هل من تناقض بين الثورة والديمقراطية والجهاد ؟ بين ثورة الجماهير السلمية من أجل الحرية والديمقراطية وبين الجهاد ؟ . وهل يلغي النظام الديمقراطي حق الجماهير في تحرير الارض المحتلة ؟ . بداية لابد من تقرير حقيقة جلية هي أن الثورات والانتفاضات العربية ليست منقطعة عن السجل النضالي للامة العربية . فما جرى منذ عام 2011, هو امتداد للثورة العربية في فلسطين والمقاومة المسلحة في العراق , فقد دفع الشعب العربي في هذين القطرين ألوف الضحايا من خيرة شباب الامة , أثناء مقارعة الاحتلالين الصهيوني والامريكي . والمقاومة العراقية تلتحم مع ابناء الشعب العراقي الذي ثار ضد الظلم والطغيان , وضد الاحتلال الصفوي الذي يلبس ثوب الطائفية المقيتة . المرحلة التي يمر بها الوطن العربي والامة العربية , مرحلة محملة بأسئلة عديدة , والامر المهم هو كيف نواجه هذا الخلط في الاوراق , وبالذات في فهم الانتفاضات العربية , وما هو الدور المطلوب من المثقفين العرب لينهضوا به لتقديم قراءة عربية , أكثر حرصا على الموضوعية والحقائق التاريخية , وعلى الدفاع عن القيم والمبادئ , وعن الحق والخير , وعن القيم الحضارية والانسانية . فهذه ألقراءة للانتفاضات العربية , أصبحت واجبا وطنيا وقوميا , لان هناك اتجاها خطيرا , يجري على الصعيد العالمي , وبعض الاوساط العربية , للانقضاض على جهد الجماهير العربية , أو التسلل من أجل اختراقها , واجهاض تحركها , لبث اليأس في داخلها , وابقائها مستكينة خاضعة لانظمة الحكم الديكتاتوريه . ان ما حصل هو حالة جهادية بكل المقاييس , فقد قدمت الجماهير ألوف الضحايا بين قتيل وجريح ومعوق ومشرد , فهذا جهاد ضد الظلم , وضد الفساد المستشري في أنظمة الحكم المستبدة . وفي منطق الحالة الجهادية , القائم على التوازن والتكامل بين الموازين المادية والمعنوية , وبين الموازين العقلانية والروحانية , يظهر أن المعايير النظرية الخالصة , عاجزة عن استيعاب الحالة الجهادية المعاصرة لدى الجماهير العربية . فالمعقول في الحالة العربية , هو منطق الجهاد الذي يحسب الامة بموازين تاريخية , ويحسم الموقف لصالح المستقبل , لانه دفاع عن الحق والعدل والحرية والكرامة . جاءت انتفاضات العرب لتؤكد حقيقة من حقائق هذا العصر , وهي أن الجهاد مشروع مستقبلي بالنسبة للعرب ,ولكن الغرب الذي يدرك هذه الحقيقة , عمل منذ القرن الماضي , بخطوات متسارعة لقطع الطريق على أبناء الامة العربية , حتى لا تصل الى مثل هذه الحالة الجهادية . لقد عبرت الجماهير في انتفاضاتها الجهادية عن طاقة روحية , وموقف مبدئي قائم على اختيار اضطراري , يجمع بين ارادة البقاء وبين ارادة الحياة . فالامة هي في طور انبعاث , ولابد أن تزيدها التحديات اصرارا على اكمال مشروعها الحضاري والانساني . ومهما يقال عن هذه الانتفاضات فهي تعبر عن طور جديد في نهضة الامة , كما تعبر عن حالة انبعاث جديدة أيضا , في هذه الانتفاضات روح جديدة مفتقدة في الوطن العربي منذ مدة , هذه الروحية هي ما يجب أن نؤكد عليها , وننطلق منها في رؤيتنا وتحليلنا للواقع العربي . وعليه يأتي السؤال : هل الحالة الجهادية تعني اللاعقلانية , ام أنها عقلانية من طراز أخر ؟ , نعرف أن الغرب يفهم الجهاد بأنه ارهاب ,وأنه حالة لاعقلانية , أما بالنسبة لنا فهي الشيء الوحيد المعقول . الامر المعقول والمنطقي هو أن الانتفاضات العربية , هي التعبير عن روح الامة , واستعدادها للتضحية من أجل نيل الحرية والكرامة , ومن يبتعد عن هذه الحقيقة, فانما يبتعد عن نفسه , وعن حقيقة أمته , وسوف يكتشف هؤلاء فقدانهم بوصلة الامان , وبوصلة الحقيقة . شكلت الثورة العربية في فلسطين , والمقاومة العراقية الباسلة , حافزا ودافعا للجماهير العربية للتحرك ضد التسلط والطغيان , وضد الشعارات والكلمات التي لاتجد أذانا صاغية لها . وقد عانت الثورة الفلسطينية والمقاومة العراقية تعتيما متعمدا , او عدم فهم ما يجري , واليوم تعاني الانتفاضات العربية خلطا كبيرا في الفهم , ولذلك تباينت المواقف , بين مؤيد للانظمة او مؤيد للجماهير . الجماهير على حق , لانها تشكل البحر العميق , والانظمة ليست سوى موجات على شاطئه , سرعان ما تنتهي وتتلاشى .فمن وقف مع الجماهير , فهو يقف مع نفسه , ومع امته , ومع مستقبلها . ومهما تباطأ فعل الجماهير الا انها تنتفض في يوم من الايام , وهاهي الجماهير العراقية تنتفض ضد طغيان المالكي الذي رهن نفسه لملالي ايران ينفذ مخططهم الرامي الى تفريس العراق , من خلال تجنيس ملايين الايرانيين والاكراد بالجنسية العراقية في محاولة للاخلال بالديمغرافيا العراقية على حساب العرب وجعلهم اقلية في بحر المجنسين من ذوي الاصول الفارسية . لقد نسي المالكي مثل غيره من الطغاة ان الاحتماء بالاجنبي لن يحمي العميل الا لمدة وجيزة , ونسي ان الجماهير هي ضمانة الامان والسلام , وان مخاطبة الجماهير من الغرف المغلقة في القصور العاجية لن يقنع الجماهير . جماهير العراق التي فاض مدها من ظلم المالكي واحتكاره السلطة , واقصاءه حلفاءه في العملية السياسية , واتهامهم بالارهاب تارة او بالفساد تارة اخرى , في حين انه هو من حمى الارهاب من خلال رعاية المنظمات الارهابية الطائفية المدعومة من قوات القدس الايرانية الارهابية , وقائدها قاسم سليماني الذي يتحكم بالقرار السياسي في حكومة المالكي . هذه الجماهير انتفضت انطلاقا من الانبار وامتدت الى باقي مدن العراق , مطالبة بالغاء قوانين الارهاب والاقصاء , واطلاق سراح المعتقلين والمعتقلات من السجون العلنية والسرية , الذين اعتقلوا على الشبهة واتهامات باطلة من حاقدين عملاء ملالي ايران , ويعانون من العذاب البدني والنفسي . المطالب العراقية كل متكامل لا تقبل التقسيم او المماطلة او الاحالة الى لجان للنظر في هذه المطالب . ورغم التعتيم الذي جرى على المظالم التي تعرض لها المعتقلون الا ان شمس الحقيقة سطعت , واضطرت وسائل الاعلام للحديث عن الانتفاضة العراقية . ولابد من الحذر من عمليات الالتفاف على الانتفاضة العراقية , وبالذات من المجموعات الموالية لنظام الملالي , والتي لا تخرج عن ارادة وطوع الملالي .