تعرف الفدرالية بأنها نظام سياسى يضم مجموعة من الكيانات الدستورية و لكل منها نظامها القانونى الخاص بها و استقلالها الذاتى و يلجأ اليها عادة فى الدول ذات التمايز الإثني او الديني او الإقتصادي وهذا ما حدث فى الولايات المتحدة و كندا و البرازيل و غيرها . لقد كانت الفيدرالية حلا لكيانات متفرقة و مستقلة تريد أن تتوحد فى كيان واحد و ليس العكس . هكذا كان الحال مع الولايات المتحدة الأمريكية و التى يضربون بها المثل , فقد كانت اكثر من 13 مستعمرة ثارث على النظام الملكى البريطانى ثم شكلت فيما بينها نظاما كونفدراليا (اى اتحاد دول ) تطور فيما بعد الى نظام فيدرالى ( نظام الولايات). الحال كذلك فى كندا فهو اتحاد بين مقاطعات مستقلة تماما عن بعضها و ما زالت كوبيك تختلف مع بقية كندا فى كثير من الأمور و تعتمد اللغة الفرنسية كلغة رسمية بمقاطعة كوبيك على خلاف بقية المقاطعات الكندية و ما زال هاجس الإنفصال يلوح فى الأفق بين حين و آخر . لم يحصل حسب معلوماتى ان دولة موحدة لها كافة المقومات الجامعة من حيث التاريخ و اللغة و الدين و التوافق العرقى أن التجأت الى النظام الفدرالى و تفتيت نفسها و تحركت عكس حركة التاريخ. كما اننا يجب الا نهمل العوامل التاريخية التى تكونت فيها هذه الفيدراليات فنحن نتحدت عن اكثر من مئتى سنة مضت بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية و حتى بالنسبة للبرازيل فإن عمر النظام الفيدرالى بها يزيد عن مائة سنة و توقف العمل به بسبب الإنقلابات العسكرية و سيطرة الدكتاتورية العسكرية و التى بطبعها سلطة طاغية لا تحترم االدستور و قد عادت البرازيل اليها بعد التحول الديمقراطى الذى تم فى البلاد فى بدايات الثمانينات من القرن الماضى . وهل من المنطقى ان نضرب مثلا بأمريكا و هى من اكبر دول العالم مساحة و عدد سكانها يزيد عن 300 مليون نسمة و هى الدولة العظمى اليس هذا اجحافا و نوعا من التضليل . و ايضا البرازيل و هى تكاد ان تكون قارة بحالها و عدد سكانها يفوق 200 مليون نسمة. و كذالك الأمر بالنسبة للهند و استراليا فنحن نتحدت عن قارات و عن شعوب متمايزة فى اللغات و الدين و العرق . اما بالنسبة للدول الأوربية الفيدرالية فإنه الى جانب العوامل التاريخية و المرتبطة بالحروب و الصراعات التى شهدتها ابان القرنيين الماضيين فإن هذه الدول تتعدد فيها الأعراق و اللغة مثل سويسرا و بريطانيا و بلجيكا و اسبانيا . ونعيد السؤال هل من المنطق ان نقارن ليبيا بدول تطورت مجتمعاتها منذ مئات السنين و مارست الديمقراطية و تعزز فيها مفهوم المواطنة فهل يمكن ان نقارن هذه الدول بليبيا . هل هناك احد فى اوربا يقول لك انا من قبيلة كذا او حتى يوجد بعقله و تفكيره شىء اسمه القبلية أو الجهوية فى حين اننا فى ليبيا ما زالت القبلية و الجهوية تلعب دورا كبيرا فى مجتمعنا بل هذه المفاهيم و للأسف هى المعرقلة الآن لتواجد الدولة و سيطرتها حتى على المنافد الدولية ! . لماذا لا يتحدت اخواننا انصار الفيدرالية عن الفيدراليات فى العالم الثالت و عن نيجيريا الفيدرالية و ما تعانيه من فساد و تخلف و صراعات و انقلابات عسكرية متتالية . فهل حلت الفيدرالية فى نيجيريا مشكلة الفقر و الظلم و التهميش و هل و فرت الأمن و الإستقرار و هى اكبر الدول الأفريقية و الدولة الغنيىة بالنفط . و كذلك الحال فى اثيوبيا و اندونيسيا و الباكستان و بنغلاديش و غيرها هل حالها جيد و هل طورتها الفيدرالية و حققت الرفاهية لشعبها وهى التى ما زالت دول ينخرها الفساد . الم تؤد الفيدرالية الى تقسيم ماليزيا و انفصال سنغافورة عنها فى سنة 1965 و لنفس الحجج التى يتحججون بها الآن التهميش و عدم المساوات و سيطرة القسم الماليزى على مقدرات السلطة . المشكلة هى اذا مشكلة تخلف و غياب الديمقراطية و عدم ترسيخ مفهوم المواطنة و تعزيز مفهوم الدستور و هو ما يجب ان نعمل على ارسائه فى ليبيا . فى العالم الآن يوجد 24 دولة فيدرالية فقط من بين 193 دولة فلماذا نختار الفئة القليلة و نترك الإجماع . للأسف بعض اخواننا من دعاة الفيدرالية يتعمدون تضليل الناس و الرأى العام عن مفهوم الفيدرالية و يعرضونها و كأنها تقسيم ادارى و ليست تقسيما سياسيا و يربطونها عن عمد بموضوع الإجراءات الإدارية المتعلقة بمصالح المواطنين . المشاكل التى يتحدثون عنها بخصوص مساوىء المركزية الإدارية يمكن حلها بكل بساطة عن طريق تطوير النظام الإدارى للدولة وتطبيق اللامركزية و اعطاء الصلاحيات للمحافظات دون الحاجة للعودة للمركز و هذا ما يجرى بأغلب الدول الأوربية المتقدمة و التى استطاعت القضاء على البيروقراطية الى حد كبير بتبسيط الإجراءات المتعلقة بشئون المواطنين . بإمكاننا ان نستفيد من تجارب الدول الأوربية المتقدمة و نختار منها ما يناسبنا و هى دول كثيرة بدءا بفرنسا و حتى الدول الإسكندنافية و التى تقاربنا فى عدد السكان . ليبيا دولة فى طور التكوين و ما نحتاجه هو بناء نظام ديمقراطى يسع الجميع و نريد انشاء احزاب على مستوى وطنى بحيث تكون اختياراتنا فى المستقبل على اساس برامج الأحزاب الوطنية و ليست على اسس قبلية او جهوية .الفيدرالية ستضيع منا هذه الفرصة و ستضرب الديمقرطية فى مقتل و ستنشأ الأحزاب على اسس جهوية الأمر الذى سيمهد للأنفصال و هو ما حدث فى تجربة تشيكوسلوفاكيا بعد سقوط النظام الشيوعى فيها وما حدث فى ماليزيا ايضا . علينا المحافظة على ليبيا و عدم الإستهانة بما يحدت , فنحن اقوياء بوحدتنا و لكننا بتفرقنا سنكون لقمة سائغة للكثيرين بما فى ذلك الذين حولنا . بعض الدول تتعارض مصالحهم مع قيام دولة ديمقراطية فى ليبيا لأنها ستشع على المنطقة العربية كلها و لأنها بإمكانياتها المادية التى حباها بها الله لا يستطيعون اغواءها بالمال او ابتزازها بالمساعدات . ندعوا الله ان يحمى ليبيا و يجمع كلمة الليبيين لبناء دولة ليبيا الموحدة الحديثة غير المركزية ,دولة المؤسسات التى تعزز حقوق المواطنة وترسى مبادىء العدل و المساوات لكل الليبيين و حيثما كانوا بعيدا عن اى اقصاء او تهميش .