شبكة ذي قار
عاجل










رحل ناجي طالب بصمت..الجمعة 23 مارس الماضي كان ينبغي أن يكون من أشد أيام العراق حزناً على رحيل رمز عراقي كبير، لكن العراق المنشغل بآهاته وأحزانه وصوائحه ونوائحه، وما تسمى (الطبقة السياسية) منشغلة بنهب العراق والصراع على مصالحها جعلت من رحيل ناجي طالب خبراً ثانوياً، بل هامشياً في أنباء العراق. وناجي طالب سياسي عراقي معتدل، ولكنه مع اعتداله لم يفرط بذرة واحدة من تراب العراق وقد ترأس الحكومة العراقية في مرحلة من أكثر مراحل العراق دقة وحساسية وخطورة.كنت صبياً في العاشرة من عمري يوم صار (أبو طالب)، وهذه هي كنيته، رئيساً للحكومة العراقية، وعرفت عندما كبرت قليلاً أنه كان أحد الضباط الأحرار الذين خططوا لثورة 14 يوليو 1958 التي أسست الجمهورية العراقية، وأنه من مواليد العام 1917 في محافظة ذي قار وكبرى مدنها الناصرية (370 كلم جنوب بغداد) لأسرة ثرية يعود نسبها إلى عشيرة عنزة العربية، وكان والده عضو مجلس الأعيان في العهد الملكي وأحد ملاك الأراضي، ولكن ناجي طالب الذي التحق بالكلية العسكرية العراقية عام 1937 كان ضد توجهات والده، كما يبدو، إذ أسهم في ثورة كانت ضد ملاك الأراضي. بعد نجاح ثورة يوليو 1958 تولى طالب وهو من الشخصيات القومية في العراق منصب وزير الشؤون الاجتماعية في أول وزارة بعد الثورة، ثم شغل منصب وزير الصناعة عام 1963، وترأس الحكومة العراقية من 9 أغسطس 1966 إلى 10 مايو 1967 في عهد الرئيس العراقي الراحل عبد الرحمن محمد عارف. وكنت أذهب إلى مجلسه في بيته في شارع الأميرات في منصور بغداد صحبة العلامة الكبير الراحل الدكتور علي الوردي، وكان الوردي بما عرف عنه من مشاكسات وحب للجدل والتذكير بسلبيات المسؤولين أو الذين كانوا يوماً مسؤولين حكوميين يجادله بما يجعل الحصيف المتزن المتعقل يخرج عن طوره إلا أن (أبا طالب) يبقى يجادل ويجيب عن أسئلة الوردي ومشاكساته برزانة واتزان، مفوّتاً عليه فرصة استثارته أو إخراجه من طوره. كانت أحاديث ناجي طالب في مجلسه تستعرض ذكريات هذا التاريخ الطويل الذي قضاه في خدمة العراق، ولم يكن حديثه في مجالسه الخاصة ليختلف عنها في مجالسه العامة، فهي أحاديث مترعة بالأحداث التي يكون أبو طالب غالباً من صناعها الرئيسين. وللتاريخ أذكر أن سعد البزاز وكان يشغل منصب رئيس تحرير جريدة الجمهورية طلب مني أن أحصل له على موعد من ناجي طالب لزيارته وسؤاله والاستفادة من المعلومات التي سيفيضها في مؤلفه (حرب تلد أخرى)، وذهبنا وكان معنا الزميل حسام سري والتقينا طالب، وكان ذلك أواخر العام 1991، وأطلعنا طالب على سر خطير أن الرئيس الراحل صدام حسين، بعد انتهاء حرب الخليج الثانية طلب منه تسنم رئاسة الحكومة لدقة الظروف التي كان العراق يمر بها.. قال طالب: فرفضت العرض جملة وتفصيلاً.وبهتنا وسألناه باستغراب: لماذا يا أبا طالب؟فأجاب: قلت لهم كيف يمكنني أن أعمل في حكومة إذا أراد فيها رئيس الجمهورية شيئاً أراده، وإذا لم يرده لم يرده.وعرفنا من أبي طالب خلال تلك الجلسة أن قضية تمت مناقشتها في مجلس الوزراء إبان حكمه تتعلق بدولة جارة المطلوب أن يقدم فيها العراق تنازلات من ترابه لإرضاء هذه الدولة، وقال لنا أبو طالب: وقفت وسط المجلس وصحت بأعلى صوتي أن من سيقدم أدنى تنازل عن حق من حقوق العراق سأقطع يده. رحمك الله يا ناجي طالب.. عملت لوطنك بصمت وأعطيت بصمت ولم تساوم ولم تهادن وكنت رمزاً وطنياً كبيراً وراية عراقية عالية.. ولشدما يؤسفني أيها الفقيد الغالي أن الأقدار رمتني بعيداً عن بغداد والعراق ولم أعد أحضر مجلسك الذي كان مدرسة حقيقية في الوطنية تعلمت منها الكثير الكثير.. وأنا مدين لك أيها الفقيد الأعز بالكثير الكثير.. وها نحن نراك يا سيدي، ترحل بصمت والعراق الذي أفنيت شبابك من أجله يغرق في (فوضى خلاقة) لا يدري أحد متى ستنتهي إلا أبناءه المخلصين الذين كنت في مقدمتهم.. نم هانئاً سيدي فأنت أعطيت فوق المطلوب ولم تأخذ إلا أقل من المطلوب، وليسكنك الله جنانه الواسعة، ويلهمنا الصبر والسلوان ويعوض العراق بمن ينهض بحمله كما نهضت.




الاثنين١٠ ÌãÇÏí ÇáÇæá ١٤٣٣ ۞۞۞ ٠٢ / äíÓÇä / ٢٠١٢


أفضل المقالات اليومية
المقال السابق سلام الشماع طباعة المقال أحدث المقالات دليل المواقع تحميل المقال مراسلة الكاتب
أحدث المقالات المضافة
فؤاد الحاج - العالم يعيد هيكلة نفسه وتتغير توازناته فيما العرب تائهين بين الشرق والغرب
ميلاد عمر المزوغي - العراق والسير في ركب التطبيع
فؤاد الحاج - إلى متى سيبقى لبنان ومعه المنطقة في مهب الريح!
زامل عبد - سؤال مهم، هل المشتركات الايديولوجية بين جماعة الاخوان والصفويين الجدد انعكست في مظلومية غزة الصابرة المحتسبة لله؟- الحلقة الاخيرة
زامل عبد - سؤال مهم، هل المشتركات الايديولوجية بين جماعة الاخوان والصفويين الجدد انعكست في مظلومية غزة الصابرة المحتسبة لله؟ - الحلقة السادسة
مجلس عشائر العراق العربية في جنوب العراق - ãÌáÓ ÚÔÇÆÑ ÇáÚÑÇÞ ÇáÚÑÈíÉ Ýí ÌäæÈ ÇáÚÑÇÞ íåäÆ ÇáÔÚÈ ÇáÚÑÇÞí æÇáãÓáãíä ßÇÝÉ ÈãäÇÓÈÉ ÚíÏ ÇáÇÖÍì ÇáãÈÇÑß ÚÇã ١٤٤٥ åÌÑíÉ
مكتب الثقافة والإعلام القومي - برقية تهنئة إلى الرفيق المناضِل علي الرّيح السَنهوري الأمين العام المساعد و الرفاق أعضاء القيادة القومية
أ.د. مؤيد المحمودي - هل يعقل أن الطريق إلى فلسطين لا بد أن يمر من خلال مطاعم كنتاكي في بغداد؟!
زامل عبد - سؤال مهم، هل المشتركات الايديولوجية بين جماعة الاخوان والصفويين الجدد انعكست في مظلومية غزة الصابرة المحتسبة لله؟ الحلقة الخامسة
د. أبا الحكم - مرة أخرى وأخرى.. متى تنتهي كارثة الكهرباء في العراق؟!
زامل عبد - سؤال مهم، هل المشتركات الايديولوجية بين جماعة الإخوان والصفويين الجدد انعكست في مظلومية غزة الصابرة المحتسبة لله؟ ] - الحلقة الرابعة
القيادة العامة للقوات المسلحة - نعي الفريق الركن طالع خليل أرحيم الدوري
مكتب الثقافة والإعلام القومي - المنصة الشبابية / حرب المصطلحات التفتيتية للهوية العربية والقضية الفلسطينية ( الجزء السادس ) مصطلحات جغرافية وأخرى مشبوهة
الناطق الرسمي باسم حزب البعث العربي الاشتراكي - تصريح الناطق الرسمي باسم القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي حول مزاعم ومغالطات خضير المرشدي في مقابلاته على اليوتيوب ( الرد الكامل )
مكتب الثقافة والإعلام القومي - مكتب الثقافة والإعلام القومي ينعي الرفيق المناضل المهندس سعيد المهدي سعيد، عضو قيادة تنظيمات إقليم كردفان