منذ بداية الحراك الشعبي السوري, و أنا أتحاشى الكتابة عن الموضوع, لأنني إن حكمت ضميري و نهجي القومي العربي, و من منظور المصالح العربية, فإن كتابتي قد لا تعجب البعض, و لكنها تريحني. و أن حاولت أن أضع الضمير جانباً, و أنتهج الأسلوب التبريري, الذي لاينسجم مع إيماني بأمتنا العربية العظيمة و قضاياها العادلة, فقد أرضي هذا البعض, و أخسر نفسي. و لهذا فقررت أن أكتب بما يرضي ضميري, حتى لو لم أعجب البعض, حتى لاأخسر نفسي, أو يهتز إيماني بأمتنا العربية حاضراً و مستقبلاً الموضوع السوري لايمكن أن نناقشه بالعودة إلى عقد أو عقدين من الزمن للوراء, أو بالإستناد على " الجزئيات" التي لا تف في هذا الموقف. علينا أن نبدأ منذ الخطوة الأولى التي ادت إلى كل الكوارث, لأن سوريا تبقى بالمنظور الجيوبولتيك حالة لايمكن تجاوزها أو التعتيم عليها, أو نتعامل معها وفق العرف العربي, عفا الله عما سلف!؟ علينا أن نتفق قبل كل شئ, أن التعاون مع الأجنبي ـ أياً كان هذا الأجنبي ـ ضد أي بلد عربي مهما كان نظامه و خلافنا السياسي معه, جريمة ترقى إلى الخيانة العظمى, و جرائم الخيانة العظمى لا تزول بمرور الزمن. و أود أن أؤكد أيضاً, ان التسهيلات التي تقدم لأي منظمة أو جهة "عربية" مرتبطة بالأجنبي وتدين بالولاء السياسي له, تدخل أيضاً في أطار الخيانة العظمى و علينا أيضاً, أن نتفق على أن كل نظام أو جهة عربية, إنزلقوا وراء أوهام الحلول الإستسلامية مع الكيان الصهيوني, وأجروا مفاوضات معه, سواء مباشرة أو بالوساطة, و عقدت إتفاقيات ذل معه ـ كامب ديفيد أو وادي عربة أو أوسلو ـ أو لم تتوصل إلى عقدها (مثل وديعة رابين). أو هدنة ربيع 2006, وقبلهم اتفاقية رودس, ينطبق عليهم جرم الخيانة العظمى إن عودة تاريخية للنظام السوري, منذ حركة 23 شباط 1966, تظهر بشكل جلي لايقبل الشك أو التأويل, انه في سيرته ومسيرته, إرتكب من جرائم و تآمر على الأمة العربية, ما يندى لها جبين أي عربي, و إذا ما إستعرضت ـ وللتذكير أيضاً ـ محطات مخزية من تاريخه, يستطيع أي محايد أن يرى حقائق كالشمس ـ عقب حرب 1967, تحدث الكثير عن صفقة تسليم الجولان دون قتال للعدو الصهيوني, و أشير إلى تأكيد ثلاث شخصيات سورية كانت في موقع القرار قبل حركة 23 شباط, الأول الرئيس الأسبق أمين الحافظ الذي أكد ذلك في برنامج "شاهد على العصر", و هو ما سمعته قبل ذلك منه شخصياً. الثاني هو الدكتور سامي الجندي, الذي تحدث كثيراً عن مسألة "بيع الجولان", وكذلك سمعته منه شخصياً في أكثر من لقاء ومناسبة. و الثالث هو اللواء فهد الشاعر الذي كان قائد جبهة الجولان قبل الردة, وعندما علم بـ "سقوط" الجولان وهو في السجن, كان يصرخ ويضرب بيديه على جدار زنزانته قائلا: بعتوا الجولان يا خونة ـ في حرب 1973, التي كانت حرب تحريك لا تحرير كما روجت أبواق هذا النظام, وتردد أن الهدف منها وصول قوات العدو الصهيوني إلى مشارف دمشق لتبرير توقيع "اتفاقية سلام" معه. وعندما دخلت القوات العراقية الحرب, وإستطاعت ايقاف تقدم العدو , ووضعت خطة لهجوم معاكس فوجئت القيادة العراقية بقبول النظام السوري لوقف إطلاق النار, والطلب من هذه القوات الإنسحاب من سوريا والعودة إلى العراق. رغم إلحاح القيادة العراقية على تحملها الميداني الكامل للهجوم المعاكس بعد أن تم تحطيم القوات الصهيونية الأساسية, رفض النظام السوري, وجدد طلبه على إنسحاب القوات العراقية, وعبر الطرق الصحرواية, لأهداف باتت لاحقاً معروفة للجميع ـ مع انفجار "الحرب الأهلية" في لبنان ـ دون العودة لمسبباتها و أهدافها و دوافعها ـ بدأ النظام السوري مباشرة أو من خلال "المحسوبين" عليه في لبنان, بتواطؤ واضح مع القوى الإنعزالية, بإستهداف المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية, ونفذ سلسلة من عمليات الإغتيال ضد الرموز الوطنية العروبية, من أبرزهم كمال جنبلاط ورياض طه وموسى شعيب وعدنان سنو وتحسين الأطراش وقائمة طويلة, ثم إشرك قواته العسكرية بعد دخولها إلى لبنان, سواء كقوات سورية مباشرة, أو بعد ذلك بتشريعها من جامعة الدول العربية كـ "قوات ردع", في إستهداف القوات المشتركة و المناطق الوطنية و المخيمات الفلسطينية على حد سواء, أذكر في هذه العجالة بإستباحة طرابلس وصيدا وبيروت الغربية والمخيمات الفلسطينية, وكان أكثرها إجراماً إحتلال مخيم تل الزعتر والمجازر التي إرتكبت به. و أؤكد أن تدخله أنقذ القوات اللبنانية ومشروعها المريب و المتحالف مع العدو الصهيوني, و كانت القوات المشتركة على وشك حسم هذه الحرب بشكل نهائي وكامل لولا تدخل جيش النظام السوري ـ مع اندلاع الحرب العراقية ـ الإيرانية, تحالف النظام السوري مع العدوانية الايرانية, في سياسة لاعلاقة لها بالحد الأدنى من مصلحة العرب او بميثاق جامعة الدول العربية. و إستمر في موقفه المشين و المخزي طوال سنوات الحرب الثمانية, مستخدماً تبريرات و ذرائع تفتقر للأخلاق و للقيم و للمصلحة العربية, متناسياً هذا النظام المرتد, أن الجيش العراقي وقبيل سنوات قليلة (1973) حمى العاصمة دمشق من الاحتلال, كما أشار آنذاك بالحرف رئيس هذا النظام في خطاب له آنذاك ـ منذ إنطلاق المقاومة الفلسطينية الباسلة, و سجل هذا النظام السوري بالتآمر عليها لم يتوقف يوماً, خاصة في سوريا ولبنان. مارس سياسة "الانشقاقات" داخل حركة فتح معتمداً على ضعاف النفوس داخلها. كما كرس جهوده لاحقاً بإستهداف جبهة الرفض الفلسطينية بكافة فصائله. واستخدم تنظيمه "منظمة الصاعقة" في اشعال اشتباكات داخل المخيمات في لبنان أو في مربع الفاكهاني ـ الطريق الجديدة ببيروت الغربية, مع فصائل التحرير دون استثناء وانتقل لاحقاً, بقوات جيش النظام إلى ملاحقة منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت وطرابلس في حرب ضروس, في محاولة منه للأمساك بورقة المنظمة, ليوظفها في تفاهمه مع العدو الصهيوني ـ مع التحضيرات الأولى, للعدوان الثلاثيني على العراق عام 1991, شارك وحرض هذا النظام على استهداف العراق بذرائع مدانة, و شارك مع نظام حسني مبارك و الأنظمة الرجعية في الخليج, و بالتحالف مع الغرب وايران, بالتحضير و بتسويغ هذه الحرب و وصل به الأمر ـ مع شركائه من عرب اللسان ـ إلى المشاركة العسكرية بقواته في محور الباطن المشؤوم. و شكلت سابقة خطيرة ان تشارك قوات عربية, جيوش أجنبية في العدوان على بلد عربي, مع ان العراق تجاوب آنذاك, مع كل المبادرات لإيجاد حل, و وافق على سحب جيشه من الكويت طالباً ضمانات بعدم إستهداف القطعات العسكرية المنسحبة, و هذا الحد الأدنى المتعارف عليه عسكرياً هذا غيض من فيض مخازيه و تآمره على الأمة العربية, لأني ان دخلت في التفاصيل أكثر, فإن الحديث عنها سيطول و يطول جداً بالأنتقال إلى ما ارتكبه في سوريا, فإن المآسي لا تتوقف على الصعد كافة, و يكفي انه حول سوريا من قلعة للعروبة إلى حصان طروادة, أثخنت تاريخها و حاضرها, و تركت آثارها المدمرة على سمعتها, و عدا عن مجازره المروعة بحق الشعب السوري خاصة حماة و سجن تدمر, فإنه حول هذا البلد العريق إلى سجن كبير, تعيث فيه أجهزته الأمنية والمخابراتية و ما أكثرها قمعاً دون حدود, اعتقالات كيفية, تصفيات جسدية, معتقلين زادت سنواتهم ـ دون محاكمات ـ على سنوات مانديلا لن أتحدث عن الحريات, فهذه مسألة كانت ممنوعة على المواطن السوري حتى أن يحلم فيها. حتى بات الخوف لدى السوريين مسألة معاشة, يخشى حتى من ظله, و من أقرب الناس إليه. و أوصلهم إلى حالة إنها ـ أي الحرية ـ من رابع المستحيلات أشاع الفساد بكل صوره, و صارت الرشوة علنية و على رؤوس الأشهاد, فلا يستطيع أي مواطن الحصول على أي وثيقة أو مستند رسمي, دون أن يدفع "المعلوم", و باتت "الواسطة" من جهة ثانية, التي احتكرها أزلامه, ضرورة في كل صغيرة وكبيرة. أما العقود التجارية والاستثمارية الضخمة فإنحصرت في دائرة النخبة الضيقة الموالية له و التي تنفذ سياساته, دون مراعاة لمصالح الوطن. و الكثير من عائدات الدولة, خاصة في قطاع النفط, فإنها تجد طريقها للنظام و أتباعه, دون أن يدخل منها و لا قرش إلى خزينة الدولة هنا, أتوقف و أتساءل, هل الحراك الشعبي السوري و إنتفاضته, تدخل ضمن مشروعية التغيير المطلوب, كما يرى شعبنا السوري و جميع المراقبين. أم هي "مؤامرات كونية" كما يروج النظام و أتباعه داخل سوريا وخارجها!؟ وهل بقي عاقلاً لا يضحك بسخرية من ترهاتهم, التي صدعوا رؤوسنا بها, منذ أقوالهم الممجوجة عن "الصمود و التصدي" وصولاً إلى "الممانعة و المقاومة"؟!! و هل غريب أن يقف الشعب السوري مع إنتفاضته, مؤيداً من كل الشعب العربي!؟ لقد وصلت الحالة في سوريا إلى نقطة اللاعودة, سواء من النظام أو من الشعب السوري. و هل من الممكن لشعبنا السوري أن لايستمر في إنتفاضته المباركة, بعد هذا الرقم الكبير لقوافل الشهداء و الجرحى و المعتقلين, و بعد أن دكت مدن و بلدات و قرى و أحياء, و دمرت على رؤوس أهلها؟! للتاريخ في جدليته ضرورة تسير في طريق الشعوب و مطلقاً لا تسير في مصالح الأنظمة. و من هنا لايمكن إلا أن أكون في صف الجماهير و التاريخ. و متيقن بإيمان مطلق و قناعة تامة بحتمية إنتصار الشعب السوري .. والأيام بيننا