قيل قديما في وصف الجهلة والظلاميين ومدّعي العلم بأنهم مساكين إن أعترفوا بجهلهم فقد انكشف أمرهم وإن لم يعترفوا فهو ينكشف مرات ومرات.... وهذا هو حال أصحابنا من الذين ضلّوا بركوبهم الجهل وزلّوا بمصاحبتهم له ... فعندما قامت الثورة في تونس وخرج شباب مدن الملح والقصدير في سيدي بوزيد والقصرين وتالة وقفصة وغيرها من المدن لم يكن للثائرين من رمز وراية تعرّف بهم سوى تلك التي شكّلت على مرّ التاريخ الحديث عنوانا لنضال أبناء تونس من أجل الإستقلال والتحرر .... فكان العلم التونسي في حدّ ذاته رمزا وراية حملها كلّ الطيف الوطني معبّرا عن وحدة الموقف من الإستبداد والظلم والقهر والتخلّف ...ولم نشاهد أثناء الثورة وفي أحلك فتراتها ومراحلها علما آخر أو راية أخرى ترفرف في سماء الثائرين من بنزرت الى بنقردان حتى أعتقد العالم أجمع بأن العلم التونسي كان بحقّ كلمة السرّ التي سار على دربها الثائرون والقائد الأوحد والوحيد لثورة تونس .. ولأن راية الثورة في بلادنا كانت ولازالت تحمل في مضامينها قيم الحرية والعدالة والمساواة فقد إستثمر بعض المتسلّقين والجهلة مناخ الحرية ليحاولوا فرض رايات ورموز دخيلة على الثورة وأكثر من ذلك سعوا الى تنكيس راية الثورة الحقيقية مجسدة في العلم التونسي وإستبدالها برايات سوداء كسواد العقول التي حملت أفكارا ومعتقدات أكثر سوادا من السواد نفسه ...يقولون إن راية الإسلام يغلب عليها السواد ولا يجوز أن ترفع راية فوق راية الخلافة وفي هذا القول جهل بالتاريخ وحقائقه وتفاصيله وظلم كبير لمن هم خير منّا ومنهم صحابة الرسول العربي الكريم عليه الصلاة والسلام ... والمتتبع لتاريخ المسلمين منذ البعثة الى يومنا هذا سوف يقف بالضرورة عند حقيقة مفادها أن المسلمين الأوائل لم يرفعوا راية واحدة ولم يجمعوا على راية واحدة فكان الرسول عليه الصلاة والسلام يستعمل الرايات البيضاء في مواقع ويستعمل السوداء في مواقع أخرى ولعلّ أولائك الجهلة الظلاميون قد نسوا أو تناسوا أن راية المسلمين في موقعة بدر الكبرى وعند فتح مكّة كانت بيضاء اللون وكذلك كانت رايات الأمويين الذين عرفوا بالمبيّضة ... وأن الخليفة الراشد عمر إبن الخطاب كانت رايته خضراء اللون وتسمّى بالخضرية وهي نفس الراية التي إستعملها الفاطميون وأن رايات بني العباس كانت سوداء وراية القائد العظيم صلاح الدين الأيوبي صفراء اللون ... ولقد كان العرب والمسلمون يعقدون الألوية على رؤوس الرماح مستعملين العمائم التي يغطون بها رؤوسهم عادة وكانت في أغلبها بيضاء اللون إذ قيل قديما في تفضيل العرب للألوان : الأصفر أشكل والأحمر أجمل والخضرة أقبل والسواد أهول والبياض أفضل ... وفي حديث سمرة بن جندب قال رسول الله عليه الصلاة والسلام : ألبسوا ثياب البياض فإنها أطهر وأطيب. ثمّ ألم يطّلع أولائك الجهلة على تصريح أحد رموز السلفية في تونس الشيخ البشير بلحسن الذي أكّد صراحة بأنه لا شيء في العلم التونسي يدعو الى رفضه أو الإستغناء عنه ؟؟؟ونحن على يقين تام بأن من نكّس العلم التونسي في كلية الآداب بمنوبة ورفع مكانه العلم الأسود يجهل تماما تاريخ العلم ومضامينه الرمزية والمعاني التي حملتها رموزه مجسدة في اللونين الأبيض والأحمر والنجمة الخماسية والهلال ... ولكن جهله ذاك لا يعفيه وأمثاله من مسؤولية الإستهتار براية الثورة في تونس ... تلك الثورة التي لم نرى فيها سلفيا واحدا من 17 ديسمبر 2010 الى 14 جانفي 2011 ... وبعد ... بالله عليكم : هل سمع أحدكم يوما سلفيا يتحدّث عن التشغيل والحرية والكرامة والفساد والديمقراطية والتنمية والعدالة والمحاسبة ؟؟؟فثورتنا في تونس التي كانت بيضاء بأتمّ معنى الكلمة هي الآن بصدد التحوّل الى السواد لونا ومضامين وغايات وتجليات ميدانية .... وهنا لم أفهم ... هل قامت الثورة في تونس وسالت دماء الشهداء من أجل قضايا الحرية والكرامة أم قامت من أجل قضايا هامشية لا علاقة لها بمطالب الشعب الحقيقية ؟؟؟ورحم الله لقمان الحكيم حينما قال : تعلمت الحكمة من الجهلاء فكلما رأيت فيهم عيبا تجنّبته ..... مع تحيات رفيقكمعز الدين بن حسين القوطالي