ربما تعقد القمة الثالثة والعشرين في بغداد، على الرغم من أن جميع المؤشرات تدعو إلى عدم عقدها في العراق، وحتى أجل غير منظور، نعم يمكن أن تعقد وليشكل انعقادها ظاهرة نادرة في النظام الرسمي العرب، في ركوب المخاطر التي من المحتل أن تبرز في أية لحظة من دون أن تتمكن الأجهزة الأمنية من درء ما يترتب عليها من احتمالات. ويبدو أن الزعماء العرب وفي ظاهرة تحدٍ لافتة واستثنائية نادرة، لحالة الانفلات الأمني التي تفرش أجنحتها فوق العراق، قرروا مشاركة بلدانهم في القمة من دون أن يلزموا أنفسهم بالمشاركة فيها بأنفسهم، ويتزامن العنف المتقافز في معظم المدن العراقية مع تحضيرات القمة المفترضة، على الرغم من كل المحاولات التي تبديها الأجهزة الأمنية وبدفع من حكومة التحالف الوطني، لإظهار بغداد وكأنها تعيش استقرارا كافيا لعقد القمة، وسط أجواء من المجازفة التي قد يتعرض لها قادة تعودوا على إحاطة أنفسهم بأسيجة متعددة من الحمايات الأمنية الصارمة حتى داخل قصورهم الرئاسية. ولا نعرف على وجه التحديد مصدر هذه الشجاعة المفاجئة التي برزت على السطح السياسي العربي الرسمي، وكيف يسلم هذا العدد من القادة العرب رقابهم بيد بلد لحد الآن لا تستطيع الأجهزة الأمنية حماية نفسها فيه، فمن المعروف أن أي مكان مقترح لأي اجتماع، بما فيها الاجتماعات على مستوى المدراء العامين لا بد من توفر الحد الأدنى من الأمن، ولا يمكن أن تلتئم الاجتماعات في مدينة مضطربة مهما بلغ عدد القوات المخصصة لحمايتها، لكن الأمر في بغداد له خصوصية استثنائية كان يجب أن تمنع انعقاد القمة في عاصمة الرشيد، ويمكن إجمالها بعدد من النقاط الجوهرية، لعل في مقدمتها عدم توفر الكفاءة المهنية والخبرة العملية في مجالي التدريب والتجهيز لأجهزة الأمن، لحماية بلد يعيش حالة من الانقسام السياسي والديني والمذهبي عموديا وأفقيا، بسبب تداعيات الاحتلال الأمريكي وإفرازاته الكارثية على كل زاوية ومرفق، هذا الاحتلال الذي مازال جاثما على صدور العراقيين، على الرغم من تكرار القول على مستوى أجهزة الإعلام بأن قواته قد انسحبت من العراق. ليست هذه النقطة وحدها هي التي تشكل سببا يحول دون أداء الأجهزة الأمنية لمهماتها في حماية رؤساء وفود ينتمون لدول دخلت في تقاطعات حادة مع سياسة الحكومات التي جاءت بعد الاحتلال، وتم تحميلها مسؤولية الاضطراب الذي عاشه العراق كلا أو جزءً، ولما كانت الأجهزة الأمنية مخترقة، على وفق الاعترافات التي خرجت من معظم المسؤولين السياسيين والأمنيين، فمن المحتمل أن يأتي الخطر على رؤساء الوفود من المركز الذي يفترض به توفير ضمانات الأمن للمؤتمرين، فما هي الضمانة بألا يخرج أحد الأفراد المكلفين بواجب أمني وهو محمل بذكريات الشحن السياسي والطائفي الذي عاشه العراق عامي 2006 و2007 ويسعى لتصفية حسابات يظنها قريبة من الواقع مع ممثل هذا البلد أو ذاك، وعندما تنطلق إطلاقة واحدة فحينذاك لن يستطيع أحد إيقاف الرصاص الذي لن يعطي فرصة للتمييز بين العدو والصديق، ووحينذاك سيتحول مؤتمر القمة إلى مجلس عربي للعزاء على أعلى المستويات وحينها ستنكس أعلام معظم الدول العربية حدادا على من يكون قد رحل؟ قبل أن تقرر جامعة الدول العربية قرارها النهائي بعقد القمة العربية في بغداد، طفت على السطح أراء متباينة من بعض الدول العربية، تراوحت بين القطع بعدم المشاركة في القمة، وبين من ترك الباب مواربا على كل الاحتمالات، ولكن المواقف المتشددة بدأت تلين، والمواقف الوسطية بدأت تحزم أمرها باتجاه المشاركة، وكان القاسم المشترك بين الجميع، هو القول بأن على العرب استعادة ابنهم إلى بيت والديه، بعد أن تاهت به الطرق وتعددت به السبل، وادعت أطراف لا تعد ولا تحصى أحقيتها بالولاية عليه. ربما ليس هذا هو الوجه الآخر من الصورة، إذ يبدو أن النظام الرسمي العربي الذي ما تزال كثير من مفاتيح أبوابه الداخلية والخارجية، بيد العراب الأمريكي، لم يستطع مقاومة رغبة البيت الأبيض في تقديم الدعم لما يسميه الأمريكيون بالديمقراطية الناشئة في العراق، والتي جاءت محملة على أجنحة طائرات الشبح وصواريخ توما هوك الأمريكية، وبالتالي فإن هذا الهدف يمثل بالنسبة للولايات المتحدة حتى لو كان شكليا ولا قيمة حقيقية له، مطلبا ملحا للمرحلة الراهنة والمستقبل، حتى وإن تمكنت إيران من حصاد ايجابيات القمة العربية لنفسها ومنعت مشاكسة أحد لها فيها بمن فيهم من كان سببا خفيا في عقدها في بغداد. العرب لن ينفعهم رقم جديد يضاف إلى مسلسل القمم العربية، بل الذي ينفعهم حصرا هو أن تصب مؤتمرات القمة العربية في حوض العمل العربي المشترك، الذي يستطيع التصدي بصورة عملية للأخطار المحدقة بالأمة العربية، وليس بسياسة النوايا الملتبسة وتبويس اللحى، وهي السياسة التي تأكد إخفاقها لعدة عقود من الزمن العربي المتخاصم مع نفسه.