أهم العوامل المؤثرة في صياغة التكوين الفكري والعقائدي للفرد والأمة : العنصر الجيني الوراثي الحلقة الثانية : هل للجينات دور وتأثير في وراثة شخصية الإنسان ؟!! بسم الله الرحمن الرحيم ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا ) النساء 71 صدق الله العظيم تمهيد:- تناولنا في الحلقة الأولى من بحثنا عن دور وتأثير العنصر الجيني الوراثي في الإنسان ، تأثير الجينات الوراثية في وراثة السمات الجسمية والمرضية ، وهي بمثابة مقدمة تعريفية بحلقتنا هذه والتي سنتناول فيها دور وتأثير الجينات الوراثية في صياغة وتشكيل شخصية الإنسان وفي سلوكه ومشاعره أيضا . ثالثا / هل للجينات دور وتأثير في وراثة شخصية الإنسان : قبل الدخول في الإجابة على هذا التساؤل الحيوي والمهم نرى انه من الضروري ومن المفيد أن نتمعن جيدا في شخصية الإنسان بعيدا عن تعاريف العلماء والمفكرين ، أي أننا هنا سنحاول التعرف على ما تعنيه الشخصية حسب ما يلتمسه الفرد العادي في حياته اليومية وبشكل مبسط . شخصية الإنسان (1): أن أي تصرف يقرره الفرد حيال موقف ما أو قضية معينة إنما هو في الحقيقة ناتج عن قدرات فكرية وعاطفية لذلك الفرد ، فمثلا فأن التزام الهدوء او الغضب من قبل فرد ما وهو يواجه موقفا أو قضية مهمة أو حساسة أو خطرة يعبر عن طبيعة تلك القدرات وبنفس الوقت يعبر عن شخصية ذلك الفرد ، حتى يوصف بأنه إنسان هادئ أو عصبي (مضطرب أو منفعل) أو صاحب شخصية هادئة أو شخصية عصبية (مضطربة أو منفعلة) . والهدوء أو الاضطراب هنا لا يعني مجرد صفة مفردة من بين صفات عديدة للإنسان إنما الهدوء أو الاضطراب هنا سيمثل الشخصية برمتها ، أي أننا هنا لا نتحدث عن كلمة أنما عن صفة ، وصفة الهدوء أو الاضطراب هنا هي صفة عامة تعبر عن عشرات المعاني والصفات المتناسبة والمنسجمة مع صفة الهدوء أو الاضطراب . فدائما ما يصاحب الهدوء ، الحكمة وبعد النظر والصبر والتأني وسعة الصدر والمسؤولية وقوة الضمير والإحساس والقدرة على استشعار الخطر والتخطيط المسبق وتوقع المشاكل المفترضة وإيجاد الحلول المناسبة والبديلة بل وقد يصاحب الهدوء أيضا القدرة على الحسم والرد السريع والحسم وقوة الانتقام أي انه سيحسن التصرف بشكل منطقي عقلاني مفهوم . فكل هذه الصفات والقدرات تعبر في الحقيقة عن وجود هدوء ضمني في كل واحدة من هذه الصفات . ولولا تحلي الإنسان بصفة الهدوء لما استطاع أصلا أن يتحلى بباقي الصفات ، فلا يمكن أن يكون الإنسان حكيما من غير أن يكون صبورا ولا يمكن أن يكون صبورا من غير أن يكون هادئا ، ولا يمكن أن يخطط الإنسان ويحسن التصرف ويضع الحلول المناسبة للمشاكل المتوقعة من غير يكون هادئ ، فصفة الهدوء هنا صفة أساسية محورية في شخصية الإنسان بحيث يتم بناء باقي الصفات عليها ، فالصفة المحورية هنا تمثل عشرات الصفات . والعكس صحيح في حالة الإنسان المضطرب الشخصية فالاضطراب هو الأخر سيمثل صفة محورية في شخصية الإنسان تجذب إليها ما يناسبها وينسجم معها كالانفعال والهياج والغضب والتسرع والقلق وسوء التخطيط والتخبط والتصرف اللامنطقي واللامعقول واللامفهوم . وبالتالي فان شخصية الإنسان هي عبارة عن صفة واحدة محورية ، ناتجة عن قدرات فكرية وعاطفية متفاعلة فيما بينها ، ناتجة هي الأخرى عن طريقة معالجة عقل الإنسان لما يلاقيه في حياته من أحداث ومواقف وقضايا ، وطريقة المعالجة هذه تخضع للعديد من المؤثرات البيئية والوراثية والمقصود هنا بالمؤثرات البيئية هي العوامل المادية والثقافية والدينية بينما تمثل الجينات الوراثية المؤثر الوراثي في شخصية الإنسان ، وهو ما نتناوله في دراستنا هذه . و سنتناول نشاط بعض الهرمونات في جسم الإنسان في حالات محددة كمثال طبي واقعي على مدى تأثر سلوك البشر بنشاطهم الهرموني . حيث سنتناول نشاط هرمونات الأدرينالين والنور أدرينالين والكورتيزون عند الإحساس بالغضب (كشخص مضطرب الشخصية). ثم سنتناول نشاط هرمونات السيروتونين والدوبامين والاكسيتوسين والإندورفينز والجريلين عند الإحساس بالسعادة (كشخص هادئ الشخصية) . ولكن وقبل أن نتناول هذه الأمثلة ، نود أن نبين ما المقصود بالناقلات العصبية . الناقلات العصبية(2) (Neurotransmitters) : هي عبارة عن مواد كيميائية (هرمونات مثلا) موجودة في منطقة ارتباط خلية عصبية بخلية عصبية أخرى ، المشبك ، وتنظم هذه المواد الكيميائية الإشارة العصبية القادمة من الدماغ أو المتجهة إلى الدماغ. وهنالك العديد من النواقل العصبية (مواد كيمياوية - هرمونات) ولكل واحدة منها وظيفة خاصة ، فمثلا هرمون أسيتيل كولين يقوم بتحفيز العضلات الإرادية على التقلص وهرمون الأدرينالين يقوم بتحفيز الجهاز العصبي الودي وتهيأ الجسم لمواجهة الخطر الخارجي ، وحامض الغلوتاميك ويدعى أيضًا غلوتامات ، يقوم بتحفيز التعلم وتنشيط الذاكرة ، وحامض الغاما أمينوبوتيريك يقوم بمنع تحفيز الخلايا العصبية ، والغليسين يقوم بمنع تحفيز الخلايا العصبية ، والميلاتونين يقوم بتنظيم النوم وفعاليات أخرى. وبعد انتهاء مهمة التحفيز أو المنع التي قامت به أي نوع من نواقل الأرسال العصبية تقوم أنزيمات معينة بالتخلص من نواقل الأرسال أو يتم إرجاع نواقل الأرسال العصبية إلى مكانها الأصلي في منطقة ما قبل التشابك مع الخلية العصبية المجاورة كي لا تكون هناك استمرارية في الإيعاز فعلى سبيل المثال إذا تم تحفيز عضلة ما على التقلص لانجاز مهمة ما ، أن لم يتم التخلص من نواقل الإرسال المحفزة لهذا التقلص فسوف يستمر عملية التقلص إلى مالا نهاية. نشاط بعض الهرمونات عند الإحساس بالغضب والاضطراب: بيّن علماء الطب حديثا بان الإحساس بشعور معين ناتج عن العديد من العمليات الفيزيائية والكيميائية والميكانيكية التي تتم في جسم الإنسان عموما وفي دماغه وجهازه العصبي خصوصا. فالانفعالات الشديدة التي يتعرض لها الإنسان كالخوف والغضب تحرض الغدة النخامية (تقع أسفل الدماغ) على إفراز هرمونها المحرض لإفراز كل من هرمون الأدرينالين والنور أدرينالين من قبل الغدة الكظرية (فوق الكليتين) والذي يؤدي إفرازه في الدم إلى تغيرات فسيولوجية وكيميائية حيوية مذهلة فيهيئ الجسم لقوى رهيبة وذلك استجابة لإشارة التهديد الصادرة من الغضب والغيظ والحقد ، وتقوم أيضا غدة الأدرينال بإفراز هرمونات القشرة مثل هرمون الكورتيزون لإعداد الجسم بيولوجيا للدفاع عن الإرهاق النفسي بأشكاله المختلفة كما تقوم الأعصاب الودية على إفراز هرمون النور أدرينالين. وارتفاع هرمون النور أدرينالين في الدم يؤدي إلى تسارع دقات القلب ، وهذا ما يشعر به الإنسان حين الانفعال ، والذي يجهد القلب وينذر باختلاطات سيئة. فهو يعمل على رفع الضغط الدموي بتقبيضه للشرايين والأوردة الصغيرة ، كما أن الارتفاع المفاجئ للضغط قد يسبب لصاحبه نزفاً دماغياً صاعقاً يؤدي إلى إصابة الغضبان بالفالج ، وقد يصاب بالجلطة القلبية أو الموت المفاجئ ، وقد يؤثر على أوعية العين الدموية فيسبب له العمى المفاجئ. كما أن ارتفاع النور أدرينالين في الدم يحرر الجليكوجين من مخازنه في الكبد ويطلق سكر العنب مما يرفع السكر الدموي ، إذ من المعلوم أن معظم حوادث الداء السكري تبدأ بعد انفعال شديد لحزن أو غضب . أما ارتفاع هرمون الأدرينالين فيزيد من عمليات الإستقلاب الأساسي ويعمل على صرف كثير من الطاقة المدخرة مما يؤدي إلى شعور المنفعل أو الغَضِبْ بارتفاع حرارته وسخونة جلده . كما ترتفع شحوم الدم مما يؤهب لحدوث التصلب الشرياني ومن ثم إلى حدوث الجلطة القلبية أو الدماغية ، كما يؤدي زيادة هذا الهرمون إلى تثبيط حركة الأمعاء ومن ثم إلى حدوث الإمساك الشديد. وهذا هو سبب إصابة ذوي المزاج العصبي بالإمساك المزمن. وأثناء ثورات الغضب ، يزداد إفراز هرمون الكورتيزول من قشرة الغدة الكظرية مما يؤدي إلى زيادة الدهون في الدم على حساب البروتين ، ويحل الكورتيزول النسيج اللمفاوي مؤدياً إلى نقص المناعة وإمكانية حدوث التهابات جرثومية متعددة ، وهذا ما يعلل ظهور التهاب اللوزتين الحاد عقب الانفعال الشديد ، كما يزيد الكورتيزول من حموضة المعدة وكمية الببسين فيها مما يهيئ للإصابة بقرحة المعدة أو حدوث هجمة حادة عند المصابين بها بعد حدوث غضب عارم. نشاط بعض الهرمونات عند الشعور بالسعادة والطمأنينة والهدوء : حينما يشعر المرء بالسعادة والطمأنينة والهدوء فان جسم الإنسان سيشهد العديد من العمليات الفيزيائية والكيميائية والميكانيكية التي تتم في جسم الإنسان ، وهذه العمليات تتم بواسطة إطلاق نسب معينة من بعض الهرمونات التي تفرزها خلايا أو غدد معينة ، ومن الهرمونات التي تطلق عند الشعور بالسعادة ما يلي : 1- السيروتونين(3) (Serotonin) : هو ناقل عصبي مهم جدا في نقل النبضات العصبية وهو هرمون موجود في المشبك وهي منطقة ارتباط خلية عصبية بخلية عصبية أخرى ، كما انه مُضيِّق للأوعية الدموية ، ويقوم بتنظيم حركة الأمعاء ، والسيروتونين موجود بطبيعته في المخ ويوجد أيضا في الجهاز الهضمي والصفائح الدموية . يقوم السيروتونين والذي يسمى بهرمون السعادة بالعديد من الفوائد مثل تحسين المزاج ومنع الاكتئاب فيعطي أحساسا بالسعادة ويحسن الشهية وينظم النوم ويشارك أيضا في تقوية الذاكرة والتعلم . وتعتبر الخضراوات والفاكهة والأطعمة الغنية بالكربوهيدرات من مصادر هذا الهرمون ، كما يمكن أن يحصل عليه الجسم عن طريق التعرض لضوء الشمس أو بممارسة التمارين الرياضية . وقد وجد الباحثون بأن قلة نسبة السيروتونين في الدم تؤدي إلى اضطرابات في المزاج وأحيانا يؤدي إلى الاكتئاب والإصابة بمرض الوسواس القهري ويؤدي إلى انخفاض معدلات إفراز الأنسولين مما يجعل المرء متعبا ليس لديه طاقة فينخفض النشاط البدني أيضا فيزيد الوزن بشكل ملحوظ ويؤثر سلبيا على الذاكرة والقدرة على التعلم . وقد احدث التعرف على هذا الهرمون ثورة في علاج مرض الكآبة ، حيث لوحظ أن معظم المصابين بمرض الكآبة يمتلكون نسبة اقل من المستوى الطبيعي للسيروتونين في الدماغ مما دفع العلماء إلى اختراع جيل جديد من الأدوية التي تقوم برفع مستواه في الدماغ. وبالرغم من أن هناك جدلا حول كيفية تأثير مادة السيروتونين على تنظيم مزاج الإنسان إلا أن هناك اعتقادا شائعا إن هرمون السيروتونين يلعب دورا لا يمكن تجاهله في الشعور بالطمأنينة النفسية. 2- الدوبامين(4) (Dopamine) : مادة كيميائية تتفاعل في الدماغ لتؤثر على كثير من الأحاسيس والسلوكيات بما في ذلك الانتباه ، والتوجيه وتحريك الجسم ، ولذا فان مهمة هذا الهرمون تكمن في السيطرة على تناسق حركة الإنسان ، كما يؤدي الدوبامين دوراً رئيسياً في الإحساس بالمتعة والسعادة والإدمان . وتسبب الزيادة الكبيرة أو الانخفاض الكبير في وجود الدوبامين الكثير من الأمراض البدنية والعقلية كانفصام الشخصية ( الشيزوفرينيا ، ويعتبر هذا المرض غير وراثياً بالكامل إلا أن الوراثة تلعب دوراً مهماً فيه) ، وقصور الانتباه ، ومتلازمة توريت (خلل عصبي وراثي تظهر أعراضه على شكل سعلة في منتصف الكلام ، وتقطع في استرسال الحديث ، وحركة لا إرادية للعين كالغمز وإغماض العيون أو تكرار حركة لليدين أو حركات للوجه بشكل عام مع أصوات متكررة وتزداد حدة الأعراض أثناء مرور الأطفال بمرحلة المراهقة) ، كما قد يتسبب ببعض أمراض الحركة كمرض باركنسون (مرض وراثي يؤدي إلى اضطرابات في النظام الحركي كحدوث رجفة في اليد او بطئ الحركة وعدم استقرار الوقفة واختلال توازن الإنسان). وتكون مستويات الدوبامين في الدماغ عالية في مراحل الطفولة الأولى وتنخفض بمرور الزمن وتقدم الحياة . 3- الإندورفينز(5) (Endorphins) : يقلل هرمون الإندورفينز من الإحساس بالقلق ، ويهدئ أحساس الإنسان عند وجود الألم ، وبالتالي فان أساس عمل المخدّرات كالمورفين ، والهيروين ، والكوكايين هو لحث الدماغ على إفراز المزيد من هرمون الإندورفين للحصول الراحة وتهدئة الآلام ، إلا أن ارتفاع نسبة إفراز هذا الهرمون له نتائج وخيمة على صحة الإنسان حيث تضعف قدرة الإنسان على التركيز والاستيعاب والفهم وقد يؤدي إلى فقدان الإنسان لوعيه تماما . ويمكن للجسم الحصول على هذا الهرمون بشكل طبيعي من خلال ممارسة التمارين الرياضية . وقد أثبتت الدراسات الحديثة بان ممارسة رياضة التايكواندو تخلق تشويقا اثر مادة يفرزها الدماغ تسمى " الاندرفينز" يحس بعدها الممارس بالنشوة والراحة الجسدية رغم انه قام بمجهود بدني من المفروض أن يشعر على إثره بالتعب. 4- الاكسيتوسين(6) (Oxytocin) : وهي كلمة لاتينية تعني الولادة السريعة ، يفرز هذا الهرمون بشكل جزئي في منطقة الوطاء ، وينقل من الوطاء إلى الجزء الخلفي من الغدة النخامية عن طريق العصبونات ، يخزن هذا الهرمون في الفص الخلفي للنخامية ويستخدم عند حاجة الجسم إليه . لهذا الهرمون أهمية خاصة في عملية الولادة ، حيث يعمل على تسريعها لذا فقد أنتج على شكل عقار طبي محرّض للولادة . كما يقوم هذا الهرمون بتنشيط الخلايا التي تفرز الحليب عند المرأة ، ويؤثر تأثير قوي على الحالة النفسية للأم بحيث يجعلها تشعر بشعور جميل مما يخلق رغبة قوية لدى الأم على أرضاع طفلها ومن هذا فان لهذا الهرمون اثر جيد في علاقة الأم بطفلها. ويفرز الاكسيتوسين في حالات الحب والثقة والهدوء ، كما ظهر من خلال التجارب العلمية بأن ارتفاع نسبة هذا الهرمون في الدم لدى بعض الناس يزيد من قدرتهم على الثقة بالآخرين . فقد أكدت البحوث أنه من خلال إعطاء البشر الأوكسيتوسين عبر أنوفهم قد أبدو تأثير كبير وبفاعلية كبيرة في ثقتهم بالآخرين ، لدرجة أنهم قد أعطوا أموالهم لأشخاص غرباء لا يعرفون وبكل ثقة.. !!كما ثبت علميا بان هرمون الالكسوتوسين يزيد من فرص الحوار والتفاهم بين الزوجين على مواضيع لطالما كانت شائكة ومسببة للجدل بينهما فضلا عن تقوية علاقة الرجل بالمرأة . 5- الجريلين(7) (Ghrelin) : يقلل من ضغوط الحياة ، ويعطي أحساس بالاسترخاء ، ويتم إفراز هذا الهرمون في الجسم أذا شعر الإنسان بالجوع ، ومن المستحسن أن لا يكثر الإنسان من الطعام بل يجب أن يأكل الفرد قدر طاقته لا أكثر فلا يملئ معدته حتى يحافظ على نسبة وجود الجريلين في الدم . أذن ، نستخلص مما تقدم ، الحقائق التالية : 1- فالحقيقة الأولى ، تنص على إن الإنسان حينما يولد فانه سيرث من والديه وسلالة عائلته سمات جسمه ومظهره وحالته الصحية ، كوراثة لون وشكل العين والأنف والبشرة والشعر ومدى استعداد جسمه للإصابة بأمراض معينة دون غيرها ، كما سبق وتناولنا ذلك في الحلقة السابقة . 2- والحقيقة الثانية ، وتنص على إن الإنسان سيرث أيضا ما يمكن أن نسميه بسمات أعضاءه الداخلية ونشاط أجهزته الحيوية ، كوراثة القلب والرئة والغدة اللمفاوية والكظرية ووراثة نشاط جهاز الدوران وجهاز الغدد الصم والجهاز التنفسي والهضمي ..الخ ، وما يثبت صحة قولنا هذا هو لولا وراثة الأعضاء ونشاطها لما ورث الإنسان الأمراض . فوراثة الأمراض تقدم خير دليل لنا على وراثة الأعضاء وعلى وراثة نشاطها . 3- والحقيقة الثالثة ، وتنص على أن الإنسان سيرث نشاطه الهرموني والذي يؤثر في العديد من العمليات البيولوجية والفيزيولوجية والنفسية للإنسان . وهنا نتسأل هل يمكن أن يرث الإنسان صفة محورية معينة تؤدي في نهاية المطاف إلى وراثة شخصيته من والديه وسلالة عائلته ...؟!! المنطق وبحكم الاستنتاج يقول نعم ، ولكن لننظر إلى رأي الطب وعلماءه باعتبارهم أصحاب الاختصاص . هل تنقل الجينات الوراثية صفة محورية إلى الأبناء أو الأحفاد ..؟!! سنجيب عن هذا التساؤل المهم عبر ما تم أثباته علميا حيث ثبت طبيا وجود جين وراثي مسؤول عن رد فعل الإنسان في حالات الضغط النفسي ، ففي منتصف القرن الماضي أعلن أفالوم كاسبي من معهد الدراسات النفسية في جامعة لندن أن نقص جين (Stress-Gen) أو عدم وجوده في حالات الضغط النفسي (كفقدان العمل أو الطلاق أو حالات الاكتئاب النفسي أو الحزن الشديد ) فان الناس سيتصرفون بشكل مناسب وإيجابي للغاية دون خلق مشاكل (8). أذن فان الجين (Stress-Gen) هو الجين المسؤول عن الانفعال في المواقف الحساسة وعدم وجوده سيجعل من الإنسان فردا هادئا صبورا حكيما ..!!! كما اثبت باحثون ألمان في تجربة تمت على توءمين تم فصلهما بحيث عاش أحدهما في ألمانيا بينما عاش الآخر في الكونغو (9)، وبعد فترة طويلة وجد أن الانفعال والمورثات الجسدية والبيولوجية والصحية وبعض السلوكيات واحدة ولكن ما اكتسباه من البيئة مختلف فاختلفا . أي أن الشخصية هنا قد توارثت جينيا وليس بيئيا ولكن مع هذا فقد لعب الواقع المادي المعاش والعامل الديني والثقافي دورا مهم في صقل تلك الشخصية . ولمعرفة تأثير الجينات على الذكاء قام فريق طبي بنقل جين مرتبط بالذكاء إلى مجموعة من الفئران ، فأدى هذا إلى أن تلك الفئران زادت من قدرتها على السير في المتاهة التجريبية والوصول إلي الهدف. ومن الدراسات العلمية التي تناولت اثر وراثة في الخصائص العقلية كالذكاء ، هي الدراسة التي أجراها هرندون (Herndon) سنة 1954م (10)، حيث أثبت فيها ان للوراثة اثر مهم في تحديد مستوى الذكاء يمتد من 50 إلى 75% وهذه النتيجة تؤكد إلى حد كبير نتائج البحث الذي قام به بيركز (Berkes) 3، حيث بين أن أثر الوراثة في تحديد نسبة الذكاء يصل إلى 75% ، كما وافق دراسة هرندون دراسات العالم الأمريكي آثر جنسن (Jensen) الذي يعتقد أن حوالي 80% من الاختلافات بين الناس في الذكاء يمكن تفسيرها بالفروق الوراثية المباشرة بينهم 4 . كما كشفت دراسة جديدة بأن العوامل الجينية تشكل جزءا من السبب الكامن وراء محافظة بعض الأشخاص على ذكائهم مع التقدم بالسن . وذكر موقع هلث داي نيوز الأميركي أن الباحثين بجامعة أدينبورغ وجدوا عبر استخدام تحليل جيني واختبارات ذكاء لدى أشخاص بمرحلة الطفولة ولاحقا بمرحلة الشيخوخة ، أن العوامل الجينية والبيئية تلعب دورا في ما إن كان الشخص سيحافظ على معدل ذكائه أثناء حياته. وذكر الباحث المسؤول عن الدراسة إيان ديري أن قرابة ربع التغييرات في اختبارات الذكاء في فترة الحياة قد تكون بسبب عوامل جينية . واستخدم العلماء في الدراسة بيانات جينية تتعلق بـ1940 شخصا غير أقارب من أسكتلندا ، بالإضافة إلى معلومات بشأن اختبارات ذكاء أجريت لمن شملتهم الدراسة عندما كانوا في سن الـ11، وبعدها في سن الـ54 و68 و70 و79. ونظر الباحثون خاصة باختلافات في جزء من الحمض النووي يدعى (أس أن بي) ، حيث وجدوا بان هذا الحمض مرتبط بذكاء الأشخاص سلبيا وايجابيا على مدى الحياة. وقال ديري "استطعنا تقييم المساهمة الجينية بالاختلافات المتعلقة بالذكاء بين فترة الطفولة والشيخوخة لدى نفس الأشخاص". (11) . وأشارت صحيفة ديلي تلغراف إلى أن الباحثين من كينغ كوليدج بلندن قاموا بدراسة 45 خاصية طفولية لدى 6759 من التوائم المتطابقين وغير المتطابقين في أنحاء بريطانيا لتحديد ما إذا كانت جيناتهم أم بيئتهم أكثر تأثيرا. وكشفت سلسلة جديدة من خرائط "الطبيعة والتنشئة" أنتجها فريق العلماء أن بعض المناطق تشكل "نقاطا بيئية ساخنة" لخصال معينة، لكن في أماكن أخرى نفس الخصلة تكون محكومة في الغالب بالعوامل الوراثية ، فعلى سبيل المثال، في معظم بريطانيا كان 60% من التفاوت في سلوك الأطفال بالمدرسة (سواء كانوا عنيدين أم لا) مرجعه إلى جيناتهم الوراثية . لكن البيئة الاجتماعية في لندن لعبت دورا أكبر من الوراثة ، ربما لأن الثراء يتفاوت بدرجة كبيرة داخل المجتمعات ، بمعنى أن التوائم الناشئين في نفس الشارع أكثر ترجيحا لأن يتفقوا مع مجموعات مختلفة من الأصدقاء الذين يمكن أن يؤثروا في سلوكهم . وقال الدكتور أوليفر دافيس ، الذي قاد الدراسة في ويلكوم ترست ، إن هناك عددا من البيئات التي تتفاوت في بريطانيا ، ابتداء من البيئات الاجتماعية مثل الرعاية الصحية أو توفير التعليم مرورا بالبيئات الفيزيائية مثل الارتفاعات أو الطقس أو التلوث. وأضاف أن الرسالة التي تقدمها هذه الخرائط هي أن جيناتنا ليست قدرنا ، فهناك أشياء كثيرة يمكن أن تؤثر في كيفية تعبير جيناتنا البشرية الخاصة ، وأحد تلك الأشياء هو المكان الذي نترعرع فيه (12). كما يوضح العالم النفسي ستيفن بينكر، صاحب كتاب (( نظرية البلانك سلت : رفض الحداثة للطبيعة البشرية)) حيث يقول ((أن الطبيعة أو السلوك البشري قد تحدد قبل الولادة كجزء من الخريطة الوراثية البشرية التي تدعم بنيتنا الجينية )) ورغم أن أفكاره تراوح بين تداخل عوامل البيئة مع الجينات الوراثية في تحديد السلوك, إلا انه لا يزال مصرا على فكرته الرئيسية ((التجارب لا تستطيع بشكل جوهري تغيير طبيعة بنية وعمل العقل البشري)) ، (13). ومن خلال متابعتنا لتطورات علم الإندوكرينولوجيا وهو العلم الذي يعني بدراسة الغدد الصماء ونشاطها وإفرازاتها وأمراضها وعلاجها، فقد وجدنا أن للهرمونات دور آخر مهم وفعال في صياغة وتشكيل شخصية الإنسان وسلوكه ولكن أكثر غموضا وسرا، لأن المنظمات والجمعيات والمؤسسات الطبية وعلى مستوى العالم تمارس تعتيما علميا على هكذا قضايا وأبحاث بل أن علماء الوراثة يتهربون من هذه القضايا نظرا لما تثيره من موضوع مهم وحساس قد يعطي الدليل العلمي على صحة نظرية أدولف هتلر عن العرق ، والتي أثيرت حولها العديد من الاتهامات على عدم صحتها وعلى اعتبارها "نظرية عنصرية بشعة" استند النازيون إليها في رسم سياساتهم وبرامجهم ومخططاتهم "الإجرامية" على وصف ومزاعم أعداءهم ، والتي سيتم تناولها لاحقا . فمن أحدث الأبحاث التي خرجت إلى النور هو بحث العالم الألماني كيفن ديفس والذي يقول فيه ((إنه من الثابت تأثير المورثات (الجينات) من الناحية الجسدية فقد أوضح بحثه أيضا أن للمورثات تأثيرا في سلوك الإنسان وشخصيته ، وأن السلوك الإنساني المعقد يمكن أن تصوغه مورثة واحدة فقط)) ، فقد أجرى هذا العالم دراسة علي إحدى العائلات الألمانية التي تميز أفرادها بالسلوك العدواني ، وارتكب رجالها بشكل منتظم جرائم الاغتصاب وإشعال الحرائق ، فأظهرت الدراسة أن لديهم طفرة في مورثة مسؤولة عن ناقل عصبي يسمى (مونو آمين أوكسيداز) وهي طفرة نادرة جدا، وهنا نشدد الانتباه إلى أن الناقل العصبي المسمى بـ (مونو آمين أوكسيداز) هو عبارة عن هرمون في منطقة التقاء خلية عصبية بخلية عصبية أخرى (14). كما أثبتت دراسة علمية حديثة أجراها باحثون أمريكيون بجامعة بافلو، أن الجينات الوراثية تتحكم في شخصية وطباع الإنسان وفي كونه شخصا لطيفا أو أنانيا، مما لا ينفى أن يكون الإنسان قد ولد بتلك الطباع والخصال. وقال الباحثون القائمون على الدراسة التي نشرتها مجلة العلوم النفسية ، إن الإنسان لا يكتسب الطباع الحميدة مثل السلوك الحسن والقلب الطيب أو الطباع الخبيثة مثل الكذب والكره والأنانية من الأشخاص المحيطين أو البيئة التي نشأ بها ، بل هي خصال قد اكتسبها عبر الجينات الوراثية الخاصة بالأبوين أو أحد الأقارب. وأشارت دراسات علمية سابقة إلى وجود رابط بين هرمونات "الأوكسيتوسين" و"فاسوبريسين" وبين طريقة تعامل الأشخاص مع بعضهم البعض، خاصة في العلاقات شديدة الارتباط ، وقد أظهر هرمون "أوكسيتوسين" إشارات إيجابية حول تعزيز سلوك الأمومة ، وقد أجرى الباحثون بجامعتي بافالو وكاليفورنيا في أمريكا دراستهم لتطبيق النتائج السابقة على نطاق أوسع وأشمل لمعرفة هل كان لتلك المواد الكيميائية (هرمونات الأوكسيتوسين وفاسوبريسين) تأثير في تعزيز بعض السلوكيات مثل لطف الإنسان ووداعته وكونه محبا للتبرع بالأموال لصالح الأعمال الخيرية ..؟! وطلب الباحثون من المشاركين الإجابة عن أسئلة تتعلق بمواقفهم تجاه واجب المجتمع المدني ، مثل واجبهم الأخلاقي في الإبلاغ عن جريمة ، وهل يرون المجتمع مكانا جيدا أو سيئا ، وحول قيامهم بالأنشطة الخيرية، مثل التبرع بالدم أو الذهاب لاجتماعات مجلس الآباء والمعلمين . وشملت الدراسة 711 شخصا تم أخذ عينة من اللعاب الخاص بهم لتحليل الحمض النووي ، والتي أظهرت لديهم شكلا من أشكال هرمونات "الأوكسيتوسين و"فاسوبريسين" المتحكمة في سلوك الإنسان . وأظهرت النتائج أن هناك بعض المشاركين لديهم الجينات المتعلقة باللطف والمحبة والطيبة والتي تجعلهم أكثر عرضة لمساعدة الآخرين(15). كما بينت دراسة برينر بان الناقلات العصبية في بعض مناطق الدماغ مسؤولة عن تفعيل الأنماط السلوكية بحيث تربط بين السلوك الإجرامي والسلوك المعادي للمجتمع وبين المواد الكيميائية العصبية في الدماغ , وتشمل هذه المواد ( أدرينالين ، السيروتونين، والدوبامين) وقد وجد أن لها تأثيرا على الشخصية خاصة أثرها المباشر على القوى العقلية مثل القلق والاكتئاب والانفصام(16) . ومؤخرا قبل بضعة أيام (3/11/2012) وجد باحثون أمريكيون أن منطقة صغيرة من قشرة الفص الجبهي للدماغ حيث يحدث معظم التفكير والتخطيط كما تتولى هذه المنطقة من الدماغ مسؤولية التحكم لحظة تلو اللحظة بأي عادة يتم تفعيلها في وقت معين ، فربما سيتمكن الإنسان في المستقبل من التوجه إلى الطبيب لطلب "إغلاق" أو "إيقاف" عادة التدخين لديه . هذا التصور خرجت به دراسة جديدة لعلماء الأعصاب في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في الولايات المتحدة الأميركية تهدف لإيجاد المفتاح الرئيسي في الدماغ الذي يتحكم في العادات. ومن المعروف أن العادات القديمة لا تموت بسهولة لأنها تكون مزروعة في أعماق الدماغ ، وهذا شيء إيجابي في بعض النواحي لأنه يسمح للدماغ باستغلال الطاقة في أمور أخرى في الوقت الذي يحدث فيه سلوك معتاد بأقل جهد من التفكير مثل قيادة السيارة إلى العمل. لكن في حالات أخرى يمكن للعادات أن تدمر حياتنا، كما يحدث أحيانا أن ما كانت تعتبر في يوم ما عادة مفيدة تستمر حتى لو لم تعد ذات فائدة. وتمكن فريق معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا من محاكاة هذا السيناريو بإجراء تجارب على فئران تم تدريبها على الجري في متاهة على شكل"T"، وعند وصول الفئران لنقطة معينة تسمع نغمة معينة تحدد ما إذا كانت الفئران ستجري يسارا أم يمينا ، وعندما تتجه نحو مسار الصحيح (الأيسر) يتم مكافأتها بحليب الشوكولاته ، أو بماء محلى إذا استدارت يمينا. ولإظهار أن السلوك أصبح عادة ، توقف الباحثون عن منح الفئران المدربة المكافأة ، فوجدوا أن الفئران استمرت في الجري في المتاهة بشكل سليم . ثم قدم الباحثون للفئران حليب الشوكولاته وهي في أقفاصها لكنهم خلطوه بكلورايد الليثيوم الذي يسبب غثيانا خفيفا ، فوجدوا أن الفئران استمرت في الجري يسارا عند سماعها الإشارة لكنها توقفت عن شرب حليب الشوكولاته. وبعد أن أظهرت الفئران أن هذه العادة تأصلت لديها بشكل كامل ، أراد الباحثون معرفة ما إذا كان يمكن كسرها عن طريق التدخل بجزء من قشرة الفص الجبهي المعروفة باسم أنفراليمبيكInfralimbic(IL) . ورغم أن المسارات العصبية التي ترسل شفرات السلوك المعتاد تكون موجودة في أعماق هيكلية الدماغ المعروف باسم العقد القاعدية ، فإنه تبين أن قشرة "IL" ضرورية كذلك لتطور مثل هذه السلوكيات. وباستخدام علم البصريات الوراثي (optogenetics)، وهو تقنية تسمح للباحثين بتثبيط نشاط خلايا معينة بالضوء ، "أوقف" الباحثون نشاط قشرة "IL" لثوان عدة عند تجاوز الفئران النقطة في المتاهة التي تقرر فيها أي طريق ستسلك. وعلى الفور توقفت الفئران عن الجري إلى اليسار (الجانب الذي يتضمن حليب الشوكولاته). وهذا يشير إلى أن إيقاف قشرة "IL" حوَّل أدمغة الفئران من "نمط الاستجابة الآلية إلى نمط معرفي أو تشاركي أكثر، يحلل ما الذي يجرون من أجله بالضبط"، حسب قائد فريق مؤلفي الدراسة كايل سميث. وبمجرد كسر عادة الجري نحو اليسار، شكلت الفئران عادة جديدة بالجري نحو اليمين في كل مرة حتى عندما أشير إليها بالتوجه إلى اليسار. وأثبت الباحثون أن بإمكانهم كسر هذه العادة الجديدة مرة أخرى بتثبيط قشرة"IL"باستخدام الضوء. وتفاجئوا بأن هذه الفئران استعادت عادتها الأصلية بالجري يسارا عند التأشير إليها بالقيام بذلك. وحسب هؤلاء الباحثين فإن ما يعنيه هذا الاكتشاف أنه بالإمكان كسر العادات القديمة لكن لا يمكن نسيانها ، فتحل محلها عادات جديدة لكن العادة القديمة تظل كامنة ، ويبدو أن قشرة "IL" (المفتاح الرئيسي) تفضل العادات الجديدة على القديمة. ويقول الباحثون إن أمامهم طريقا طويلا قبل اختبار هذه التقنية على البشر، لكن في نهاية المطاف فإن من الممكن أن تتطور التقنية إلى الدرجة التي قد يصبح فيها التعامل مع العادات خيارا مجديا لمعالجة الاضطرابات التي تنطوي على تكرار مفرط أو سلوك مدمن ، وذلك حسب أستاذة المعهد آن غرابيل عضو معهد مانكغوفرن لأبحاث الدماغ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (17). أذن فان رأي أصحاب الاختصاص من علماء الطب عموما والوراثة خصوصا قد اثبت لنا وبما لا يقبل الشك ، بإمكانية وراثة الإنسان لطباعه ومشاعره وأحاسيسه وعادته من والديه وسلالة عائلته ، وذلك بحكم جيناته الوراثية ونشاطه الهرموني الموروث . ولكن مع هذا كله ، وحتى تكتمل دراستنا عن تأثير العنصر الجيني الوراثي في حياة الإنسان عموما ، وفي صياغة تكوينه الفكري والعقائدي وخياراته وقراراته خصوصا ، فينبغي علينا أن نتحرى أكثر على مدى تأثير الوراثة في عملية تفكير الإنسان وفي صياغة تكوينه الفكري والعقائدي وفي تحديد خياراته واتخاذ قراراته ، وهو ما سنتناوله في الحلقة القادمة ، فابقوا معنا .. الهوامش : 1- يوجد عده تعريفات للشخصية فيمكن تعريفها بمجموعة من أساليب التفكير والتصرف واتخاذ القرارات والمشاعر المتأصلة والفريدة لشخص معين. بدأت دراسة وتحليل شخصية الإنسان من اليونانيين القدماء وخاصة من أبقراط الذي اعتقد أن الأختلاف في الشخصيات بين بني البشر يرجع إلى اختلاف نسب ما وصفه بالسوائل الحيوية الأربعة ، وهي حسب أبقراط: الدم ، والمادة الصفراء من مرارة الإنسان ، والمادة السوداء من مرارة الإنسان والبلغم ، فعلى سبيل المثال اعتقد أبقراط أن "الشخصية الدموية" يكون ذات صفات متفائلة ومحبة للمغامرة بعكس "الشخصية البلغمية" التي تكون غير مبالية. بعد أبقراط حاول أرسطو تحليل الأختلاف في الشخصيات فقام بتفسيرها حسب قسمات الوجه والبناء الجسمي للشخص ، فعلى سبيل المثال اعتقد أرسطو أن الأشخاص ذوي البنية النحيفة يكونون عادة خجولين . وقام داروين بتحليل الشخصية كعوامل غريزية اكتسبها المرء من غرائز البقاء الحيوانية . أما سيغموند فرويد فقد حلل شخصية الإنسان بصراع بين الأنا السفلى والأنا والأنا العليا. وفي الوقت الحالي يعتبر عاملا الوراثة والمجتمع المحيط بالفرد من أهم العوامل التي تبني شخصية الإنسان. و عرف مورتون الشخصية بأنها حاصل جمع كل الاستعدادات والميول والغرائز والدوافع والقوي البيولوجية الموروثة وكذلك الصفات والميول المكتسبة . بينما اعتبرنا نحن في دراستنا هذه بان شخصية الإنسان هي مجموعة من القدرات والاستعدادات الفكرية والعاطفية الناتجة عن تفاعل عقل الإنسان وما يحويه من أفكار وعقائد ومشاعر وأحاسيس مع جملة من المؤثرات المادية والدينية والثقافية والوراثية. كما ننصح القارئ الكريم بالاطلاع على تعريف الويكيبيديا لشخصية الإنسان. 2- الناقلات العصبية (Neurotransmitters) : 3- السيروتونين (Serotonin) : 4- الدوبامين (Dopamine) : 5- الإندورفينز (Endorphins) : 6- الاكسيتوسين (Oxytocin) : 7- الجريلين (Ghrelin) : 8- أخيرا اتفق علماء الوراثة والدين الجينات مسئولة عن سلوكيات طفلك 9- المصدر نفسه. 10- شفيق علاونة ، سيكولوجية التطور الإنساني، ص 190. 11- الجينات وراء المحافظة على الذكاء 12- شخصية الإنسان .. من التنشئة أم الجينات؟ 13- د. سالم موسى ، السلوك البشري .. بين البيئة والجينات الوراثية 14- هل الأخلاق جبلة أم تطبع ؟ 15- الجينات الوراثية تتحكم في شخصية وطباع الإنسان 16- د. سالم موسى ، السلوك البشري .. بين البيئة والجينات الوراثية 17- دراسة: إيقاف العادات السيئة في الدماغ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته الرفيق رأفت علي والمقاتل النسر rafat_ali2009@yahoo.com بغداد الجهاد