طيلة أيام الشهر الفضيل تابعت وبشغف المسلسل التاريخي الذي يحكي تاريخ وجهاد الفاروق عمر رضي الله عنه حتى لحظة استشهاده وبغض النظر عمن أثنى وناصر أو عارض وانتقد هذا العمل سائقا كل منهما مبرراته ودواعيه .صحيح ان المسلسل لم يأتي بشيء جديد عما يعرفه غالبية المسلمين وغيرهم من الملل والشعوب الأخرى عن حياة سيدنا عمر رضي الله عنه وسجاياه وقدراته وتقاه لكن الأنسان عندما يشاهد واقع الأحداث ليس كمن يسمعها أو يقرا عنها حيث يبقى المشهد في ذاكرة الناس وعقولهم على مر الأيام . لقد قرأت كثيرمن هذه التعليقات التي انتقدت المسلسل وأغلبها يدور حول عدم جواز تمثيل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم واني على يقين ان هذا الأمر لا يمس شأن الصحابة أو ينتقص من علو شأنهم فهم نجوم سماءنا ومثلنا الأعلى بهم نقتدي وفيهم نسموا فأذا كان ناقل الكفر ليس بكافر فما جزاء من ينقل لأجيالنا سيرة وادوار قادة الفتح الأسلامي الذين حملوا راية الجهاد في سبيل الله واعلاء كلمة الحق والدين المبين فكثير من هذه الأجيال لا تهتم كثيرا بقراءة التاريخ لكنها قد تشاهد قنوات التلفزه لساعات عديدة فلندخل لمداكرهم معلومات تخص دينهم وقادتهم ودنياهم بعد ان كثرالفساد وغلبت الشقاوة على طبائع العباد و روجت على مسامع وأنظارالجميع برامج ودعايات مغرضة وفتحت قنوات ومدارس ومراكزللبحث للأسف أغلبها دينية وخصصت أموال ودول وعقول لتصب جام غضبها على صحابة رسول الله رضوان الله عليهم جميعا وهم براء من ذلك ولولاهم لما بلغ الهدي محله حتى بلغ المسلمون اليوم اكثر من مليارونصف الملياروهم في تزايد مستمر رغم كل حقد الحاقدين ومكر الماكرين وتآمر وضعف اداء المسلمين فالله أقوى وأشد وأمكر وهو خير الماكرين . كل ذلك يدعونا الى التأمل والتبصروالأعتبار ونحسن التفكيروالأعداد والأختيار .لم يكن الفاروق ملكا ولا نبيا بل كان بشرا اصطفاه الله للأسلام استجابة لدعوة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ( اللهم أعز الأسلام بأحد العمرين ) وكان له ما اراد فقد أعز الله الأسلام بعمر بن الخطاب رضي الله عنه فهو الصورة المشرقة للأنسانية أفاضت عفة وعدلا واقتدارا وشجاعة وتضحية ومنارا حتى قال فيه الأمام علي عليه السلام ( لقد أتعبت الخلفاء من بعدك يا أمير المؤمنين ) لأنه مثل الصورة المشرقة للحياة في القيادة والجهاد في سبيل اعلاء كلمة الله وقدم ما يعجزعن تقديمه الأخرون وعلينا ان نحتفي بتاريخه ونعتزبمآثره فالأمم الحية هي التي تحتفل برموزها وقادتها وما سطروه من أمجاد وبطولات خالدة. يعتقد البعض ان الحديث عن جهاد الفاروق وذكر سجاياه وكأنها تنقص من شيم الصحابة الآخرين حاشا لله فهم فيالق الحق السابقين وقدوة المتقين رضي الله عنهم أجمعين الذين نجلهم ونقدسهم دون تفريق وان جل مرامينا وعظيم مقاصدنا ان نحفظ لهم ذكراهم وجهادهم وسجاياهم لكن ليس منهم من تعرض لما تعرض له الفاروق ولتاريخه وجهاده من افتراءات وأباطيل . لقد كان الفاروق مدرسة للقيادة والعلوم الأنسانية والعسكرية ومنارا لمعنى الحياة وضروراتها والدين وشرائعه والحكم وفرائضه والأنسانية ومحتواها حتى كانت مقولته الشهيرة ( متى أستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرار ) تمثل الأسس الفكرية والقانونية التي قامت عليها أغلب قواعد القانون الدولي العام والخاص التي نظمت العلاقات الدولية بين أطراف المجتمع الدولي لكن الفاروق قال وفعل وأبدع ومارس بعدل وصواب لكن الحاكم اليوم يضع القوانين فيمارس ما يضمن منها حقوقه وبطانته دون مراعاة لحقوق الآخرين حتى بات اذا أعتدى القوي تركوه واذا عطس الضعيف أقاموا عليه الحد فضاعت الحقوق وساءت النوايا .لقد خشي بعض المسلمين من خلافة الفاروق من لشدته وثباته على الحق حتى بانت للجميع رأفته ولين جانبه وسماحته وحبه لصحابته حتى كان يقضي معظم لياليه متعسسا ليستمع الى شكوى اويعين شيخا او امرأة او يقضي حاجة لأحد فيطلع على أحوال الرعية دون حاجب او حارس فيصدر احكامه المناسبة في القضايا او المظالم الذي طرحت عليه لأنه يرى ان القيادة مسؤلية وانه المسؤول عنهم امام الله ويدعوا الناس الى مراعاة ابلهم وعدم تحميلها أكثر من طاقتها وان شاة لوظلت في ارض العراق لكان هو المسؤول عنها كان يرى ان كانت احكامه صائبه فهي من الله وان كانت خطأ فهي من عمر فيقول ( لا تجعلوا خطأ الرأي سنة للأمة. وفي مجالات القيادة يختار الفاروق من هو أكثرهم رافة ورحمة في جنده ومن هو أكثرهم شجاعه وأقربهم منزلة في الأسلام ولا يقدم على شيء حتى يستشير صحابته فيهيء للمعركة ضروراتها واسلحتها وجهدها الأستخباري ومعلومات مفصله عن الأرض والعدو والتموين وهذه معلومات اساسية لأي خطة حربية يضعها اي قائد عسكري الى يومنا هذا فيعزم ويتوكل على الله ويدعوه الظفر في المعركة حتى أصبحت دولة الأسلام اكبر امبراطورية في ذلك العصر حيث دخلت فارس وشمال افريقا والعراق ومصر والشام تحت حكم الأسلام فيرسل رسله وعيونه الى الولايات لمعرفة احوالهم وطرق معيشتهم وأحوال ولاتهم واحصاء اموال الوالي قبل وبعد تكليفه وهذا ما معمول به اليوم في اغلب الدول ذات الديمقراطيات الحديثة فأن وجد زيادة في ذلك أخذ منهم هذه الأموال وأودعها في بيت مال المسلمين وهومال الحق العام ثم يرى ان كان صائبا في اختيار ولاته لأنه يرى ان حكم الناس ليس بترهيبهم ونهب أموالهم فيضيع الحاكم والمحكوم بل بتأمينهم اينما وجدوا فيزرع في نفوسهم الأمل والحق والعدل وقوة الأيمان . لقد كان لعمربن الخطاب رضي الله عنه نظرته الصائبة للمرأة كانت توقفه في الطريق تسأله حاجة او تطلب منه غرض وعندما اكثرت احدى النساء أسئلتها عليه واعترضها احد المرافقين له قال ويحك الم تعلم من هذه المرأة انها خولة بنت ثعلبه التي سمعها الله في قوله ( لقد سمع الله قول التي تجادلك في زوجه ) فكيف لا اسمعها أنا .كان يوصي بالمرأة خيرا ويقول ( اتقوا الله في نسائكم , تعطوهن ميثاقا غليظا واذا ذهب عنها شبابها تركها زوجه ) عندما علم ان زوج المرأة هجرها كما انه لم يجز الزواج الا بالرضا والقبول . لقد أعطى عمربن الخطاب لأهل الذمه الأمان لهم ولكنائسهم وصلبانهم ولطقوسهم ولم يكرههم على دخول الأسلام وأعطى لهم ذمة الله ورسوله وخلفاءه وسائر المسلمين .حتى تم رفع القواعد من دار الأسلام وبنى اسس دولته وتراثه وحضارته ودواوينه لتبقى راسخه متينه حتى يرث الله الأرض ومن عليها . عاش الفاروق طاهرا نقيا مجاهدا لا يأخذه في الله لومة لائم حتى جاء المجوسي أبو لؤلؤة لعنه الله ظاهرا اسلامه ضامرا حقده وغله على العرب والمسلمين فتسللت يده الغادره الى جسده الشريف بخنجر مسموم وهو قائم يصلي بالمسلمين فوضعت بذلك النهاية لأعدل من أقام عدلا في التاريخ الأنساني موصيا بالشورى من بعده لأختيار خليفته. اللهم صلي على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .