النكبات التي حلت بالأمة العربية في تاريخها المعاصر ، وفي المقدمة منها نكبة فلسطين ، والاحتلال الامريكي الصهيوني الايراني للعراق ، والفوضي الخلاقة التي تعصف بالحال ، وتهددها بالمزيد من التشظية القطرية أفقيا ، والطائفية ، والاثنية عموديا ، ضمن استراتيجية الشرق الاوسط الجديد ، التي تستهدف اعادة صياغة خارطة الوطن العربي ، والمنطقة على نحو جديد ، يخدم المصالح الامريكية ، والصهيونية ، والايرانية ، المتخادمة احيانا ، والمتنافسة على النفوذ والمغانم ، احيانا اخرى ، على نحو بات واضحا للجميع ، هي نكبات كارثية كبرى ، وتدفع الامة جراءها الدم. لذلك تتراجع امتنا احيانا وتسقط اخرى ، وتتسربل بالنكوص ، وتغيب عن ميادين العطاء الإنساني ، والحضور الحضاري ، في احيان اخرى ، حتى يتراءى لقصيري النظر ، واصحاب التحليل السطحي ، واصحاب الغرض السيء ، أنها في طريقها الى الهلاك والفناء. لكنها مع كل تلك المصائب والبلايا ، أثبتت أنها امة حية ، تحمل عوامل البقاء على الدوام ، كما يشهد لها التاريخ ماضيا وحاضرا. فالمقاومة العراقية ، والمقاومة الفلسطينية ، والجماهير العربية الحاضنة والمؤازرة لهما ، هي التي مثلت روح الامة بحق ، يوم قاومت مشروع الاحتلال البغيض ، وألحقت بالعدو الصهيوني الامريكي الايراني ، خسائر مادية وبشرية ، صارت تتراءى في ازمات اقتصادية متلاحقة ، وافلاس تجاري واخلاقي واضح للجميع ، ولا يحتاج الى أي دليل ، لانها من قبيل المحسوسات البديهية ، التي لا تحتاج ابد الى برهان. وهذه المعاني العالية من الصمود ، هي التي ينبغي استحضارها في المرحلة الراهنة من الصراع مع العدو ، مع كل صعوبة الظرف القاسي ، وركة حال الامة ، وضعفها ، واستهدافهاعسكريا ، وسياسيا ، وثقافيا ، وإعلاميا ، وحضاريا.. حيث تكالبت عليها قوى الشر العالمية ، والإقليمية ، بمشاركة عملاء الداخل ، في محاولة خسيسة للإجهاز على مصيرها. وبذلك فان أمارات النصر المتمثلة في صمود الأمة ، بقواها الرافضة للاحتلال ، ومشاريع التقسيم الجديدة ، وبقاء روح الجهاد متوقدة ، ونشاط المقاومة متصاعدا ، والرفض الجماهيري الكاسح للاستسلام ، والإذعان للمشروع الغربي للتقسيم والهيمنة ، تحت أي مسمى زائف ، تعطي الدلالة على حسم المعركة لصالح الامة العربية ، والحفاظ على هوية عروبتها الاصيلة من الضياع. ان بقاء الأمة حية بفصائل مقاومتها الباسلة رغم كل محاولات وأدها ، وشيطنتها ، والاساءة الى سمعتها ، ونعتها بالارهاب ، اثبت ان العروبة بمشروعها الناهض ، تبقى متطلعة الى النهوض والتوحد ، و لن تموت رغم ما يثخن جسمها من جراحات وكدمات ، وما يعتري طريقها من عقبات جسيمة ، لأنها تحمل في داخلها عوامل البقاء والنهوض.