من قاموس الاحتلال الأم نستذكر عبارتين قيلا في وصف واقع الحال في عراق المقاومة والتحرير. الأولى منقولة عن طوني بلير، التابع الذليل لجورج بوش. والثانية منقولة عن نوري المالكي، العبد الحقير لأميركا وإيران. على الرغم من ذيليته لجورج بوش، قال طوني بلير، رئيس وزراء بريطانيا الساقط على وخز ضمير البريطانيين، واصفاً أداء المقاومة العراقية بأنها شبيهة بنار جهنم. حينها قال: لقد فُتحت علينا نار جهنم في العراق. كما شبَّه نوري المالكي الحراك الدائر الآن في شوارع العراق بأنها مجرد ( فقاعات ) ستنطفئ سريعاً. ولكنه تناسى أن الاحتلال الذي أتى به غرق في العراق، والغريق هو الذي تصدر عنه ( فقاعات ) تدل على أنه لفظ أنفاسه، وما تلك ( الفقاعات ) التي أحدثها ليست إل ( العملية السياسية ) التي يقودها المالكي نفسه. ونحن نقول من وحي العبارتين: إن بداية حركة الشارع العراقي، في أواخر كانون الأول من العام الماضي، كانت كالإنذار الذي يسبق ثورة البركان الذي سيحرق بحممه أقزاماً لم يتعلموا الدرس من أسيادهم. ثورة البركان تلك ستنفث نار جهنم التي حرقت، فيمن حرقت، جورج بوش وزمرته اليمينية المأفونة بحلم بناء ( قرن أميركي جديد ) . وبدلاً من أن ينجز جورج بوش بناء القرن الأميركي فإذا بالمقاومة العراقية تبنى قرناً عربياً جديداً نسجته بدماء شهدائها. وإذا بالمقاومة تردي جورج بوش وزمرته، صرعى على ثرى بلاد الرافدين. وليس هذا فحسب بل أردت كل القوى التي شدَّت على أيديه من الانتهازيين صرعى لا يزالون يئنون حتى الآن، وإلى آماد بعيدة، من وطأتها. أما الآن وبعد أن تململ الشعب العراقي وتحرك ونزل إلى الشارع، وفيما خُيِّل للمالكي أن تلك الحركة ليست أكثر من ( فقاعات ) ، وهو لا يصدِّق بأن بركان الثورة في العراق بدأ ينفث حممه. وهذه الحمم التي تنتشر من الشمال في الموصل لا بدَّ من أنها ستتصل جنوباً بالبصرة وسينتشر لهيبها من الأنبار غرباً ليتصل بالعمارة شرقاً. وإذا كان ما تبقى من جيوش الاحتلال الأميركي لائذاً في بروج يحسب أنها محصَّنة، فإن الموت يدركها في بروجها تلك بصواريخ المقاومة، وهذا يعني أنها لن تستطيع، مع كل الاتفاقيات التي وقَّعتها إدارتهم، حماية المالكي وكل من يلوذ بعملية الاحتلال السياسية. والمضحك أنهم يحمونه ليحميهم. ولم يعد أحد منهم يدري من يحمي من؟ من شر ما يُبكي وما يُضحك أيضاً، أن الاحتلال الأميركي الذي لاذ بسلامة جنوده ترك مهمة تزوير واقع الاحتلال المُقنَّع وحمايته، ووضعها في عهدة حكومة الاحتلال وعهدة الفرس معاً، من أجل استكمال تدمير العراق وسرقة ثرواته. أما ما يُبكي فأنْ يُسهم بعض أبناء العراق في خيانة وطنهم وشعبهم من جهة؛ كما أن يُسهم جار للعراق، كان من الواجب أن يحافظ على حسن الجيرة، في خيانة عهود الجيرة ومواثيقها من جهة أخرى. وأما ما يُضحك فهي مراهنة الأميركيين على أن تحالفهما، المالكي وإيران، سيحمي ما بقي لهم من وجود، وهو ( السيد ) الذي عجز عن حماية نفسه، فكيف يمكن ل ( الخصية السود ) أن يوفروا له تلك الحماية، خاصة أنهم دخلوا إلى العراق تحت جناح دباباته، التي بدونها ما كان لأي منهما مكان على أرض العراق. والنتيجة أن إدارة الولايات المتحدة الأميركية الآن تحتل العراق بالواسطة، وتدفع من أجل المحافظة على احتلاله من جهد طرفيْ هذا التحالف المبني على أسس من الخيانة. وإن الأمر الأكثر مرارة في الواقع الآن، أن الطرف الإيراني، وللمحافظة على حصته في العراق، يزعم أنه يوفر الحماية لمن يتولون إدارة ( العملية السياسية ) . وهنا، لا يفوتنا أن نؤكِّد حقيقة الدور الإيراني، ليس في العراق فحسب، بل في استراتيجيته تجاه الوطن العربي أيضاً. إنها استراتيجية تصدير ثورة ( ولاية الفقيه ) . وهي قائمة على التصدير بالواسطة إلى أي مكان يتيح له فيها بعض العرب المُجنَّدين أو الغافلين بالتسلل والقتال عنه بالدم والدعم الإعلامي والثقافي لقاء مساعدات مادية، ظاهرها إيجابي وباطنها كمن يدس السم بالعسل. وأما من يتولون إدارة ( العملية السياسية ) فإنهم من أكثر الذين مارسوا الفساد والسرقة، فإنهم ينالون أجراً لعمالتهم كل ما تطوله أيديهم من دم العراقيين ومالهم. وهؤلاء العملاء، بدورهم، يدافعون عن الوجود الأميركي المرتبط بالصهيونية العالمية والفارسية الصفوية عبر الميليشيات الملوَّثة بالطائفية. فالأميركيون والفرس وحكومة المالكي، كلهم من الرابحين، وكل منهم يسرق شعب العراق، كل شعب العراق من كل الطوائف والأعراق. يسرقون وهم يتلطون تحت عباءات لونها طائفي تارة، وتارة أخرى لونها عرقي. ولكن الخاسر الوحيد والذي لم يبق لديه ما يخسره، هو الشعب العراقي، وهو من يدفع الدم والمال، كما يدفع من شرفه وكرامته الشيء الكثير. ويكفي أن يشعر هذا الشعب بأنه جنى كل تلك المآسي بسبب الاحتلال الأميركي الأصيل والاحتلال الإيراني الوكيل وبينهما الزمرة الخائنة الحاكمة. يكفي هذا الشعور ليؤكد بأن الشعب العراقي الذي نزل إلى الشارع، إنما قرَّر النزول اليوم ليس لكي يتراجع غداً، وإن حركته لن تهدأ إلاَّ إذا تأكَّد من إسقاط الخونة الذين يُعتِّمون على الاحتلالين الأميركي والإيراني، ليكنسوا أرض العراق من ثلاثية الشر الرابضة على صدره، والموغلة بالجريمة والفساد واللصوصية. وإن الشعب العراقي يعلم أنه لن يخسر شيئاً بعدما لم يبق لديه شيء يخسره بعد الاحتلال. كما يعلم أيضاً أن لا طائفية تحمي أحد، وأن لا عرقية تنقذ أحد، وأن لا تقسيم يضمن للشعب مصلحته، لأن وحدة العراق العربي هي من يحمي الجميع، ويضمن مصالح الجميع. وليعلم النظام الإيراني أن نهايته قد بدأت، ولن ينفعه ما يزعم أنه يملك رصيداً مذهبياً يستند إليه، فشعب العراق لم يتعرَّف على الطائفية إلاَّ بعد أن حقن الملالي بنار الفتنة، ولم يستجب لحقنهم إلاَّ قلة من الذين باعوا وطنيتهم وخانوه من أجل منصب زائل أو من أجل مصلحة مادية لن تكون إلاَّ ملوَّثة بدماء أبناء العراق. وخلاصة المقال: وإن أصبح الأميركي عاجزاً عن أن يدفع شيئاً بعد فراره، وإذا كانت المقاومة العراقية مما يشكل له ( نار جهنم ) الذي أحرقه لهيبها، ففرَّ لائذاً بالسلامة، فإن المقاومة بالتلاحم مع الشعب، ستشكِّل ( نار جهنم ) أيضاً الذي سيحرق كل أحلام النظام الإيراني في الأيام والأسابيع والأشهر القادمة، وأركانه لن ينسوه أبداً بعد أن يحترقوا بنار بركان الشعب الذي تفجَّر، وهم أيضاً سيفرُّون لائذين بالسلامة بعد أن يدفعوا الثمن غالياً. وأخيراً، إن البركان الشعبي العراقي قد ثار بعد أن توهَّم الكثيرون، ومنهم النظام الإيراني وعملائه، أنه قد خمد إلى الأبد. وسيجرِّب الإيرانيون لظى نار جهنم التي جرَّبها قبله جورج بوش وطوني بلير. وليتأكدوا تماماً أن أبواب جهنم في العراق ما تزال مشرَّعة لالتهام المزيد ممن حسبوا أن ( إيوان كسرى ) سيكون جنتهم الموعودة، جنتهم المُنْتَظَرة.