بداية العراقيون بعد ان عانوا من نتاجات العملية السياسية ( دستور ومجلس نواب وحكومة ومجالس محافظات ) لدورتين ولم يحصدوا من خلالها الا المزيد من الدمار والعنف والفساد، لم تعد تعني لهم الانتخابات شيئا، بل يحسبونها مهزلة من مهازل العراق الديمقراطي الجديد والشارع العراقي بشكل عام رافض للمشاركة الانتخابية بعد ان غرق في بحر من الإحباط واليأس المطبق. مع هذا يتسابق ساسة من داخل العملية السياسية وخارجها بشكل مبكر بتشكيلات وعناوين جديدة للمشاركة بانتخاب مجالس المحافظات في نيسان المقبل وبعدها انتخابات مجلس النواب فما السر في هذا الإقبال والتسابق على خوض الانتخابات وهل هناك دوافع مشتركة لهذا التسابق بالرغم من تصاعد الخطاب الشعبي بالعزوف عنها؟. 1. من المؤكد ان الانتفاع المادي والاستغلال الشخصي لإشغال هذه المقاعد وما توفره لشاغليها من منافع وعقود وامتيازات تشكل دوافع مغرية لكل الساسة وحاشياتهم الذين يحسبون اليوم على العملية السياسية القائمة كما تشكل احوال ما آلت اليه اوضاعهم عما كانت عليه سابقا دوافع تستقطب الكثير من الباحثين والراكضين وراء المال والجاه والسلطة والمنصب ممن هم خارجها اليوم بالأخص عندما يجد هولاء الراكضون ان الاندراج بالعملية الحالية لا يتطلب مهارات او خبرات ومؤهلات عالية بحيث اصبح إشغال مثل هذه المقاعد غاية لكل من هبَّ ودبَّ. وحين يجد هولاء الشخوص ان مردودات المواقع والمقاعد كبيرة، تجدهم جاهزين لدفع مستلزمات المشاركة المادية والمالية في قوائم وتشكيلات امتهنت الخبرة في جباية الاموال وفق مناطق الترشيح والأسيقية في تسلسل القائمة. 2. النواب الذين لم يحصلوا في الإنتخابات السابقة على القاسم الانتخابي وتم اسناد مقاعد تكميلية لهم لن يترددوا في الترشح ثانية بلا خجل بل سيكونوا على استعداد لدفع اضعاف ما دفعوا سابقا للحصول على تجديد الحصول على مقعد. 3. الصراع الذي حصل في الدورة الحالية داخل الكتل السياسية كان جوهره المصالح الشخصية وليست المصالح الوطنية وسياسة المالكي في حماية من اجتذب من شخوص واغداقهم بالمال والامتيازات لقاء كسبهم الى جانبه سيؤدي الى تغيير جذري في طبيعة التحالفات الجديدة ولذلك بدأت قيادات كتل داخل ائتلافات القوائم تبحث عن شخوص و وجوه جديدة ترشحها للإنتخابات القادمة. ستتغير ائتلافات لكتل وشخوص عديدة ضمن ما جرى من تغيير في مواقف عديدة، كان ممكنا ان يحدث ذلك بلا استغراب وكما يحدث في كل الساحات السياسية الدولية من انشقاقات وتحالفات وفقا لمصالح وطنية او لتطورات في استراتيجيات الاحزاب والتجمعات لكن ما حصل في العراق من صراعات واصطفافات لم تتحكم بها الا المصالح الشخصية والامتيازات الفردية دون ان يكون للفكر او المبدأ او المصلحة الوطنية تبريرا او اعتبارا لحصولها. 4. الإدارة الأمريكية ونظام الملالي في إيران وسياسة حزب الدعوة والمالكي بالذات متوافقة فيما بينها وحريصة على استمرار طبيعة الصراع الطائفي على السلطة في العراق لأنه الصراع الآطول والأمثل لتأجيج الأزمات في العراق وفي المنطقة والذي سيؤسس في اعتقادهم للتقسيم ونشوء دويلات الطوائف والمكونات في المنطقة، يقول احد قادة التحالف الوطني حاليا ( لسنا بصدد وضع برامج انتخابية جديدة ولا إحداث تغييرات جذرية في سياستنا القادمة، ما يشغلنا اليوم فيما يخص الانتخابات القادمة هو احداث تكتل سياسي سني معارض في الدورة القادمة يضمن بقاء الولاء الطائفي الذي نحظى به الان ونحن على قمة السلطة، وشعور ابناء الطائفة بوجود منافسة طائفية هو الضمانة بوحدة الصف الشيعي والتفافه حول ممثليه )، ولهذا تتجدد الدعوات لنشوء مرجعية سنية وتكتلات بديلة لشخوص وساسة سنة من غير الإسلاميين للتوافق مع واجهات الاسلام السياسي السني ودخول الانتخابات بصيغة ( ضد نوعي ) منافس للتحالف الشيعي. 5. كل الكتل والقوائم التي دخلت الانتخابات السابقة شاركت فيها بعناوين وطنية وتبنت اجندات الوحدة الوطنية وتعديل الدستور وتشريع قوانين مدنية وعصرية والقضاء على الفساد، لكن هذه الطروحات لم تتحقق واستمرت سياسات التمييز الطائفي وتفشى العنف والفساد ودمار البنية التحتية بل تمخضت عن صراعات داخل التحالفات نتج عنها تفرد كتلة حزب ديني مرجعي بالسلطة التنفيذية والقضائية. ومن المؤكد ان الناخب العراقي وفقا لما حدث يشعر بخيبة أمل كبيرة بمن انتخبهم بسبب استمرار النقص والخلل في معظم نواحي الحياة وبناها التحتية ناهيك عن المرض والفقر والجهل والبطالة التي تطول آفاتها القاتلة معظم ابناء الشعب وتعم جميع المحافظات في حين لا يكاد ان يكون اي وزير او نائب قد سلم من تهمة اختلاس او مقاولة وهمية او بيع عقد او منصب او الولاء لهذه الدولة او تلك ناهيك عن رواتبهم ومخصصاتهم وسفراتهم وحماياتهم. 6. يقول طارق الهاشمي في اخر تصريح له قبل يومين بمقابلة صحفية سعودية ( إنه غير متفائل ولا يرى اي فائدة او تغيير سيحصل من خلال الانتخابات القائمة ) طبعا كان الهاشمي في الجولة السابقة اكبر الحاصدين لأصوات السنة والناشطين في استقطاب الناخبين من خلال جولات الدعاية التي أجراها. ما الذي جرى كي يغيير الهاشمي رأيه في الانتخابات والعملية السياسية غير الذي تعرض له من مطاردة شخصية واحكام جائرة ونسى الهاشمي ان ماجرى له هم جزء مما طال شريحة ناخبيه من مطاردات واعتقالات ومداهمات لم يستطع لدورتين انتخابيتين وهو يشغل اعلى المناصب من أن يحقق لهم شيئا يذكر. مسؤول كبير من العراقية في السلطة يقول ( لا حل لنكبة العراق إلا بمعجزة )، هل لهولاء الساسة سلوك الأنبياء وخلق الأولياء كي يحققوا للعراق المعجزات؟ وإذا كان ما يقوله هذا القيادي صحيح، لماذا الاستمرار بهذه السلطة، ولماذا الاستقتال على خوض الانتخابات القادمة أذا كنتم انكم غير قادرين ان تفعلوا شيئا؟. هذه المواقف تعكس حقيقة ان دوافع الساسة للمشاركة والاستمرارفي العملية السياسية لا تتحكم فيها مصالح الناخبين او الشعب بقدر ماهي مصالح شخصية وذاتية. 7. بقاء الدستور الحالي ودور المحاصصة الغادرة بالنسب المتحكمة للطوائف والعرقيات في تشكيل مفوضية الانتخابات وعدد النواب بلا ثوابت إحصائية واتباع نظام القوائم وعدم وجود قانون انتخابات رصين ولا قانون أحزاب منضبط ناهيك عن التدخلات الإقليمية والأجنبية ودورها في تشكيل التحالفات وإدارة النتائج بالتزوير والخداع، تؤكد فرضية خطاب المناهضين والمعارضين من أن الانتخابات عملية غير ديمقراطية وأسلوب زائف للمجيء بمن دب وهب كواجهات سياسية يقال عنها شكلا وبهتانا انها تمثل شرائح الشعب ومكوناته. 8. ضمن توجه الاحتلال وأدواته الخبيثة في الحرص على ان تكون سمة الانتخابات القادمة طائفية وبراعتهم في خلق الأضداد، من المؤكد ان الأطراف والكتل والشخوص المستقلة والعلمانية واللبرالية ستتعرض لتراجع كبير وتواجه صعوبات في الحصول على مقاعد نيابية في معركة شراء الاصوات بالمال وذريعة درء المفاسد وتحقيق المصالح للطوائف وسيبقى التحالف القائم على سداد السلطة وربما بغالبية أكبر وبالتالي ستكون نتائج انتخابات كهذه وفي ظل الأجواء التي ستجري فيها وخيمة لتكون خطوة الى الوراء في المقاييس الوطنية و ستثبت الإنفراد بالسلطة. 9. سيلعب المال لعبته القذرة في الانتخابات القادمة بعد أن أثرى معظم الشركاء في العملية السياسية إثراء فاحشا وسيخصص قسم كبير من هذا المال من اجل التجديد للمقعد لمعظم الاطراف المشاركة وسيستخدم هذا المال مع السلطة للترهيب والترغيب وشراء الاصوات وتزييف النتائج ناهيك عن تأثيرها المباشر في خلق اصطفافات وكتل جديدة وتغيير في طبيعة الشركاء نحو المزيد من التفرد والتعسف والتمييز الطائفي والعرقي. 10. يراهن الكثير من شركاء العملية السياسية ان الشعب العراقي سينسى معاناته وسيغفر لهم تقصيرهم وسوء اعمالهم بما سيوضفون من مال ويفتعلون من احداث وأزمات قبيل الانتخابات بفترة وجيزة، لكن غالبية الشعب لن تنساق ولن تعد تثق بمصداقية الغالبية من هولاء الشركاء، ومن المؤكد ان العزوف عن المشاركة فيها سيكون كبيرا ودرسا قاسيا لهولاء الساسة. إن على القوى المناهضة للإحتلال وجميع القوى الوطنية التي لا تؤمن بالطائفية وتحرص على وحدة العراق وهويته وبجميع اطيافها السياسية الواسعة قومية و لبرالية وديمقراطية و يسارية و دينية نظيفة لن تقع في مصيدة الانتخابات ومهزلتها وعليها أن لا تدخل الانتخابات في ظل دستور معلق لا يمكن تعديله ومفوضية انتخابات تحاصصية وغياب لقانون الأحزاب وقانون عصري للإنتخابات وفي ظل سلطة متفردة طائفية كي لا تشرعن هذه الانتخابات ونتائجها هذه العملية السياسية الفاشلة ولا تتكرر مهزلة أحسن السيئين أو القبول بأهون الضررين وعليها ان تتسلح بخطاب موحد واضح يكفر بشرعية الانتخابات وبضررها وعدم امكانيتها لتحقيق التغيير او تحقيق المنفعة، إذ لم تعد هناك منطقة وسطى ضبابية ولا احلام وردية يمكن ان ترتجى ممن سرق ونهب وقتل ودمر وعذب وتجبر وتفرد، إلا بالمعارضة والمناهضة والمقاومة الوطنية الصادقة. الانتخابات القادمة ( قد لا تجرى إذا أراد الله لهذا الشعب خيرا وتغييرا وخلاصا من عملية سياسية فاسدة وخائبة قبل فوات الاوان بحكم ما تنبئ به المتغيرات في المنطقة من نتائج واحداث )، إذا أجريت في ظل هذه السلطة وتبعيتها لن تثمر إلا بالمزيد من الويلات وخيبة الأمل لشعبنا المنكوب والمزيد من التضحيات بالأرواح والثروات ولن تؤسس إلا للمزيد من طائفية وتفرد السلطة والعنف والفساد والتدمير، "اللهم إني بلغت فاشهد".