هل كان السيّد طارق ذياب يدرك ما يمكن أن تثيره تصريحاته من ردود أفعال غاضبة ومستهجنة ومندّدة؟ وهل كان يدرك حقّا خطورة تصريحاته التي أرفقها بابتسامة عريضة تجعلني أشكّ في مدى فهمه ووعيه بأنّ ما يتحدّث بشأنه يتعلّق بواحد من أهمّ ثوابت التونسيّين؟ ثم، والأهمّ من كلّ هذا، هل كان السيّد طارق يتحدّث باسمه الخاصّ، ووقتها نضع الأمر في خانة الموقف الشخصيّ.. أم كان يعبّر عن الموقف الرسميّ لحركة النهضة وبالتالي لحكومة الثلاثي الحاكم؟ حتّى نقف على ما أحدثته تصريحات طارق ذياب يكفي أن نقول إنّ غالبيّة المهتمّين بالشأن السياسيّ قد استهجنوا موقفه، وتناقلت صفحات مواقع التواصل الاجتماعيّ تعليقات كثيرة بعضها فيه نقد جارح، لكنّها في الغالب تتّفق على أنّ ما أتاه وزير الشباب والرياضة منكر يستوجب التصحيح بل المساءلة. وذهب السيّد شكري بلعيد زعيم حركة الوطنيّين الديمقراطيّين مدى أبعد عندما اعتبر أن "طارق ذياب لا يمكنه أن يكون وزيراً في حكومة تحترم نفسها لأنّ وجوده أكبر إهانة للذكاء التونسي"، وأشار إلى أنّ المرحلة تقتضي حكومة كفاءات وطنيّة لا وزراء من هذه النوعيّة. للتذكير فإنّ وزير الشباب والرياضة التونسيّ كان صرّح قبل أيّام أنّه "لا يرى مانعا من التطبيع مع إسرائيل وقبول مساعدات منها.. من دون أدنى مشكلة". كان من المفروض ألاّ نذكّر طارق ذياب بثوابت نحسب أنّ من في مثل موقعه لا يحتاج إلى من يذكّره بها.. لكنّنا نجد أنفسنا مضطرّين إلى التوقّف عند بعض المحطّات عسى وزير الشباب والرياضة يدرك أنّه لا يمثّل نفسه ولا يعبّر عن موقف شخصيّ بقدر ما يلتزم بموقف دولة ويعبّر عن الاتّجاه الغالب في الساحة. ويفترض أنّ تونس ملتزمة بالموقف العربيّ العامّ وهو الموقف الذي يصاغ تحت سقف جامعة الدول العربيّة رغم كلّ مؤاخذاتنا عليها وعلى توجّهاتها. والذي نعلمه يقينا أنّ الجامعة العربيّة قد قرّرت قبل سنوات وقف كافّة أشكال التطبيع مع الكيان الصهيونيّ. وبقطع النظر عن مدى التزام الأنظمة العربيّة بالمقرّرات فإنّنا نعتبر أنّ الالتزام بالحدّ الأدنى الذي تمّ الاتّفاق عليه مسألة غير قابلة للمساومة أو التلاعب. أمّا في المجال الرياضيّ، وهذا اختصاص السيّد الوزير، فقد حافظ العرب على حدّ معقول من مقاطعة الصهاينة في مختلف المسابقات القاريّة والعالميّة، وفي الرياضات الفرديّة والجماعيّة. وكان آخر الشواهد على هذا الموقف أنّ وزراء الشباب والرياضة العرب رفضوا بالإجماع في أوائل أفريل الماضي مشاركة منتخب الكيان الصهيونيّ في دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسّط المقبلة. ألا يحتاج السيّد طارق ذياب إلى شواهد أخرى؟ بلى.. في أكتوبر 2011 رفضت اللاعبة التونسيّة سارة بسباس صاحبة 22 ربيعا (وهي بطلة تونس وإفريقيا في لعبة المبارزة بالسيف) مواجهة لاعبة "إسرائيليّة" تدعى (ناعومي ميلس) خلال فعاليات بطولة العالم بكاتانيا للمبارزة بالسيف. في نفس الشهر رفضت مريم بن موسى بطلة الجودو الجزائريّة مواجهة اللاعبة "الإسرائيلية" (شاهار ليفي) في وزن 52 كجم ضمن بطولة العالم للجودو التي أقيمت في روما.. قرّرت مريم التضحية بالتأهل للأولمبياد.. وانسحبت. وقبلها رفض "زكريا شنوف" لاعب المنتخب الجزائريّ للتايكوندو مواجهة "الإسرائيلي" (آدم ساجير) ضمن بطولة العالم للتايكوندو في كوريا الجنوبية. في شهر فيفري الماضي انسحب لاعب المنتخب اليمني للجودو الدوليّ علي خصروف من مواجهة لاعب "إسرائيليّ" ضمن بطولة كأس العالم للجودو في مدينة دوسلدورف الألمانية، رغم أنّها إحدى البطولات المؤهّلة لأولمبياد لندن 2012. وفي نفس البطولة تقدّمت "إسرائيل" بشكوى رسميّة إلى الاتّحاد الدوليّ لرياضة الجودو ضد بطل الجودو المصريّ رمضان درويش، لرفضه مصافحة خصمه "الإسرائيليّ".. أمّا الشابّ المصريّ الآخر أحمد عواد، فقد فضّل الانسحاب من بطولة العالم للجودو في النمسا في فيفري الماضي على ملاقاة أحد أحفاد بن جوريون وديان وشامير.. وتعلّل بإصابة قال إنها لحقت به خلال مباراة سابقة.. رغم أنّ النصر كان يقوده إلى الأولمبياد. القائمة تكاد لا تتوقّف، ففي كلّ قطر عربيّ تجد رياضيّينا وأبطالنا يرفضون منازلة الصهاينة.. لا لسبب سوى أنّهم يرفضون التطبيع تحت أيّ شكل من الأشكال. شاهد أخير.. ليسمح لي السيّد طارق ذياب بذكره.قبل بضعة أيّام رفض لاعب المستقبل الرياضى بمساكن محمد حميدة اللعب مع لاعب "إسرائيليّ" في تصفيات بطولة العالم المدرسيّة التي تدور في اياشى برومانيا. هل يدري السيّد طارق ذياب كم عمر هذا الفتى؟ عشر سنوات.. يا سيّدي الوزير.. عشر سنوات.. akarimbenhmida@yahoo.com