرة، وفي الخدمة المزدوجة لواشنطن وطهران معا، وانفرد بالسلطة مع 'ÍÒÈ ÇáÏÚæÉ'الذي يترأسه، وحرم حتى حلفائه في التحالف الشيعي من أدوار حقيقية في السلطة، واستخدم 'Ïãì'منسوبة إلى سنة العراق، وجعل هدف تحطيم 'ÍÒÈ ÇáÈÚË'على رأس أولوياته، لكن الفشل المتصل لحكمه الديكتاتوري زاد من جاذبية 'ÍÒÈ ÇáÈÚË'المحظور رسميا، والذي قتل عشرات الآلاف ـ ربما مئات الآلاف ـ من كوادره وأعضائه، لكن حزب البعث ـ للمفارقة ـ ظل صامدا عصيا على الإفناء، وهذه واحدة من أعظم مآثر صدام حسين برغم ديكتاتوريته العراقية الصرفة، فقد أقام الرجل نواة صلبة لحزب البعث، لم ينجح الاحتلال الأمريكي في تحطيمها، ولا نجح التوحش الإيراني الكاره لسيرة الشهيد صدام حسين، وبرغم إعدام أو إغتيال أغلب قيادات حزب صدام الأساسية، فقد نجح الحزب في إعادة تنظيم صفوفه سرا، وقاد حركة المقاومة المسلحة، وأقام تحالفات مثمرة مع آخرين أهمهم تنظيم 'ÇáäÞÔÈäÏíÉ'الصوفي، وبدا حضور الحزب ظاهرا في العراق من جنوبه إلى شماله ـ الكردي، ومع قواعد ارتكاز أقوى في الوسط والغرب السني، وترك البعث للآخرين فرصة السقوط في المستنقع، وهكذا ذوى تنظيم 'ÇáÅÎæÇä ÇáãÓáãíä'الذي شارك فى حكومات الإحتلال، وصاغ 'ÍÒÈ ÇáÈÚË'لنفسه نفوذا سياسيا متناميا. أضيف لنفوذه المسلح، وبدا دوره محسوسا في عمليات تجييش وتعبئة، وحتى في مواسم انتخابات لم يشارك بها، وظل على معارضته الصريحة للعملية السياسية المريضة، وكان ذلك تمهيدا ضروريا لثورة شعبية تتوالى فصولها الآن في العراق، يبرز فيها دور حزب البعث وجماعة علماء المسلمين بالذات، ويقودها شباب من جيل جديد عاش محنة الاحتلال الأمريكي والتغول الإيراني، وكان طبيعيا أن تبدأ الثورة من 'ÇáÃäÈÇÑ'، ومن مدنها الباسلة التي بدأت المقاومة الشعبية كاستطراد للمقاومة للمسلحة، وأن تمضى تكتيكاتها في صورة تماثل طراز الثورات العربية المعاصرة، بالاحتشاد السلمي في الميادين والساحات، وبالصعود إلى ذروة الحشد في أيام الجمعات، ويرفع شعار 'ÇáÔÚÈ íÑíÏ ÅÓÞÇØ ÇáäÙÇã'، وبتحمل الأذى والإستعداد الفائق لتقديم التضحيات، وبتأكيد المعنى الوطني الجامع بعيدا عن الشعارات الطائفية، وباجتذاب قطاعات من الشيعة إلى ثورة المجموع الوطني، ويعزل جماعة 'ÇáãÇáßí'تمهيدا لإسقاطها، وبرفض الحلول الوقتية المائعة، والتصميم على إستعادة العراق لأهله ولأمته العربية.