تشهد منطقة الشرق الأوسط تحولات دراماتيكية سريعة ،على الصعيدين السياسي والعسكري،وهذه التحولات تنذر بحرب عالمية ثالثة تنبأ بها عراب السياسة الأمريكية هنري كيسنجر قبل سنة تقريبا،حيث قال( إن منطقة الشرق الأوسط ستشهد حربا عالمية ثالثة، وتكون الولايات المتحدة الأمريكية الرابح الأكبر فيها لتتزعم العالم بأكمله في هذا القرن)، منطلقا من مشروع لويس برنارد أساسا لتنبئه هذا ،وقد شرح كيسنجر خطة الحرب والدول المشاركة فيها ،وان طرفا الحرب ستكون أمريكا وحلفاؤها (الدول الغربية وإسرائيل وتركيا ودول الخليج العربي )، مقابل روسيا وإيران وسوريا والصين ،ومن ينظر الى خارطة الصراع الآن ،خاصة بعد احتلال العراق وإخراج الجيش العراقي من خانة التوازن العسكري في المنطقة ،يرى أن المنطقة تسير على وفق تنبؤات كيسنجر وما خططت له إدارات أمريكا المتعاقبة منذ سنين طويلة ،بعد نجاح تجربتها في نشر الفوضى الخلاقة (الحرب الطائفية والعرقية والقومية )،في كل من أفغانستان والعراق وليبيا ومصر وتونس واليمن والبحرين والكويت ولبنان ،والآن في سوريا،والذي تسميه بالربيع العربي ،و يقوده الإسلام السياسي المتشدد ،(تونس ومصر والعراق وسوريا مثالا)،وما يجري في سوريا من ثورة شعبية غاضبة وثائرة على نظام بشار الاسد بدعم وإسناد أمريكي وعربي وغربي هو الحلقة الأخيرة قبل اندلاع الحرب العالمية الثالثة ،فجميع المؤشرات على الساحة السياسية والعسكرية على الأرض تؤكد هذا وبوضوح تام ، فتواصل المعارك بين الجيش السوري الحر وفصائله المسلحة وبين جيش النظام السوري ،وتحقيق انجازات عسكرية كبيرة جدا للجيش السوري الحر،تهدد النظام بالسقوط الحتمي ،وتصاعد الدعم الدولي للمعارضة السورية (الاعتراف بها دوليا وتزويدها بالأسلحة الثقيلة والصواريخ الحديثة وتشكيل حكومة معارضة في الخارج )،يقابله انهيار شبه تام في بنية النظام السوري العسكرية والرسمية والجماهيرية ،جعل من عملية تصاعد وتيرة الحرب قائمة ،حيث أرسلت روسيا ثلاثين طائرة مقاتلة الى قاعدتها العسكرية في طرطوس لحماية النظام من السقوط ،فيما يتواصل الدعم الإيراني العسكري للنظام السوري(أسلحة ومقاتلين حرس ثوري وحزب الله وميليشيات عراقية موالية لإيران وصواريخ وأموال طائلة )،عدا الدعم السياسي والإعلامي (آخر تصريح لنائب وزير الدفاع الإيراني يقول إن إسقاط نظام بشار الاسد خط احمر بالنسبة لإيران)،(وسنقف بكل جهدنا مع سوريا للحفاظ على النظام )، يجري هذا وسط انفلات أعصاب حكام طهران اثر تزويد تركيا بصواريخ باتريوت ونصبها على الحدود مع سوريا ،ولم تشفع زيارة بوتين وتهديداته لتركيا من إفشال هذه الصفقة ،يقابلها تهديدات إيرانية وقحة لقادة عسكريين لدول الخليج العربي للضغط عليها وتخفيف دعمها للمعارضة السورية ، إذن هذا التصاعد المحموم في التصريحات وتوتير الوضع كله في منطقة الصراع، هو نتيجة تفضي الى إشعال المنطقة بحرب عالمية ثالثة ،ستنعكس على تغيير خارطة المنطقة وإعادة رسمها من جديد ،مع ما يتلاءم مع المشروع الأمريكي الشرق الأوسط الكبير ، فالمتابع للسياسة الأمريكية في العراق والمنطقة ،يرى أنها تمارس سياسة دور الحمل الوديع في تعاملها مع الأحداث (البرنامج النووي الإيراني والفوضى السياسية داخل العراق وتوترات حكومة شمال العراق مع المركز وفضائح الفساد الكبرى وفضائح السجون العراقية والأحداث في سوريا ) ،وكأنها مراقب للأحداث ،وليست السبب فيها ،أو إيجاد الحلول لها باعتبارها جزءا من المشكلة وليست جزءا من الحل ،فهي تنتهج سياسة تمويهية وتضليلية وذرائعية لخلق بؤر توتر تفضي الى مبررات التدخل العسكري والسياسي ، أنا اعتقد أن الأوضاع تسير نحو التفجر وإشعال الحرب المنتظرة أمريكيا ،وتحقيق تنبؤات هنري كيسنجر التي أصبحت قاب قوسين أو أدنى ،وما نراه هنا وهناك من تعمية أمريكية هو في الحقيقة توثب لتحقيق الهدف بأقل الخسائر ،لذا نرى الموقف الروسي متذبذبا وضبابيا ومتراخيا تجاه الإصرار الأمريكي والغربي في عملية إحداث التغيير بأي شكل للنظام السوري ،والذي تريده أن يكون داخليا ،دون الحاجة الى تدخلها خارجيا ،وهذا ما تعمل عليه الآن أمريكا وحلفاؤها ،ولكن الأكيد والمخطط له هو إسقاط النظام في النهاية وبأي ثمن كان ،حتى وان نشبت حربا عالمية ثالثة كما يراها هنري كيسنجر ويقول من لم يسمع طبولها فهو أصم ،تلك هي تنبؤات كيسنجر في المنطقة ....