( هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين * ولا تهنوا ولا تحزنوا وانتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ) ال عمران 138 و 139صدق الله العظيم مصادر المشروع القومي : تتلخص مصادر الفكر والمشروع القومي العربي بالآتي: أ- رسالات السماء : يشكل الدين برسالاته المقدسة التى تلقاها أنبياء الله المصدر الأول والرئيسي للفكر القومي العربي، كون الكتب المقدسة والأنبياء بينوا التشريع الرباني المقدس، الذي يبين الحدود والحقوق والتشريع الأرقى والقيم العليا، التي تخدم الإنسان الفرد والبشرية جمعاء، وتعطي الصور المثلى للعلاقات الإنسانية بين البشر شعوبا وقبائل وأفراد، ويعتبر القرآن الكريم الكتاب الذي يمثل تمام الكمال لرسالات السماء، حيث جاء مصدقا لما قبله ومهيمنا عليه، أي حافظا لما نزل قبله وفيه تفصيلا أكثر، كما أنه مكفول بمشيئة الله من التحريف، ولهذا قال المرحوم أحمد يوسف عفلق مؤسس البعث: ( في حياتنا القومية حادث خطير وهو ظهور الإسلام .. حادث قومي وإنساني عالمي، ولا أجد الشباب العرب يعطون هذا الحادث حقه من الإهتمام، لا أجد أنهم يدرسونه ويحيطون بكل ظروفه وتفاصيله وملابساته، لأن فيه عظة بالغة، فيه تجربة هائلة من تجارب الإنسانية يمكن أن تغنيهم وتغني ثقافتهم العملية والسياسية وكل شيء ) في سبيل البعث ج1نظرتنا للدين ص 116-117. وحين تكلم عن الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم، قال: ( كان محمدا كل العرب فليكن العرب اليوم محمد ) نفس المصدر في ذكرى الرسول العربي، لقد أدرك القوميون حقيقة عظيمة من خلال فهمهم الحقيقي للدين، هي: أن الحرية تكون وتتحقق بالأيمان وليس بالكفر، بالتمسك الحقيقي بخلق الدين وقيمه لا بالتحلل منها والكفر بالدين. ب- تراث الأمة العربية القيمي والثقافي والتاريخي: فقد كانت الأمة العربية رائدة التمدن والحضارة البشرية، وقيمها التي جبلت عليها، والتي أقر الإسلام أكثرها، وقومها وشذب المنحرف منها، وما نقله المؤرخون وكشفه الآثاريون عن حضارات وادي الرافدين ووادي النيل وأرض سبأ وحمير إلا دليلا على ذلك. ت- الأرث الإنساني وتجارب الشعوب: فنتيجة للتلاقح والتفاعل بين حضارات الأمم والشعوب، من خلال الحوار والتبادل المعرفي، والإقتباس الواعي، كان للفكر الإنساني إنعكاسا على التطور الفكري والثقافي العربي. لقد وضع الدين والتشريع الرباني ثوابت عظيمة راسخة للعلاقات البشرية عموما، قائمة على قواعد ومثل سامية، كان لها الأثر الأكبر في اسس وقواعد الفكر والمشروع القومي العربي، منها للمثال لا الحصر: 1. الإنسان قيمة عليا ومخلوق كرمه الله، فقول الله تعالى لملائكته عليهم السلام: ( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ) البقرة من الاية 30، فهذا يعني أن الله سبحانه ميز الإنسان من بين خلقه وجعله خليفة في الأرض، ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيل ) الإسراء70، ويبين الله تعالى لنا نعمته على الإنسان ودرجته عند خالقه: ( لقد خلقنا الإنسان بأحسن تقويم ) . 2. وتكفل حياته ومعاشه: ( ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون ) الأعراف 10. 3. وعلم الإنسان ما لم يعلم، ولا يعلمه غيره، حتى الملائكة المقربون عليهم السلام، ومنحه نعمة العقل والتدبر. ( وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين ) البقرة 31. 4. حذر الخالق سبحانه أبوينا آدم وحواء من الشيطان، وقال لهما أنه عدو لكم فإتخذوه عدوا. 5. أمر الله تعالى الإنسان بالعمل الصالح، وحذره من الكفر وعمل السوء، فقد قال الله تعالى لرسوله عيسى بن مريم عليه السلام: ( فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين* وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم إجورهم والله لا يحب الظالمين ) آل عمران56و57. 6. سخر الله للإنسان كل شيء ليضمن له حياة حرة كريمة. إقرأ سورة النحل 1- 15. 7. تحريم قتل النفس البشرية، وجعلها من كبائر الذنوب إن حدثت دون إرتكاب قتل نفس أو سعي لفساد شامل، والآية الكريمة تنص على ذلك: ( من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميع ) . مع ترجيح كفة العفو والصفح، ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فإتباع بالمعروف وأداء اليه بإحسان ذلك تخفيف لكم من ربكم ورحمة فمن إعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم ) . 8. أكد كل أنبياء الله المصطفين والكتب المقدسة على الأخلاق، كركيزة أساسية لبناء الإنسان والعائلة والمجتمع، وأكدت إن الأخلاق هي الهدف الأعلى في إنسانية الإنسان والمجتمعات عموما، فقول رسول الله وخاتم النبين محمد صلى الله عليه وآله وسلم: ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) ، يوضح ذلك، بأن تمام الخلق هو الأيمان الحقيقي. 9. قول الله عز وجل للرسول الكريم محمد: ( لو كنت فضا غليظ القلب لإنفضوا من حولك ) ، هو أمر للناس أن يتعاملوا مع الآخرين بالمودة والرحمة، وخاصة القادة والرؤوساء، وكذلك قول الله للناس: ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ) التوبة 128، وهو يدل نفس الدلالة، فهكذا يجب أن يكون القائد والحاكم. فالله سبحانه لا يريد وصف الرسول فهو اصطفاه وبعثه، لكنه يريدنا نعي وندرك. 10. إعتماد الحوار في كل نواحي الحياة خاصة في حل المشاكل والمعضلات الوطنية إجتماعية كانت أو سياسية أو تنموية. ( وأدعو الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ) . ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ) العنكبوت من الآية 46. 11. التأكيد على إستطلاع رأي الشعب، وإتخاذ القرار بضوء مشورتهم، ( وشاورهم في الأمر ) . 12. الدعوة للقيم الفاضلة ونشر السلام والتسامح، والتعايش الفاعل بين أبناء هذه الأمة، عبر التعاون والإحترام المتبادل لإنتماء الديني والفكري والقومي للإنسان، وعلى ذات الأسس مع الأمم المسالمة الأخرى. 13. نهى الله سبحانه وتعالى عن السخرية من الآخرين وعن اللمز والتنابز بالألقاب، لأن ذلك يثير الضغينة والأحقاد، أنظر الآية 11 من سورة الحجرات. 14. نهى الله سبحانه وتعالى عن الضن كله، وليس فقط العمل على أساسه بلا دليل ولا بينة، لأن ذلك يسبب الظلم، وهذا يورث غضب الله، ودمار الأمم، ويبعث الفتنة. 15. كذلك نهى سبحانه عن التجسس على أسرار الناس، ونهى عن الغيبة والنميمة لأنهن وسائل الشيطان وأتباعه للفتنة والنزاع، بل وأعتبرها كأكل لحم الأخ ميتا. لاحظ سورة الحجرات الآية 12. 16. المساواة بين الناس وتأكيد القربى بينهم، والدعوة للتعارف والمودة، بل إخوة وأقرباء وعليهم أن يتقوا الله ويصونوا الصلة بينهم ولا يبغي بعضهم على بعض، وإن المقرنة بالفضل بينهم هو التقوى ( أي العمل الصالح ) ، ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ) . وقول رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: ( كلكم لآدم وآدم من تراب ) . 17. إن الله خلق الناس سواسية وأمرهم بالتواصل والتراحم: ( ياأيها الناس إتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالا كثير ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليما رقيب ) النساء1. 18. إحترام حرية المعتقد عبر قوله سبحانه وتعالى: ( لا إكراه في الدين ) . ولم يكلف حتى النبي الكريم أن يسعى لهداية الناس الى الدين كرها، بل أبلغه بأنه غير مسؤول عن ذلك، بل هي مشيئة الله وهدايته: ( ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء ) . 19. عدم تحميل الأهل والاقارب والأتباع وزر المخطيء، فالنص القرآني يؤكد ذلك: ( ألا تزر وازرة وزر أخرى ) النجم 38، ( من عمل عملا صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد ) . فصلت 46. 20. المعيار في تفضيل أو تقديم مواطن على آخر هو جهده وسعيه لخدمة أبناء شعبه، ( إن أفضلكم عند الله أتقاكم ) ، وهذا نص صريح بأن التفضيل لا يكون إلا بالتقوى، ومعنى التقوى ليس إداء الفرائض الدينية فحسب، بل هي العمل الصالح، والتعامل الايجابي المثمر مع الناس، فقول رسول الله محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم واضح: ( الدين المعاملة ) ، وقوله: ( الدين النصيحة ) أي النصح للناس حكاما ومحكومين، والابتعاد عن أذى الناس بأرواحهم وممتلكاتهم، يبين معنى الآية. 21. المواطنة الصالحة بكل جوانبها هي معيار ومهماز تقيم المواطنين فيما بينهم أمام القانون، حيث يقول الله سبحانه: ( وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من عمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات ءامنون ) . سبأ 37. 22. التعاون بين الناس على العمل الصالح، كما جاء أمره عزوجل: ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) . 23. النهي عن التنازع والاقتتال لأنه يضعف الأمة ويكون عونا لأعدائها، فقد جاء أمره عز وجل: ( لا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) . 24. النهي عن الفتنة وإجتنابها: ( الفتنة أشد من القتل ) ، و ( الفتنة أكبر من القتل ) . 25. النهي عن الفرقة والتمزق، فقول الله تعالى صريحا: ( وإعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقو ) ، فالفرقة والتناحر من مسببات ضياع الأمم وتدهورها. 26. نهى الله تعالى المؤمنين من التناقض بين القول والفعل، بيّن أن يدعي أنه يريد الإصلاح ويفعل ما ينافيه هو مكروه بل ممقوت عندالله سبحانه: ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون* كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون* ) الصف 2و3. 27. أمر الله بإصلاح ذات البين خصوصا في النزاع بين المؤمنين، وردع الباغي حتى يعود عن غيه، وعندها على المؤمنين إصلاحهم. الحجرات الآيتين 9و10. 28. حذر الله المؤمنين من اعتماد أخبار وبلاغات الفاسقين وغير المشهود لهم بالإيمان والتقوى والصدق، لأن ذلك يسبب الظلم للناس، لاحظ الحجرات الآية 6. 29. الدين هو السعي لخدمة الآخرين، وقضاء حوائجهم، وهذا يبنه قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( من سعى صادقا في حاجة أخيه ساعة من زمن كمن إعتكف في مسجدي هذا شهران ) ، وكلنا يعرف ماذا يعني ذلك، وإن الإعتكاف والصلاة في مسجد الرسول تضاعف أضعافا عن سواه من المساجد. 30. حرم الله الفواحش كلها ما ظهر منها وما بطن، مثل السرقة والرشوة والطمع والربا، وأمرنا بتجنب الزنا والخمر والميسر وكل ذميمة، وتركها هو الطريق الصحيح لبناء مجتمع فاضل، ودولة قوية يسودها العدل والعفة، وتحتكم للقانون. 31. الإستعداد والتحسب والتهيؤ لمواجهة العدو، والدفاع عن الدين والآرض والعرض والمال والنفس. فأمره جل في علاه: ( وأعدوا لهم ما إستطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ) ، واضح هنا معنى الإعداد :التهيؤ والتحسب، وعدم الإتكال على غير الله تعالى. 32. منع العدوان والبغي على الأمم والشعوب الأخرى، فأمر الرب تعالى صريحا: ( قاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلوكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ) . وفي الآيتين المشار لهما في 30و31 أمر واضح بأن الحرب والقتال أمر إضطراري، وهو إستثناء وليس قاعدة، كما أنها للدفاع وليس للعدوان والبغي والتجبر. 33. أمر الله تعالى بالعدل، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) المائدة:8. وهذا قول سيدنا علي عليه السلام: ( إن أفضل عباد الله عند الله إمام عادل ) ، وقوله ( إن ثبات الدول بإقامة العدل ) . 34. أمر الله الإهتمام بالناس المستضعفين والفقراء، وقوله تعالى واضح في الإنحياز لهم: ( ونريد أن نمن على الذين إستضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ) القصص5. 35. تحريم الظلم، فالحديث القدسي يؤكد ذلك، ( إني حرمت الظلم على نفسي وعلى عبادي، ألا فلا تظالمو ) صدق الله ورسوله. وقول الرسول الكريم: ( الظلم ظلمات يوم القيامة ) . وقد حذر الله سبحانه من الظلم: ( وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آَخَرِينَ ) الأنبياء:11. وقال تعالى: ( وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ) هود:102. وقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا َ،سَرَقَ فِيهُمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفَََ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَأَيْمُ اللَّهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَ ) . 36. قول الرسول الكريم محمد صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، يدعو الناس لعدم الخنوع والإستسلام للجور والظلم، ويحفز الناس على الدفاع عن حقوقهم ومقدساتهم، وهو أمر شرعي فهو صادر عمن لا ينطق عن الهوى بل هو وحي يوحى: ( من قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون ماله فهو شهيد ) . 37. تحريم إحتكار الطعام، بل وتحريم أن يكون الفارق بين الأغنياء والفقراء بحيث هناك من يبيت متخما وغيره جائع، فالحديث الشريف يشرع ذلك: ( الظلم ظلمات يوم القيامة. ومن إحتكر طعاما أربعين ليلة فقد بريء من الله تعالى، وبريء الله منه. وأيما أهل عرصة أصبح فيهم أمريء جائع، فقد برئت منهم ذمة الله تعالى. فلا يشبع رجل دون جاره ) . 38. وهذه أقوال خليفة رسول الله وصاحبه سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه عندما كلف بالخلافة، توضح رأي الدين من كثير من مسائل الحكم، وهذا ليس إجتهاد منه بل هو ما تعلمه وتلقاه من رسوله ومعلم البشرية العظيم محمد الصادق الأمين: ( أما بعد أيها الناس فأني قد وُلّيت عليكم ولست بخيركم ) ، و ( فإن أحسنت، فأعينوني، وإن أسأت فقوِّموني ) ، و ( الصدق أمانة، والكذب خيانة ) ، و ( واعلموا أن الضعيف فيكم قوي عندي حتى أرجع عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله ) ، و ( أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم ) . 39. وهذا قول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخليفة الثاني عمر بن الحطاب رضي الله عنه، يبين رأي الدين في العلاقة بين الناس وبالأخص المواطنين: ( لا تضربوا الناس فتذلوهم، ولا تحرموهم فتكفروهم .. مذ كم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرار ) . 40. وقول سيدنا الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام يبين رأي الدين في الفقر والبطالة والحرمان: ( أن الغِني في الغربة وطن، والفقر في الوطن غربة .. والفقر يخرس الفطين عن حجته .. والمُقل غريب في بلدته ) . هذه مصادر الفكر القومي القومي العربي الإيماني الإنساني، ومنه نهل وغرف مؤسسوا حزب البعث العربي الإشتراكي، المرحومين أحمد يوسف عفلق وصلاح الدين البيطار، اللذان كانا الرائدان في بلورة الفكر القومي العربي ووضع مشروعه، فجاءت نظرية البعث إيمانية إنسانية، تناهض العدوان والإستعمار، وتدعوا للسلام والتعاون بين الأمم والشعوب، والعدل والتسامح والمساواة بين المواطنين، فقد أدركا السبب الحقيقي للتغير في جوهر الإنسان العربي ووجدانه، الذي تحقق من خلال الإسلام والإيمان، وبفعل وتأثير الرسول العظيم محمد والقرآن، فبالأيمان والعدل والصدق والعفة توحدت الأمة، ومن خلال العمل بتلك الأخلاق وقيم العدل توسعت دولة الإسلام، لا بالسيف كما يحاول الأعداء أن يرجون ويكتبون، فالعرب في الجزيرة لم يكونوا أصحاب غنى وثروة، ولم يعرف عندهم سلاح غير السيف والرمح، وكانت بجوارهم أكبر إمبراطوريتين تحتلان بلاد العرب الباقية، بل يعتبرونها ملكا لهم، هما الإمبراطورية الفارسية والإمبراطورية الرومانية، فليفكر كل ذي لب كيف تمكن العرب من إسقاط كسرى الفرس وهرقل الروم؟ وبأي وسيلة وإمكانات؟ وهنا يتضح بجلاء كم يعطي الأيمان الراسخ بالله والحق، والتمسك بالخلق العالي والصدق، من عزم وهمة وقدرة وشجاعة، فالرسول لخص الدين بكلمة: ( الدين المعاملة ) ، فإن إنتصار العرب في ذي قار كان بوحدتهم وتناخيهم ضد الشر والبغي، وإنتصار العرب المسلمين في القادسية واليرموك لم يكن بتخطيط وتفوق فكر قيادتهم العسكرية متمثلة بسعد بن أبي وقاص وخالد بن الوليد وعبيد الله بن الجراح والقادة دونهم، ولم يكن بسيف المقداد وعاصم وأبي محجن وعكرمة وشرحبيل وكل جند جيش القادسية واليرموك، رضي الله عن كل من سبقونا للإسلام وآمنوا وأرضاهم، بل كان بإيمانهم وخلقهم وبالعدل، هذه القيم التي كانت تحكم العلاقة بينهم قادة وجند، وكل ما عرفته الشعوب المظلومة عن الإسلام ونبيه من مكارم الخلق وصدق القول، وأن ذلك هو دستور الدولة وقوامها، فأنتظروا أن يأتيهم المسلمين ليلتحقوا بهم، فيتخلصوا من ظلم حكامهم، ومن التمييز بين الناس الذي يمارسه حكامهم عليهم، نعم بهذا إنتصر العرب المسلمون وبه عزوا، وأنتصروا على أنفسهم أولا، ثم قادوا الشعوب والأمم التي فتحوها، داعين لله ومكارم الأخلاق والحق والعدل، والخلاص من الظلم والجور وعبادة الملوك، وعدم التمييز بين البشر.