قد تكون بعض الكلمات قصيرة وسهلة في نطقها لكن يبقى لصداها بكل تأكيد أثراً لانهاية له. فالغالبية باتت تعرف اليوم ماذا تعني كلمة الديمقراطية, هذه الكلمة التي باتت تهدد كيان الأمة العربية وخارطتها الجغرافية. فالأصل في الديمقراطية هو حكم الشعب لنفسه, وهي في الواقع شكل من أشكال الحكم السياسي الذي يقوم إجمالاً على التداول السلمي للسلطة, وهذا هو النظام السائد في الدول الغربية المتقدمة كألمانيا وفرنسا وحتى تركيا والهند على سبيل المثال. لكن علينا أن لاننسى أن للديمقراطية أشكال وألوان مختلفة تتباين حسب مفاهيم وثقافة ذلك المجتمع فهناك مثلاً : - الديمقراطية المباشرة التي يصوت فيها الشعب على قرارات الحكومة ؛ - والديمقراطية النيابية التي يصوت فيها الشعب على أختيار أعضاء الحكومة الذين بدورهم يتخذون القرارات التي تتفق ومصالح الشعب ؛ - والديمقراطية الليبرالية (الحرة) التي تلتزم في دساتيرها حماية حقوق الأفراد والأقليات ؛ - والديمقراطية غير الليبرالية التي تفتقد دساتيرها الى مثل هذه الحماية ؛ - وهناك الديمقراطية الشعبية التي تتبناها الصين ( كما تدعي ) !. وبالتالي , فهي نظام سياسي إجتماعي أخلاقي يمتد ليشمل سلطات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية وكيفية سيطرة الدولة على نوع العلاقة مابين تلك السلطات مع بعضها البعض من جهة, ومع تلك السلطات والسلطة الدينية من جهة أخرى. فقد تطغي السلطة الدينية على تلك العلاقة, فتمنح هذا المفهوم شكلاً معيناً قد يختلف لونه حسب المكون الديني أو الطائفي لهذا المجتمع أو ذاك. وبالعكس فقد يطغي الطابع السياسي على تلك العلاقة لتظهر الدولة بمفهومها المتوازن لتجمع فيه العلاقة بين سلطاتها الثلاث والسلطة الدينة بالشكل الذي لايتعارض مع حقوق أفرادها أولاً وأقلياتها بشكل خاص ثانياً. إذن من خلال هذه المقدمة عن الديمقراطية, يفهم القارئ الكريم أن للديمقراطية معنىً أوسع تعكس من خلاله ثقافة ذلك المجتمع ومفاهيمه السياسية والأخلاقية وحتى الدينية. إذ لاتوجد هناك صراعات دينية وعرقية في المجتمع الديمقراطي ! ولايوجد هناك فقر أو مجاعة, بل هناك إستقرار سياسي وأمني. فالمجتمع الديمقراطي ينعم بالماء ! والكهرباء ! وبالخبز الحار ! والدخل المرتفع لكل فرد من أفراد الدولة وليس لمجموعة معينة منهم ! وكل تلك المعاني بطبيعة الحال يشملها المعنى السحري للديمقراطية. بالمقابل, هناك من يستخدم شعار الديمقراطية ليمرر مخططاته ومآربه الحقيقية ويتخذ منها غطاءاً إستعمرياً جديداً لتصفية ماتبقى للأمة العربية من موروثها السياسي لدول وطنية وقومية كالعراق ومصر على وجه التحديد. وبالتالي, فهي تختزل الديمقراطية بكل ماتحمل من معاني تأريخية وثقافية وسياسية وأجتماعية ببعض الحريات الزائفة والممارسات الشكلية لطقوس دينية رسخت فيها معنى الطائفية وشجعت من خلالها على تزايد مخاوف الغرب منا, وأعادت بها الأمة العربية الى قرون ماقبل النهضوية, مخلفة ورائها إستبداداً وفساداً سياسياً بهالة وهمية من الممارسات الديمقراطية, فلا تنمية ولا إقتصاد ولاحريات أساسية. ولا يخفى على أحد, ما جرى في كل من بنما ويوغسلافيا, فالتجارب الأمريكية سابقة في هلاكها للحرث والنسل معاً, بحجة حماية شعار "الديمقراطية", خافية أهدافها ونواياها الحقيقية في السعي وراء تأمين مصالحها بالنسبة لقناة بنما في الإولى, ونهب ثروات الشعب اليوغسلافي من المعادن الثمينة في الأخيرة[1]. والواقع العراقي اليوم خير شاهد على مسيرة الخراب التي جلبتها الولايات المتحدة الأمريكية بحزمة أكاذيب عن "الديمقراطية", والحقيقة هو "النفط" الذي قادت من أجله تحالفاً غير شرعياً من إحدى وثلاثين دولة لهدم العراق ومصادرة ثروته النفطية, فضلاً عن إرثه الحضاري الذي تعرض للدمار والخراب والسرقة, والأهم من ذلك كله فقد أختزلت إرادة شعبٍ بأكمله بل إرادة الأمة عندما طالت يداها رمز الأمة وعزتها القائد الشهيد صدام حسين ( رحمه الله ). وصدق الشاعر حين قال كان أحسن خلــــق الله كلهـــم **** وكـان أحسن مافي الأحسن الشيم أما عن ديمقراطية الفجر الأوديسي في الواقع الليبي, فالمشهد الختامي لطريقة قتل العقيد يعكس بكل وضوح مسارها السياسي نحو ديمقراطية تهدد وحدتها الوطنية لثلاثة أقاليم منفصلة هي (فزان وطرابلس وبرقة) على أقل تقدير. وأخيرا, تتوج هذا المسار سوريا اليوم بديمقراطيتها الجديدة حيث يعيش الثوار رهانهم الصعب ليثبتوا للآخرين عكس ما هو مألوف عن الثورات السابقة, رغم أني أتسائل لماذا كل هذا التحامل على حلب ! وما الغاية من تفكيك مصانعها وبيعها لدول أقليمية مجاورة ! رغم أن المعروف عن الحلبي حبه للحياة ولا علاقة له بالسياسة ؟ تاركاً الجواب لأهلها لأنه وكما يقول المثل الدارج " أهل مكة أدرى بشعابها" وقلبنا معك ياسوريا الشام ومع شعبك الكريم. وختاماً يبقى التساؤل المطروح عن حلم الديمقراطية في مجتمعاتنا العربية, وفيما إذا سيتبدد في ظل هذه الغفلة التي نعيشها اليوم ؟ أم لابد للنخب الطليعة في مجتمعنا من ممارسة دورها التأريخي في تحمل المسؤولية لإنقاذ بلدانها من مسيرة الخراب نحو ديمقراطية مستوردة بعيدة عن الواقع الذي نحيا ! . جدير بالذكر, فقد سرقت الولايات المتحدة من ثروات الشعب اليوغسلافي ماتقدر قيمته بـ77.302.000 طن من فحم وحجر جيري [1] ونحاس وزنك ونيكل ورصاص وذهب وفضة ورخام وحديد ومنغنيز, وغير ذلك. للزيادة أنظر, - http://www.globalresearch.ca/five-invasion-plots-three-continents-identical-lies/5316537