فارسنا بهذه القصة بطل من صناديد العرب وفرسانها المشهورين في الجاهليةهو عمرو بن معد يكرب الزبيدي حامي قطفان اليمن ويعد عند العرب بألف فارس يقول فارسنا عن نفسة لم يخشى على هذه البسيطة اي هذه الارض من أحد إلا من اربعة من الرجال ابيضان واسودان أما الابياض فهم مسعود الشيباني وعامر بن الطفيل أما الأسودان هما عنتر بن شداد العبسي وسلكة بن السلك . وهم مشهورين بالشجاعة النادرة دخل عمرو بن معد يكرب الزبيدي على عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقال عمر : أخبرني عن أجبن من لقيت وأحيل من لقيت وأشجع من لقيتقال عمرو : نعم يا أمير المؤمنين خرجت مرة أريد الغارة ، فبينما أنا سائر إذا بفرس مشدود ورمح مركوز ، وإذا رجل جالس كأعظم ما يكون من الرجال خلقاً ، وهو محتب بحمائل سيفه، فقلت له : خذ حذرك فإني قاتلك . فقال : ومن أنت ؟ قلت : أنا عمرو بن معد يكرب الزبيدي ، فشهق شهقة فمات . فهذا يا أمير المؤمنين أجبن من رأيت وخرجت مرة حتى انتهيت إلى حي فإذا أنا بفرس مشدود ورمح مركوز ، وإذا صاحبه في وهدة يقضي حاجته ، فقلت : خذ حذرك فإني قاتلك . فقال : ومن أنت ؟ فأعلمته بيفقال : يا أبا ثور ما أنصفتني أنت على ظهر فرسك وأنا على الأرض، فأعطني عهداً أنك لا تقتلني حتى أركب فرسي ، فأعطيته عهداً فخرج من الموضع الذي كان فيه واحتبى بحمائل سيفه، وجلس فقلت : ما هذا ؟ فقال : ما أنا براكب فرسي ولا بمقاتلك فإن نكثت عهدك فأنت أعلم بناكث العهد . فتركته ومضيت . فهذا يا أمير المؤمنين أحيل من رأيت وخرجت مرة حتى انتهيت إلى موضع كنت أقطع فيه الطريق فلم أر أحداً فأجريت فرسي يميناً وشمالاً وإذا أنا بفارس ، فلما دنا مني ، فإذا هو غلام حسن نبت عذاره من أجمل من رأيت من الفتيان ، وأحسنهم . وإذا هو قد أقبل من نحو اليمامة ، فلما قرب مني سلم علي ورددت عليه السلام وقلت : من الفتى ؟قال: الحارث بن سعد فارس الشهباء فقلت له : خذ حذرك فإني قاتلكفقال: الويل لك ، فمن أنت ؟قلت: عمرو بن معد يكرب الزبيديقال: الذليل الحقير ، والله ما يمنعني من قتلك إلا استصغاركفتصاغرت نفسي ، يا أمير المؤمنين ، وعظم عندي ما استقبلني به فقلت له: دع هذا وخذ حذرك فإني قاتلك ، والله لا ينصرف إلا أحدنا فقال: اذهب ، ثكلتك أمك ، فأنا من أهل بيت ما أثكلنا فارس قطفقلت: هو الذي تسمعهقال: اختر لنفسك فإما أن تطرد لي ، وإما أن أطرد لك فاغتنمتها منه فقلت له : أطرد ليفأطرد وحملت عليه فظننت أني وضعت الرمح بين كتفيه فإذا هو صار حزاماً لفرسه ثم عطف عليّ فقنع بالقناة رأسي وقال : يا عمرو خذها إليك واحدةً ، ولولا أني أكره قتل مثلك لقتلتكقال: فتصاغرت نفسي عندي ، وكان الموت، يا أمير المؤمنين أحب إلي مما رأيتفقلت له : والله لا ينصرف إلا أحدنا . فعرض علي مقالته الأولى فقلت له: أطرد ليفأطرد فظننت أني تمكنت منه فاتبعته حتى ظننت أني وضعت الرمح بين كتفيه فإذا هو صار لبباً لفرسه ، ثم عطف عليّ فقنع بالقناة رأسي وقال : خذها إليك يا عمرو ثانيةفتصاغرت عليّ نفسي جداً ، وقلت : والله لا ينصرف إلا أحدنا فاطرد لي فاطرد حتى ظننت أني وضعت الرمح بين كتفيه فوثب عن فرسه ، فإذا هو على الأرض فأخطأته فاستوى على فرسه واتبعني حتى قنع بالقناة رأسي وقال: خذها إليك يا عمرو ثالثة ولولا كراهتي لقتل مثلك لقتلتكفقلت: اقتلني أحب إلي ولا تسمع فرسان العرب بهذافقال: يا عمرو ، إنما العفو عن ثلاث ، وإذا استمكنت منك في الرابعة قتلتك .فهبته هيبة شديدة ، وقلت له : إن لي إليك حاجةقال : وما هي ؟قلت : أكون صاحباً لكقال : لست من أصحابي فكان ذلك أشد عليّ وأعظم مما صنع ، فلم أزل أطلب صحبته حتى قال : ويحك أتدري أين أريد ؟قلت : لا واللهقال : أريد الموت الأحمر عياناًقلت : أريد الموت معكقال : امض بنا فسرنا يومنا أجمع حتى أتانا الليل ومضى شطره . فوردنا على حي من أحياء العربفقال لي : يا عمرو في هذا الحي الموت الأحمر فإما أن تمسك عليّ فرسي فأنزل وآتي بحاجتي ، وإما أن تنزل وأمسك فرسك فتأتيني بحاجتيفقلت: بل أنزلت أنت . فأنت أخبر بحاجتك مني ، فرمى إلي بعنان فرسه ورضيت والله يا أمير المؤمنين بأن أكون له سائساً ، ثم مضى إلى قبة فأخرج منها جارية لم تر عيناي أحسن منها حسناً وجمالاً ، فحملها على ناقة ثم قال: يا عمرو ، فقلت : لبيك !قال : إما أن تحميني وأقود الناقة أو أحميك وتقودها أنت ؟قلت: لا بل أقودها وتحميني أنت ، فرمى إلي بزمام الناقة ثم سرنا حتى أصبحنا قال: يا عمرو قلت: ما تشاء ؟ قال: التفت فانظر هل ترى أحداً ؟فالتفت فرأيت رجالاً فقلت: اغذذ السير ثم قال: يا عمرو انظر إن كانوا قليلاً فالجلد والقوة وهو الموت الأحمر ، وإن كانوا كثيراً فليسوا بشيء , فالتفت وقلت: وهم أربعة أو خمسة قال: اغذذ السير ففعلت ، ووقف وسمع وقع حوافر الخيل عن قرب فقال: يا عمرو ، كن عن يمين الطريق وقف وحول وجه دوابنا إلى الطريق ففعلت ووقفت عن يمين الراحلة ووقف عن يسارها ودنا القوم منا وإذا هم ثلاثة أنفار شابان وشيخ كبير ، وهو أبو الجارية والشابان أخواها ، فسلموا فرددنا السلامفقال الشيخ: خل عن الجارية يا ابن أخيفقال: ما كنت لأخليها ولا لهذا أخذتهافقال لأحد ابنيه: اخرج إليه ، فخرج وهو يجر رمحه فحمل عليه الحارث و شد على ابن الشيخ بطعنة قد منها صلبه ، فسقط ميتاً ، فقال الشيخ لابنه الآخر اخرج إليه فلا خير في الحياة على الذلفأقبل الحارث وهو يقول لقد رأيت كيف كانت طعنتي -- والطعن للقرم الشديد همتي والموت خير من فراق خلتي -- فقتلتـي اليـوم ولا مذلتـي ثم شد على ابن الشيخ بطعنة سقط منها ميتاً ، فقال له الشيخ : خل عن الظعينة يا ابن أخي ، فإني لست كمن رأيت فقال : ما كنت لأخليها ، ولا لهذا قصدتفقال الشيخ : يا ابن أخي اختر لنفسك فإن شئت نازلتك وإن شئت طاردتك، فاغتنمها الفتى ونزل فنزل الشيخ وهو يقول ما أرتجي عند فناء عمـري --سأجعل التسعين مثـل شهـر تخافني الشجعان طول دهري --إن استباح البيض قصم الظهر فأقبل الحارث وهو ينشد ويقول بعد ارتحالي ومطال سفري --وقد ظفرت وشفيت صدريفالموت خير من لباس الغدر --والعار أهديـه لحـي بكـر ثم دنا فقال له الشيخ: يا ابن أخي إن شئت ضربتك ، فإن أبقيت فيك بقية فيَّ فاضربني وإن شئت فاضربني . فإن أبقيت بقية ضربتك فاغتنمها الفتى وقال: أنا أبدأفقال الشيخ: هاتفرفع الحارث يده بالسيف فلما نظر الشيخ أنه قد أهوى به إلى رأسه ضرب بطنه بطعنة قد منها أمعاءه ووقعت ضربة الفتى على رأس الشيخ فسقطا ميتين فأخذت يا أمير المؤمنين أربعة أفراس وأربعة أسياف ثم أقبلت إلى الناقة فقالت الجارية: يا عمرو: إلى أين .ولست بصاحبتك ولست لي بصاحب ولست كمن رأيت فقلت : اسكتيقالت : إن كنت لي صاحباً فأعطني سيفاً أو رمحاً فإن غلبتني فأنا لك وإن غلبتك قتلتكفقلت: ما أنا بمعط ذلك ، وقد عرفت أهلك وجراءة قومك وشجاعتهم فرمت نفسها عن البعير ثم أقبلت تقول أبعد شيخي ثم بعد أخوتـي -- يطيب عيشي بعدهم ولذتـي وأصحبن من لم يكن ذا همةٍ-- هلا تكون قبـل ذا منيتـي ثم أهوت إلى الرمح وكادت تنزعه من يدي ، فلما رأيت ذلك منها خفت إن ظفرت بي قتلتني ، فقتلتها فهذا يا أمير المؤمنين أشجع من رأيت .يس