مقدمة الحلقات : الوقائع الواردة في حلقات هذه الدراسة سوف تتناول زيف وخداع وتضليل ماكنة السياسة الأميركية ومن ورائها بعض الإعلام المسيس على عكس الإدعاءات الباطلة التي تروّج لحرية الإعلام والصحافة . الزيف والخداع والتضليل على كافة الأصعدة إبتداءا من صناعة القرار السياسي المعلن للرأي العام ومروراً بحرية الصحافة وإدعاءات حقوق الإنسان ووقوفا عند عمليات تعذيب المعتقلين البشعة واللاإنسانية في سجون السلطة داخل الولايات المتحدة أو سجون الإحتلال خارجها وربما ليس إنتهاءا ببريق الديموقراطية الذي تعلنه وتتغنى به تصريحات المسؤوليين الأميركان كجزء منظم من حملة التضليل والتزييف المنظمة هي الأخرى . الدراسة إستندت على وقائع وحقائق مثبتة وموثقة بالأسماء مصادرها مستقاة من تقارير ومقالات نشرت في كبريات الصحف العالمية المستقلة ومن برامج تلفزيونية تم بثها على محطات فضائية عالمية إضافة الى كتب تم نشرها في هذا الخصوص . هذه المصادر سيتم تثبيتها في نهاية الدراسة لمن يريد الإطلاع عليها والإستزادة من التفصيلات . فالموضوع إذن ليس سردا مجردا ولا من وحي الخيال بل وقائع موثقة قد تصيبكم بالذهول كما صدمتني شخصيا وأنا أمضي بين سطورها . الدراسة سوف تغطي سبع مواضيع رئيسية وعلى عدة حلقات ومن عدة أقسام ، وكما يلي : 1- التزييف في الحرب العدوانية على العراق . 2- التعذيب وأكذوبة حقوق الإنسان آ- القسم الأول : عتاة المجرمين والقتلة تم توظيفهم سجانين في سجن أبي غريب . ب- معتقلون بإسم القضاء .. قضية معتقل إسمه ماهر عرار مثالا . ج- معتقلون بإسم القضاء .. قضية معتقل آخر إسمه خالد المصري مثالا . د- قضايا أخرى " قضائية " مخزية . 3- الفلوجة 4- تسييس الإعلام لإخفاء حقائق قتلاهم والهاربين من الخدمة العسكرية في العراق . 5- سياسة جورج بوش الرعناء . 6- قصة " هاييتي " . 7- حرب بوش المستمرة على الصحافة ومحاولة خنق الكلمة الحرة . * * * * * * * * * * * الفلوجــة الجريمة في عصر الإنحطاط السياسي والأخلاقي ( الحلقة الثامنة ) على الرغم من مرور سنوات على جريمة الفلوجة والتي تم التخطيط والتنفيذ لها من قبل قوى الشر والإجرام الأميركية في عهد حكومة الإحتلال برئاسة العميل أياد علاوي .. أقول في عهد ذاك لأنه كان رئيسا موقتا لحكومة الإحتلال ، إلا أنها كانت ستقع تحت أي حكومة أخرى من صنيعة المحتل سواء الجعفري أو المالكي أو أي عميل آخر ، لأنها أصلا رغبة الإدارة الأميركية في ظل ولاية المجرم جورج بوش . كتب الكثيرون عن التفاصيل المروعة لتلك المجزرة ، ونشرت حولها أفلام وصور يندى لها جبين الإنسانية .. ولازالت آثارها وما تركته من تشوهات خَلقية على الأجنة في بطون أمهاتهم ومضاعفات سرطانية قاتلة شملت العديد والعديد ولا تزال الجريمة مستمرة حتى يومنا هذا .. كل ذلك بسبب إستخدام الجيش الأميركي لأسلحة فتاكة محرمة دوليا مثل اليورانيوم المنضب والقنابل الفسفورية والعنقودية ضد المدنيين في مدينة صغيرة حفرت إسمها في ذاكرة الإنسانية إسمها الفلوجة . تماما كما حفرت المقاومة العراقية أسطورة في ذاكرة التاريخ على الرغم من كل الأسلحة الفتاكة للقوات الغازية وحتى تلك الخيانات التي واجهتها . اليوم أنقل لكم في هذه الحلقة من هذه الدراسة صورا أخرى عن هذا الموضوع ، لادخل فيها للعاطفة أو الغضب ، رغم أن ماأكتبه في منتهى الألم . فأنا هنا سأنقل لكم وجهات نظر وقصص وتحليلات من صحافة وإعلام الغرب وتحديدا من أميركا . وتبدأ قصتنا من هنا : بدأ التخطيط فعليا لضرب الفلوجة عام 2003 . وبدأت حرب الخداع النفسية بعد ذلك بفترة وجيزة ومع بداية عام 2004 . كانت الإدارة العسكرية الأميركية تنظر الى المهمة من جانبين .. أولهما جهلها الإستخباري بالكثير من المعلومات المتعلقة بالمقاومة العراقية ، وثانيهما ملاحظتها لتواتر إزدياد القتلى الأمريكيين لاسيما في منطقة الأنبار ( على سبيل المثال فقط ، أسقطت المقاومة العراقية بتاريخ 2 تشرين الأول / اكتوبر ، مروحية شينوك أمريكية أدت الى مقتل 16 جنديا امريكيا وجرح 26 آخرين .. ) . لذلك أعدت خططها إبتداءا من العمل الإستخباري وانتقالا الى الهجوم العسكري . لقد كانت كل الدلائل تشير الى أن الأميركيين شعروا أنهم أمام تحدٍ كبير وهم في أشهرهم الأولى من الإحتلال ، وكأن تجربة فيتنام القاسية كانت لاتزال تعشعش داخل الفكر العسكري الأمريكي رغم مرور أربعين عاما على إنقضائها . أول خطوة تمت مع أواخر عام 2003 ، حيث منعت تعليمات البنتاغون السرية لنفس العام والخاصة بسياسة عمليات المعلومات ، الجنود الأمريكيين من إدارة العمليات النفسية الموجهة الى الإعلام . كان القرار بتوقيع دونالد رامسفيلد . ولكن ماكانت تضمره الأجهزة الإستخبارية الملتحقة برامسفيلد والمتمثلة بمستشاريه هو العكس تماما .. أي إستخدام الإعلام لنشر الأكاذيب . في الحقيقة ، لم تكن تلك هي التجربة الأولى في السياسة الرعناء التي قادها جورج بوش وإدارته لاسيما دونالد رامسفيلد وزير دفاعه . قبل ذلك بحوالي ثلاث سنوات ، وتحديدا في الرابع والعشرين من أيلول / سبتمبر 2001 ، أي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر باسبوعين أبرزت صحيفة الواشنطن بوست إعتراف الضابط الأميركي " هوارد كيرتز " حينما قال : " هذه الحرب هي الحرب الأعلى من حيث التكثيف في المعلومات والتي يمكن لأي شخص تصورها .. يجب أن نكذب حول الكثير من الأمور ..!! " ذلك التصريح أعتبر في وقته كشف للصحافة فيما يتعلق بالحملات النفسية للجيش . في موضوع الإعداد لمعركة الفلوجة .. تم عكس التكتيك وبالصورة التالية : من على شاشة فضائية " سي . أن . أن " ظهر متحدث بإسم جنود البحرية الأمريكان "المارينز" وهو الملازم الأول " ليلي جلبرت " في شهر آذار / مارس 2004 ليصرح مايلي : { أن القوات الأميركية قد بدأت عملية كبيرة للسيطرة على المدينة العراقية ، الفلوجة .. وقد قطع الجنود خط المغادرة } وأضاف : { ستكون ليلة طويلة } !! في الحقيقة لم يكن غزو الفلوجة قد بدأ ، بل أنه كان من المقرر أن يبدأ بعد ثلاثة أسابيع من ذلك التاريخ . بعد أن بدأ الهجوم فعلا ، وبعد ثلاثة أسابيع ، خرجت صحيفة " لوس أنجلوس " لتقول : ( إن إعلان جلبرت المرتب بعناية كان عملية نفسية تهدف الى خداع المتمردين " هكذا أسمتهم " في الفلوجة ، والسماح للقادة الأمريكيين رد فعل رجال العصابات " هكذا أسمتهم أيضا " في حال صدّقوا أن الجنود الأمريكيين سيدخلون المدينة . ) في نيسان / ابريل 2004 أطلقت الولايات المتحدة أول هجوم كبير لها على الفلوجة ، متخذة ذريعة مقتل أربعة من المرتزقة وهم عسكريين يعملون في شركة الأمن الخاصة " بلاك ووتر " ولكن في حقيقة الأمر ، لم يكن لمقتل هؤلاء كما أعلنت الدعاية الأميركية ، أي علاقة حقيقية بالهجوم لأن ذلك كان قد أعد له فعليا في أواخر عام 2003 في دهاليز إستخبارات رامسفيلد وكما رأينا . نحن هنا نتكلم عن معركة الفلوجة الأولى التي إنتهت الى كارثة للقوات الأميركية على يد المقاوميين العراقيين . كان ذلك الحادث أي قتل جواسيس البلاك ووتر نقطة مهمة لتحفيز الروح الإنتقامية لدى القوات الأميركية بهذه الروح بدأ الهجوم على مدينة تضم 300 ألف شخص . وبهذه الروح وقف الجنرال " مارك كيميت " المتحدث العسكري بإسم قوات الإحتلال في بغداد ليكرر بعد الإندحار المخزي لقواته : ( سنعود الى الفلوجة وسيكون ذلك في الوقت الذي نختاره ..!! ) .. وأضاف : أنه سوف يجلب السلام الى هذه المدينة (!!) نعم .. السلام على الطريقة الأميركية تحت إدارة إبن تكساس . ولنسمع من أفواههم وعبر صحافتهم وإعلامهم كيف كانت عملية السلام في الفلوجة . تمت محاصرة المدينة وضربها وقتل في تلك الضربة الأولى 600 عراقي وجرح أكثرمن 1000 شخص . قالت القيادة الأميركية أن أولئك هم أعضاء من المقاومة .. في حين جاءت تقارير الإعلام لتؤكد أن معظم القتلى والجرحى من المدنيين.. وعلى الرغم من ذلك أصرت القيادة الأميركية عدم وجود أي مدني بين القتلى الستمائة مع أن المعارك دارت في قلب المدينة المكتضة بالسكان . كان برهان القيادة الأميركية على صحة أقوالها هو أن 95% من القتلى هم من الذكور وفي سن الخدمة العسكرية ..!! فضح الصحفيان البريطانيان روي مكارثي وجوليان بورجر على صحيفة " الغارديان " في عدد 12 نيسان 2004 كذب الرواية الأميركية . وكذلك فعل جيفري كاتلمان في مقاله على صحيفة "نيويورك تايمز" عدد 2 مايس 2004 وتحت عنوان " في قلب الفلوجة " أثناء النهار أخذت مروحيات " سوبر كوبرا " تحوم فوق المدينة وتطلق صواريخ " هيل فاير " . وفي المساء كانت الطائرات " أي سي 130 " تقصف بالأسلحة الثقيلة . هذا مالم تنكره القيادة الأميركية .. لكنها في نفس الوقت تقول أنهم حققوا تقدما في تجنب ضرب المدنيين . يقول أرثر نيلسون في صحيفة الغارديان في 21 نيسان ، أنه شاهد قاذفة أميركية تقصف مبنى سكني في الفلوجة لتحيله أنقاض فوق رؤوس ساكنيه ..!! إنه يتكلم هنا عن معركة الفلوجة الأولى ، حيث نقلت نفس الصحيفة : { إن قادة الجماعات المسلحة " المقصود بالطبع رجال المقاومة " إستطاعوا بالتنظيم من السيطرة على أرض المعركة وأحدثوا إرباكا ملحوظا للقوات الأميركية المهاجمة . لقد إعتمدوا تكتيك حرب العصابات ونصب الكمائن مما أدى الى إفشال الخطة الهجومية للجيش الأميركي . لقد فشلت التتكنلوجيا الحديثة أمام السلاح البسيط .. مما جعل القوات الأميركية تقوم بقصف عشوائي على البيوت والمباني مما أدى الى مقتل عدد كبير من المدنيين } في هذه المعركة صرح مجرم الحرب بوش نصا : (( لقد واجهت قواتنا وقتا صعبا ، وأنا أصلي كل يوم من أجل أن تتراجع الخسائر .. لقد ملأت أرقام الموتى قلبي بالعذاب ..!! )) نعم كان بوش صادقا مع نفسه هذه المرة لأن القوات الأميركية ومن أجل أن تتمكن من إخلاء جثث قتلاها من أرض المعركة قامت بالإستعانة ب ( الحزب الإسلامي ) والذي لعب دوره بإتقان وتمكن من عقد هدنه لهذا الغرض ( كان طارق الهاشمي آنذاك رئيسا للحزب الإسلامي ) في إجتماع البيت الأبيض في 16 نيسان 2004 بين مجرمي الحرب جورج بوش وتوني بلير ، إقترح بوش قصف المركز الرئيسي لقناة " الجزيرة " في قطر لأنها توصل أخبار الفلوجة الى المشاهد العربي ..!! هكذا فقد هذا الكاوبوي أعصابه ..!! تسرب هذا الخبر الى صحيفة " ديلي ميرور " البريطانية ، فسارعت الحكومة البريطانية على تطبيق قانون الأسرار الرسمية ، ومنعت الصحيفة المذكورة وأي صحف أخرى من نشر تفاصيل أية وثائق تكون قد تسربت من الإجتماع ، كما تم إعتقال أثنين من موظفي الديلي ميرور للتحقيق معهما ..! نشر هذا الخبر الصحفي في الديلي ميرور ، كيفن مكواير في عددها الصادر في 22 نوفمبر 2005 . بعد كل هذه الشهور مابين تهديد بوش بقصف محطة الجزيرة ، ونشر خبر الحظر الحكومي البريطاني على نشر الوثائق بحجة الأسرار الرسمية .. سارع توني بلير ليعترف بذلك وليقول أنه تمكن من إقناع بوش بعدم الإقدام على هذه الخطوة .. ومن الواضح أن بلير كان يكذب ، وأن منع بوش جاء من قبل مستشاريه وقوى سياسية أميركية فاعلة وراء الستار (!!!) هذا ماذهب اليه أيضا آرثر نيلسون من الغارديان البريطانية في مقاله المذكور .. وكذلك منظمة " مراسلون بلا حدود " في 3 مايس 2005 تحت عنوان : " الحرب الأكثر دموية للإعلام منذ حرب فيتنام " . أتوقف هنا وسأنتقل في الجزء الثاني من هذه الحلقة الثامنة الى معركة الفلوجة الثانية . والله المستعان .