قبل المغامرة للإجابة عن هذا السؤال نرى أنه لا بُدَّ من تحديد بعض المصطلحات التي تساعدنا على إعطاء رأي، وتلك المصطلحات هي: ما هي رؤيتنا للواقع العربي؟ وما هي أهداف الحوار؟ ومن هي تلك المذاهب المطلوب أن تقوم به؟ 1- ولتحديد تعريفنا للمصطلح الأول نرى أن الواقع العربي، كما أنه يعاني من غياب القرار العربي المستقل في هذه المرحلة أكثر من أي مرحلة سبقتها، فإن من أهم أسباب تلك المعاناة هي عامل الطائفية والصراع الطائفي. والطائفية هي إذن من أهم عوائق بناء قرار عربي مستقل وموحَّد. وهنا، هل يمكن لمن يمتلك السلاح الطائفي من أصحاب المذاهب الإسلامية التي تمارس مهامها على قواعد الحقن والتعصب، أي هل من كان سبب الداء يمكنه أن يوفِّر الدواء؟ 2- وأما عن أهداف الحوار حول واقع عربي يتجه نحو التفتيت والتجزئة والحروب الأهلية، فهو منع الانحدار أكثر باتجاهها. وإذا كان هذا الحوار مطلوباً فلن يتوصَّل إلى نتائج، على الأقل نظرية، إلاَّ من كان رافضاً للتفتيت والتجزئة والحروب الأهلية، وهؤلاء لا يمكن توفير وجودهم إلاَّ من المؤمنين بالوحدة الوطنية والقومية، وطبعاً من الرافضين للطائفية، ومن يرفضها هم القوى والأحزاب والشخصيات التي آمنت بأن الحل المناسب للوضع العربي لن يكون خارج مفاهيم بناء الدولة الوطنية والقومية، والتي تنشد بناء الدولة المدنية التي تضمن لكل المذاهب حقوقها بالمساواة والعدالة، وتفرض على الجميع أداء واجباتهم تجاه حماية تلك الدولة. 3- وأما عن تعريفنا للمصطلح الثالث، فنرى أنه لم يبق خارج المذاهب الإسلامية إلاَّ أقليات معتدلة قد تنجذب إلى هدف بناء الدولة المدنية، وممن لم يتَّخذوا الإسلام السياسي غطاء لمخططات ليست لها علاقة بالدين وأهداف الدين. إلاَّ أن تلك الأقليات لا حول لها ولا قوة. لذلك، وإذا عقد هؤلاء مؤتمراً للحوار واتفقوا على قرارات، فهل يمكنهم تطبيق جزء منها؟ وهنا، وإذا لم يكن من أهداف الحوار الوصول إلى قرارات مُلزمة لأطرافها على أن تكون قابلة للتطبيق، فلاجدوى منها، سواء أتحاوروا أم لم يتحاوروا. وأنهي جوابي بالتالي : إن دعاة المذاهب الإسلامية العاملين من أجل أهداف سياسية لبناء أنظمة ثيوقراطية، أو لبناء دويلات طائفية، هم المستعجلون على قطف نتائج ما يسمونه (ربيعاً عربياً)، ويصح القول عليهم بأنهم يعملون من أجل (ربيع مذهبي) يقتطع كل منهم حصته على حساب وحدة هذا القطر أو ذاك. وهنا تجدر الإشارة إلى واقع لا مهرب منه، هو أن دعاة المذاهب الإسلامية، سُنيَّة وشيعية، يستغلون فرصة الواقع العربي لتحقيق أحلامهم. وإذا حصل التقسيم في هذا القطر أو ذاك، ستنتصب المتاريس الطائفية التكفيرية، وسيتحول الواقع العربي إلى ما هو أكثر سوءاً مما هو عليه الآن. وستتحقق نبوءة (حدود الدم) التي تعمل الدول الغربية على تعميمها. وأخيراً لن يكون الحوار بين المذاهب الإسلامية مجدياً لأنهم انتهجوا سبل تسييس الدين، وهم إن تحالف بعض تياراتهم فإنما تحالفاتهم هي من نوع التحالفات الشاذة، كما حصل في العراق بين حزب الدعوة والحزب الإسلامي العراقي، ولما أنجزوا تقسيم العراق، دخلوا في نفق الحرب الطائفية والأهلية، وتحصين (حدود الدم) بينهما وتعميق خنادقها. ولن تكون الصورة في أقطار أخرى بعيدة عن هذا المشهد.