لست أبالغ عندما أقول أن الربيع العربي انطلق هذه الأيام من ارض العراق، فقد شكل العراق على مر العصور السابقة نقطة التحول الجذري في الساحة العربية، فمن ارض العراق ورحم جباله وسهوله اتّقدت شعلة الحضارة الإنسانية وأنارت أصقاع الكرة الأرضية بمعين علومها الذي لا ينضب، فكانت المسلة والمحراث. وكانت الكتابة وقوانين حومورابي وعلم الفلك والرياضيات والإعداد الرقمية وملحمة جلجامش التاريخية وغيره الكثير مما لا يتسع ذكره في هذا المقال المتواضع مع الإشارة إلى كون العراق حاضنة الرسالة الإبراهيمية حيث مولد ونشأة سيدنا إبراهيم عليه السلام مما يمكننا من القول بأن العراق علّم البشرية كل شيء. واستكمالا لما ذهبنا اليه فلا بد من الاشارة لمحطات مهمة وبإيجاز ادت الى تحولات كبرى على الصعيد العربي والإنساني وخصوصاً تلك التي تزامنت مع ظهور الإسلام الحنيف في الجزيرة العربية حيث تمكنت القبائل العربية في العراق الشقيق قبل ظهور الإسلام بفترة قصيرة من إلحاق هزيمة تاريخية بالإمبراطورية الفارسية في معركة نهاوند وكان من بين نتائجها وضع حد لسيطرة الفرس على بلاد الرافدين كما أنها وحّدت القبائل العربية تحت راية واحدة مكنتهم من بناء دولة قوية استقبلت رسالة الإسلام بسرعة فائقة مهّدت لأستكمال النصر على الفرس وإنهاء دولتهم الباطلة والباغية وكان ذلك في معركة القادسية بقيادة سعد بن أبي وقاس ... ومن حينها توالت الانتصارات العربية وسُحِقت أيضاً إمبراطورية الروم بأيدي عربية مما مكن العرب من بناء دولتهم الإسلامية وحضارتهم الإنسانية والتي امتدت من فرنسا غرباً إلى أسوار الصين شرقاً. وفي خضم زهو العرب بانتصاراتهم التي توالت بعد حملهم رسالة الإسلام الحنيف للبشرية شكلت بغداد مركزا للخلافة الإسلامية العباسية وبقيت كذلك حتى قدوم التتار من بلاد الشرق واللذين أجهزوا على الحضارة الإسلامية هناك وقتلوا ملايين البشر واحرقوا مكتبات بغداد واغرقوا في النّهرين ما تبقى من حضارة المسلمين في بلاد الرافدين والشام حتى ظنوا ان لا قيامة لهذه البلاد بعد هذا الدمار و ما كان ليرقى إلى أذهانهم انه بعد عامين فقط ينقلب الحال ويستعيد العرب والمسلمين هناك وحدتهم وقوتهم ويدحروا مجدداً أمماً تطاولت على بلاد العرب ليجعلوا من ارض العراق وبلاد الشام مقبرة للأمم الغازية. وتوالت بعد ذلك رسائل بغداد للعرب فمن نبوخذ نصر في غابر التاريخ إلى سعد بن أبي وقاص إلى صلاح الدين وعماد الدين ونور الدين زنكي قافلة العروبة والإسلام تسير والتحرير والانتصار للأمة على قدم وساق طالما بقيت امتنا حية وهي كذلك فقد بشرنا رسولنا الكريم محمد عليه الصلاة والسلام أن أمته أمةٌ حية لا تموت الى قيام الساعة. من هنا مبعث الأمل في الربيع العربي الذي انطلق في بلاد الرافدين ليمتزج بثورة الاهل في بلاد الشام و فلسطين ولبنان وسوريا ويصنع فجراً جديداً لأمة العرب. فالمظاهرات الشعبية التي انطلقت في شوارع الانبار والموصل والفلوجة وتكريت وبغداد وسامراء والتي جاءت استكمالا للنصر الساحق للمقاومة العراقية المسلحة على الغزو الأمريكي الصهيوني الامبريالي تعيد للعرب الامل مجدداً بسحق المشاريع الفارسية والصهيوامريكية الامبريالية وتعيد لأمتنا أنشودة الوحدة والتحرير ووأد الطائفية والتخلف والفقر والاستبداد والاستغلال والديكتاتورية والإقطاعية. والى الأمام يا ثورة الشعب العربي في العراق ففلسطين والشام والحجاز ومصر والمغرب في الانتظار .. وليلتفّ الساق بالساق ونشمر عن السواعد السمراء و معاً وسوياً نهزم أعداء امتنا وتعود بلادنا حرة مزدهرة من بعد جرعة السم لأعدائنا من الفرس والصهاينة ومن لف لفيفهم.