لكل امة من أمم الكون ثوابت لا يجوز التجاسر عليها تحت أي ظرف من الظروف . وتؤكد أمم وشعوب الأرض ثوابتها باتفاقات ومعاهدات وأحلاف للدفاع المشترك وحماية الأمن الوطني والقومي وتبادل المنافع والروابط الاقتصادية وغيرها. في أعراف القبائل والدول كوحدات بنائية اجتماعية واقتصادية وفي شرائع الأديان كقوة ارتباط روحي واعتباري , يتم تفعيل ثوابت بين المجموعات الإنسانية تنظم شؤونها وتشبكها إلى ضوابط حقوقية وقانونية تتحكم بمجريات أحداث الحياة اليومية كإقرار لا يمكن اجتنابه بحتمية حصول مشاكل جنائية مثل الغزو والحروب والاعتداءات على الإعراض والقيم الأخلاقية والاجتماعية المعتمدة والقتول والسرقات وقطع الطرق ونهب الممتلكات واسر الأفراد وغيرها. يشكل الإعلام أحد الروافد الحاكمة في حياة الأمم والشعوب في العصر الحديث ويساهم بشكل كبير وفاعل في الحفاظ على ثوابت ومشتركات الأمم والشعوب والدول عبر الإعلان عن هذه الثوابت والتعريف بها وترسيخها كقوة ربط مادي ومعنوي وكهوية تعرف الفضاء الجغرافي بمكوناته الثلاث ( ارض وماء وسماء ) وتمنحها قوة الكينونة واشتراطات الحفاظ عليها ويعاون بقوة في تقريب وجهات النظر وتشكيل الرأي العام المحدد لمسارات الحياة المدنية ولمسارات القوة العسكرية التي تحمي الكينونة الوطنية والقومية داخليا وخارجيا . إن الإعلام شانه شان القانون وشان الدوائر التربوية والتعليمية مثلا يجب أن يتمسك بحقوق الأمة عبر التمسك بثوابتها بغض النظر عن الفجوات والثغرات المحتملة الحصول في الظروف الطبيعية والعادية كحاصل لحراك الحياة الإنسانية أو تلك التي تنشأ تحت ضغط ظروف كارثية كالحروب أو ظروف وأحداث التجاسر على بعض الثوابت المشار إليها أعلاه بين أبناء الوحدة الطوبغرافية أو من خارجها. لا يمكن لنظام حكم قومي في أي قطر من أقطار الأمة العربية أن يتعاطى مع الحدود التي صنعتها اتفاقيات الغالب والمغلوب العالمية المشتركة في الحرب العالمية الثانية وكأنها حالة مقدسة وثابت من ثوابت الأمة لأنه إن فعل فانه سيلغي الهوية القومية للأرض ويقر بعدم وجود وحدة جغرافية ذات فضاء قومي اكبر من وحدة الإقليم القطري. إن من بين ثوابت الأمة التي نؤمن بها في اطر منهجنا القومي إننا لا نقر بالحدود بين أقطار الأمة ونعتبر السيادة القطرية إن تم التعاطي معها على إنها سيادة امة قائمة بذاتها فإنها تكون محض تعبير عن الإقرار بالتجزئة التي نقاتل من اجل إزالتها كأحد قوائم الفرقة القومية وتشظية الوطن الواحد . وان المنهج القومي يمكن أن يقر بتعدد الخيمات الوطنية تحت سقف الخيمة القومية لكنه إن اقر بالخيمة الوطنية خارج إطارها وافقها وسقفها القومي فانه يقر بانتهاء الوحدة القومية ويلغي ثوابت الأمة . وهذا هو معنى اتفاقات الدفاع المشترك والتعاون والتبادل الاقتصادي ألجسري بين الخيم القطرية والتبادل المعرفي والخبرات الأكاديمية والثقافية وهو نفسه ميثاق مكتوب أو غير مكتوب للإعلام الوطني - القومي . تحصل غزوات وحروب وخلافات اقتصادية بين القبائل المشكلة للأمة الواحدة وبين الدول المكونة للفضاء الجغرافي الاممي ولكن طبيعة التعاطي معها حلا وفكا وانهاءا ومنعا يجب أن تقع ضمن ثوابت العمل القومي . فنحن إزاء حالة تفاهم بين الأمم الأوربية مثلا وكنموذج عصري ,تقع ضمن شرائع الحلف العسكرية والاقتصادية المشتركة وتتضمن حل النزاعات ذاتيا تحت أي ظرف كان وتمنع اللجؤ إلى الاستعانة بمن هم خارج المنظومة الأوربية لفك النزاعات وفضها بما في ذلك النزاعات العسكرية الناشئة عن خلافات تصعد فوق ممكنات الحل الفني والسياسي وتتحول إلى حرب أو غزو . لقد اجبر العرب على تقسيم وحدة فضاءهم الجغرافي بتوزيع ظالم بعد الحرب العالمية الثانية فصاروا دولا وممالك وإمارات بحدود وهمية غير إن الأمة قد أنتجت عوامل دفاع عن ذاتها وكينونتها القومية ظلت تعبر عن نفسها بنهج قومي معروف وبتنظيمات سياسية واجتماعية واقتصادية تحافظ على الحدود الدنيا للأمة العربية بانتظار تطويرها لتعيد لحمتها ووحدتها بنضال أبناءها وجهادهم المرتكز على حق الوحدة إيمانا بوحدة الكينونة والمصير المشترك وبالاستناد إلى العوامل الجغرافية والتاريخية والثقافية والعرقية الإنسانية المشتركة. لم يتوان العراق والحزب القومي الذي حكم العراق على برهنة انتماءه إلى ثوابت الأمة بناءا ودفاعا , في السلم وفي الحرب, فقد قاتل بروح قومية في مصر وسوريا والأردن وفلسطين ولبنان دفاعا عن ارض العرب ووحدتهم وكرامتهم التي يهددها كيان مسخ أقيم بإرادة أعداء الأمة هو الكيان الصهيوني. وبرهن العراق وحزب البعث العربي الاشتراكي على إيمان راسخ بالمنهج والثوابت القومية بمشاركة ثروات العراق وإمكاناته الاقتصادية في تنمية الكثير من أقطار الأمة وخاصة تلك التي تعاني من شح الموارد والثروات. وقاتل العراق ثمان سنوات عجاف في صد المد الطائفي الفارسي في حرب القادسية الثانية التي لم تستدع نخوة وحمية الدفاع عن العراق فقط بل عن الخليج العربي كله وعن باقي أقطار الأمة. وفي الوقت الذي قدم العراق في تلك الحرب فواتير دم لا تقدر بثمن سارعت امارة الكويت إلى محاربة العراق باقتصاده المنهار أصلا ومطالبته بديون مالية اقترضها العراق ليسدد فواتير السلاح الذي حما به الكويت وباقي أقطار الأمة. ولم يتوان العراق عن إعلان التزامه بالنهج القومي حين دعا إلى قمة عربية عقدت في بغداد وكان جل محاور عملها لإيضاح العدوان المريب الذي يقوم به نظام الكويت ضد العراق بسحب النفط العراقي وإغراق السوق العالمية لإسقاط قيمة النفط كيما يظل العراق غير قادر على النهوض باقتصاده الذي أنهكته الحرب . وقد بانت المؤامرة على أهداف الأمة من خلال التآمر على العراق ونظامه القومي حين ألغيت أو غيبت ثوابت الأمة واستدعيت أميركا مع حلف دولي انضم إليه بعض أنظمة القطرية بحجة إخراج العراق من الكويت رغم إن الأنظمة القطرية كلها تعرف إن الدخول إلى الكويت قد جاء لحماية الأمن القومي العربي ولحماية العراق الذي يشكل سدا من سدود الأمن القومي العربي وان الدخول العراقي قد حصل كخيار مر من بين خيارات أمر وكان العرب بوسعهم ضمن اطر النهج والثوابت القومية قادرين إن أرادوا إن يحلوا المشكلة دون تدخل أجنبي. إن العدوان على العراق قد أريد منه إنهاء الدور القومي للعراق بل وإنهاء الثوابت القومية خدمة لأمن الكيان الصهيوني والمصالح الامبريالية التي تحالفت مع جنون التمدد الفارسي التي هددها العراق بإجراءات التأميم والاستقلال الاقتصادي وبالتطور الصناعي والعلمي وقوة ردعه العسكرية التي انتصرت على الهوس الخميني. وبالنتيجة نرى الآن إن العراق الجديد الذي أنتجه الغزو والاحتلال قد اخرج نهائيا من هويته العربية وعبر الدستور الاحتلالي عن هويات عرقية وطائفية للعراق غير هويته العربية ألمعروفه. وبدأت اسيجة الدفاع القطرية تتهدم واحدة تلو الأخرى لينتج محلها كيانات طائفية وتكوينات قومية تنذر بفناء الأمة العربية وتقويض كينونتها الجغرافية والتاريخية يرافق هذا إعلام مكثف يلقي باللائمة كلها على الحزب القومي ويحمله مسؤولية القتل والتدمير والخراب والتشظية التي حصلت في العراق بدءا بعد غزوه من قبل أميركا ومن ثم غزو ليبيا وتدميرها وتحريك أدوات الردة القطرية والرجعية في أقطار عربية أخرى بحجج واهية منها الإصلاح السياسي والديمقراطية التي هي طبعا طروحات حق يراد بها باطل. وبدل أن تستحضر ثوابت الأمة في وحدة المصير حين زحفت قوات الغزو من كل الجهات نحو بغداد الفخورة بعروبتها وتغطت السماء والمياه العربية بأنواع القاذفات الإستراتيجية والصواريخ عابرة القارات والغواصات والفرقاطات البحرية بعد مرور قرابة 14 عام على انتهاء قضية الكويت بما يؤكد عدم وجود أي ترابط بين الغزو الأمريكي الفارسي الصهيوني للعراق عام 2003 وبين قضية الدخول إلى الكويت عام 1991وقف الإعلام العربي مع إعلام الغزو والاحتلال. وتحولت كل إذاعات ومحطات وصحف العرب تقريبا إلى أصوات ناقلة لمواد تبثها قناة العالم الإيرانية التي لعبت دور الدليل لقوات الاحتلال والناعق ببياناتها التي تجهزها مخابرات أميركا وبريطانيا في الحرب النفسية والإعلامية الخادمة لقوات الغزو وأصوات ناقلة لقناة الحرة عراق وراديو سوا الأمريكيين وأل بي بي سي البريطانية وغيرها مئات من أدوات الميديا الأوربية والصهيونية الساندة للغزو. كل أجهزة الإعلام العربية تقريبا كانت تبشع النظام القومي العراقي وتشيطنه وتتغنى بحكمة وعقلانية وشطارة حكامها الذين عرفوا كيف يحافظون على بلدانهم وأنظمتهم وتتغنى بالقوة الغاشمة والاقتدار الأسطوري لقوات الغزو!! وهي نفس أجهزة الإعلام التي ثارت مع الثائرين وانتفضت مع المنتفضين عندما قررت قناة الجزيرة والعربية ومن يقف وراءهما تغيير المزاج الإعلامي ليساهم في إسقاط بعض الأنظمة التي ساهمت بغزو العراق واحتلاله وقبلها ساهمت في حفر الباطن في عملية انقلاب السحر على السحرة والله غالب على أمره . لم يكن غزو العراق واحتلاله بسبب مشكلة الكويت ولم يكن الغزو الإعلامي المرافق للغزو والاحتلال العسكري لان العراق ونظامه شرير وبشع وشيطاني ولم يكن تخاذل وخيانة الإعلام العربي للعراق عن قناعات بمسوغات المواقف المعلنة بل كان كل هذا وغيره جزءا من برنامج شيطنة ثوابت الأمة ونهجها القومي وتبشيع روح المصير المشترك والنزوع إلى الوحدة...لتتحقق إرادة الامبريالية الجشعة الظالمة والصهيونية المجرمة والطائفية الفارسية البغيضة الطامحة لإمبراطورية كسروية جديدة. اخطأ الإعلام العربي بل أجرم بحق العراق عندما صار بوقا للترويج لعراق ما بعد الاحتلال على الرغم من إن العراق يغرق بالدم والدمار والتشرذم.. واخطأ الإعلام العربي وأجرم بحق العراق عندما تجاهل وغيب وهمش وبشع مقاومة العراق التي انطلقت بشكل متزامن مع دخول دبابات الغزو إلى بغداد أي إنها تعبير عن عدم سقوط العراق وعدم استسلامه ... وهذا بعض ما ادر كناه من قبس حديث أمين عام البعث والقائد الأعلى للجهاد والتحرير والخلاص الوطني الرفيق المجاهد البطل عزة إبراهيم حماه الله في حواره مع المناضل العربي الإعلامي المصري إبراهيم سنجاب للأهرام القاهرية. وأجيبك أيها الأخ العزيز على سؤالك عن تقييمنا لدور الإعلام العربي وموقفه من المقاومة وحرب التحرير فأقول لك ولكل أحرار الأمة للأسف الشديد كان موقفا متخاذلا بل كان متآمرا وكان الكثير من قنواته وإذاعاته وصحفه الرسمية مساندا ً للعدوان وللمحتلين كما أدى هذا الإعلام دورا غير مشرف وسيء للغاية في محاصرة المقاومة العراقية الباسلة وطمس جهادها وانتصاراتها وخاصة البعث ومقاومته المجيدة باستثناء بعض القنوات الشريفة القليلة جدا ثم كتابات بعض الكتاب والصحفيين العرب المناضلين الأحرار ..