بعد أن فقد "دولة رئيس الوزراء" العراقي بريقه وأصبح مسماراً صدأً في باب العملية السياسية التي تشكو هي ذاتها من الصدأ، وبعد الأنهيارات الأمنية التي تأكل من جرفه، وبعد كل المناوشات السياسية الخجولة والجريئة مع طواقم العملاء من التيارات الأخرى، وبعد كل فضائح الفساد والتستر على المسؤولين الفاسدين، أصبح لزاماً على "دولة رئيس الوزراء" أن يعيد تلميع صورته أمام الناخبين الذين يستعدون لأجراء جولة جديدة من عملية خداع النفس والجمهور وتغطيس الأصابع بسائل الأستغفال، ومن ثم الندم. نقول لابد لفريق المستشارين المحيط برأس العملاء في العراق أن يعيد تقديم المالكي بثوب جديد لا يشبه ثوبه القديم الذي أصبح مطرزاً بأعدامات الجملة وأنتهاكات حقوق الأنسان الممنهجة وترويع الخصوم والأعداء والأصدقاء على حد سواء، والذي كان مفصلاً عليه تفصيلاً طائفياً يليق بـ"دولته". فقد سئم الشعب طلعته البهية واعماله الردية وبات يبحث عن وجه جديد أقل قباحة وإجراماً من باب "أحسن السيئين" فكلهم وسيء وانظفهم وسخ ! وبدأت عملية التلميع هذه بتصريحات المالكي التي يؤكد فيها على سيادة القانون وكونه فوق الجميع ناسياً ومتناسياً أن كل الفاسدين من أعضاء حزبه قد مرّوا من تحت هذا القانون الذي يتحدث عنه دون أن تخدش جلودهم أو ينتف ريشهم. وترافقت مع التصريحات هذه عمليات ضخ مكثفة في الصحافة المحلية والقنوات الفضائية العميلة والطائفية تشيد ب"حكمة وحنكة" هذا المالكي دون التحدث عن دهائه في الأيقاع بخصومه ممن كانوا يتقاسمون معه كعكة الفساد بالأمس القريب. ومنذ ايام بدأت على الأنترنيت عملية تداول لبريد إلكتروني يوضح حالة الفساد الكبرى التي رافقت صفقة السلاح المزعومة مع روسيا وعن تورط مسؤولين كبار من الجانبين العراقي والروسي فيها، ولكن المالكي وطبقاً لهذا البريد الأليكتروني قد وقف في وجه الصفقة وطالب الرئيس الروسي وبكل شجاعة (؟) أن يكشف له عن اسماء الفاسدين والمرتشين، وكأنه ليس شريكاً لهم. وهنا تم تقديم المالكي كمسؤول نزيه حريص على أموال بلده يبذل جهده لكشف المرتشين وقابضي العمولات. ولا ندري اين كان "دولته" عندما صرف العراق ماقيمته 475 مليار دولار كموازنات سنوية في دولة لم يتبق فيها شيء من بنى تحتية ولا خدمية مما كان قبل الاحتلال وأكثر من نصف شبابه عاطل عن العمل. ولكي لا نطيل، فملفات الفساد لو فتحت فأنها ستستغرق مساحات كثيرة، جاء موضوع البطاقة التموينية وإلغائها بقرار من مجلس الوزراء. فقد ثارت ثائرة المواطنين الفقراء المتضررين اصلاً ببطاقة أو بدونها وهددوا بالتظاهر!!! وبدأ نوع من التحرك الجماهيري الخجول احتجاجاً على قرار المجلس، وصحا مجلس النواب من سباته ليعلن استنكاره للقرار، وتوالت تصريحات مخزية من مسؤولين بعض منها يؤيد القرار ويبرره والآخر منها يستنكره رغم أن الجميع شركاء في الجرم. ثم ماذا؟ ما نخشاه أن تطلع علينا ماكينة الاعلام الرسمي في العراق لتقول أن المالكي لم يكن يعلم بالقرار ( رغم أنه رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والداخلية والأمن الوطني ) وأنه واستجابة لصرخات المظلومين وصيحات الجياع وتلبية لحاجات شعب العراق الجريح قرر"دولة رئيس الوزراء" إلغاء القرار وإعادة البطاقة التموينية وزيادة كمياتها وتحسين مفرداتها. وأنه اي المالكي سيتعهد شخصياً بإيجاد الموارد المالية اللازمة لأدامة العملية وتحسينها - وكل هذا طبعاً كلام للاستهلاك المحلي ولن يجد طريقاً للتنفيذ. ولكن الأسوء أن كثيراً من الشعب سيبلع الطعم ويصدق أن المالكي هو نصير المظلومين ومنقذ الجياع. إننا مازلنا نأمل خيراً في الواعين من أبناء شعبنا، وإن عليهم أن يتحركوا في الأتجاه الصحيح لكي يرتد السحر على الساحر، فالكل يعلم أن كثيراً من الحكام قد أستطاعوا خداع شعوبهم لبعض الوقت ولكن. فمالذي حصل بعد ذلك؟؟؟ إقرأ التاريخ فعنده الخبر اليقين.